الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية العبادية @ 18- الهداية الربانية إلى عبادة الصيام


معلومات
تاريخ الإضافة: 9/8/1429
عدد القراء: 1024
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

 


-  أيها المسلمون : تتفق الأمم جميعاً على أن كيان الإنسان ينقسم إلا قسمين : روح وجسد.

-  واستطاع الإنسان من خلال احتكاكه بالجسد - عبر أزمنة  طويلة- أن يعرف حاجاته ، وما يصلحه من : الغذاء والدواء واللباس .

-  وها هو الإنسان قد طوَّر المراكب ، وأتقن العلاج ، ونوَّع الطعام ، وكيَّف الهواء ، كلُّ ذلك لراحة الجسد ورفاهيته .

-  وأما في الجانب الروحي ، الذي به شرف الإنسان ، فما زالت البشرية الضَّالة تتخبَّط في دروب المعرفة ، تبحث عن نهج رعاية الروح وهدايتها .

-  ولئن كانت البشرية قد تخطَّت في الجانب المادي مراحل عظيمةً في رفاهية البدن ، فإنها مع ذلك قابعةٌ في شأن الروح في أسفل الدركات .

-  إن شأن الروح – أيها الإخوة - من أمر الله تعالى ، قد حجب خبرها ، ونهج رعايتها ، وطرق تزكيتها : إلا من طريق الوحي ، الذي يُنزله على الأنبياء عليهم السلام.

-  فعاشت قطعان كبيرة من البشرية في القديم والحديث ، فاقدة أسباب تزكية الروح ، ونهج رعايتها ، حتى حاصرها : الكرب والهم والقلق والاكتئاب من كل مكان .

-  لقد أضلَّتهم الطواغيت والأحبار والرهبان والفلاسفة عن نهج الحق ، الذي تسكن به النفوس ، وتزكو به القلوب والأرواح .

-  لقد وجد كل ناعق ضال من قطعان البشر من يتبعه على ضلاله وفساده ، حتى وُجد في البشرية من يبحث عن تزكية نفسه في عبادة الأوثان والجرذان، حتى استقر عند كثير من المؤرخين للأديان : أنه ما من حيوان في البيئة إلا كان في يوم من الأيام مقدَّساً عند أمة من الأمم ، باعتباره إلهاً.

-  وفي خضم هذا الضلال الواسع، والظلام الحالك ، والحجب المتراكمة: يصطفي الله الأنبياء عليهم السلام وأتباعهم ليدلَّهم إلى نهج عبادته ، الذي تصحُّ به الأرواح ، وتزكو به النفوس.

-  ينقذهم – سبحانه وتعالى - من دروب الضلال ، ونهج الفساد إلى طريق الهداية والرشاد ، لقد كفاهم الله مؤونة البحث والتنقيب عن طريق الحق ، حين أوحى إليهم.

- " قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ".

-  " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ".

-  " قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ " .

-  أيها المسلمون : إن من أعظم المنن الربانية على عباد الله المؤمنين أن دلَّهم على نهج العبادة الصحيح ، الذي تزكو به النفس، وتسْعَد به الروح .

-  لقد منَّ الله على عباده المؤمنين أن عرَّفهم أعظـم العبادات التي ارتضاها لهم ، لقد عرَّفهم أركان الإسلام .

-  لقد عرَّفهم شهادة الحق ، أعظمَ كلمة في الوجود : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ليس شيء أعظمَ ولا أثقلَ ولا أجلَّ منها .

-  لقد عرَّفهم الصلاة التي تزكِّي نفوسهم ، وتريح قلوبهم ، أنى لهم أن يعرفوا هذه العبادة العظيمة لولا فضلُ الله ورحمته .

-  أيها المسلمون : إن من العبادات التي عرَّفها الله تعالى عباده المؤمنين عبادة الصيام ، تزكِّي النفس ، وتطهر الروح ، وتشرح الصدور .

-  لو اجتمع الثقـلان من الجن والإنس على أن يضعوا لأنفسهم نهجاً للعبادة ، يطهر النفس ، ويزكي الروح لعجزوا عن ذلك .

-  وها هم أهل الرياضات الروحية من النصارى والهندوس وغيرهم كثير ما زادتهم عباداتهم المختلقة إلا رجساً على رجسهم ، وضلالاً إلى ضلالهم .

-  لقد أغلق الله طريق الهداية لزكاة الروح إلا عن طريق وحيه المبارك ، الذي ينزله على أنبيائه الكرام، فلا سبيل إلى ذلك إلا عن طريقهم.

-  أيها المسلمون : في الصيام يجد المسلم سلوته ، وراحة نفسه ، عندما يعلم أنه في طاعة ربه ، أُمر بالصيام فصام ، فهو يعمل في رضا ربه عز وجل.

-  " أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ".

-  أي نعمة أعظمُ من استشعار الهداية إلى العبادة الصحيحة ؟ ما قيمة جهود الإنسان حين يأتي يوم القيامة وقد عبد الله على غير هدى ؟

-  أي خزي وعار ينتظره ؟ مقابل منْ عبدالله على هدى ، فهذه فرحة الصائم حين يلقى ربَّه ، فيفرح بصيامه ، ويفرح برضا ربه عز وجل.

-  أي نعمة  تنتظر المؤمن الصائم حين يلقى ربه عز وجل ؛ ليوفِّيه ما وعده : «الصيام لي وأنا أجزي به» ، فأي كرامة وفضل ينتظر المؤمن ؟

-  فاستعينوا - أيها المسلمون - بالله على إتقان صيامكم ، واحفظوه من اللغو والرفث والسباب والشتائم ، ونقُّوه من شوائب الحرام والباطل .

-  اللهم حبِّب إلينا الصيام ، واجعل أنسنا في القيام ، وكما أسعدتنا بفطرنا عند الغروب ، فأسعدنا بصيامنا يوم نلقاك يا رب العالمين .

* * *

-  أيها المسلمون : رمضان ضيف عزيز خفيف ، لايُطيل البقاء، ولا يثقل المؤنة ، يأتي سريعاً ، ويمضي سريعاً ، فلا تستثقلوه .

-  رمضان نفحة من نفحات الكريم الجبار ، يُذيقكم من بعض فضله ، لتتشوَّقوا إلى المزيد ، مما ادَّخره سبحانه وتعالى للصائمين عنده .

-  لقد اشتاق الصائم إلى باب الريان ، يزاحم عليه مع إخوانه الصائمين ، فأي فرحة تغمره وهو يدخل الباب إلى جنات النعيم ؟

-  ثم أي همٍّ وحزن وحسرة ، حين يُغلق الباب دون أناس فرَّطوا في صيامهم، وضيَّعوا شهرهم ؟

-  أي حسرة تحيط بالمفرط في عبادته ، حين لا يجد فرجة بين أبواب الجنة التي ازدحمت بالصائمين والمجاهدين والمصلين والمتصدقين ؟

-  لقد ضاقت أبواب الجنة الثمانية - التي وسعت ما بين المشرق والمغرب - عن أن تسمح لمفرِّط في عبادته أن يدخل منها : « اليوم أنساك كما نسيتني».

-  إن أعظم خزي يواجهه الإنسان هو أن يُغبن في حظوظه التي ادخرها الله تعالى له ، فلا ينال منها شيئاً يوم القيامة ، فهذا هو الخزي العظيم.

-  نعوذ بالله من الخذلان ، اللهم لا تخزنا يوم يبعثون ، وتقبلنا مع الصائمين يا أرحم الراحمين .