- أيها
المسلمون : تتفق الأمم جميعاً على أن كيان الإنسان ينقسم إلا قسمين : روح وجسد.
- واستطاع
الإنسان من خلال احتكاكه بالجسد - عبر أزمنة
طويلة- أن يعرف حاجاته ، وما يصلحه من : الغذاء والدواء واللباس .
- وها هو
الإنسان قد طوَّر المراكب ، وأتقن العلاج ، ونوَّع الطعام ، وكيَّف الهواء ، كلُّ
ذلك لراحة الجسد ورفاهيته .
- وأما في
الجانب الروحي ، الذي به شرف الإنسان ، فما زالت البشرية الضَّالة تتخبَّط في دروب
المعرفة ، تبحث عن نهج رعاية الروح وهدايتها .
- ولئن
كانت البشرية قد تخطَّت في الجانب المادي مراحل عظيمةً في رفاهية البدن ، فإنها مع
ذلك قابعةٌ في شأن الروح في أسفل الدركات .
- إن شأن
الروح – أيها الإخوة - من أمر الله تعالى ، قد حجب خبرها ، ونهج رعايتها ، وطرق
تزكيتها : إلا من طريق الوحي ، الذي يُنزله على الأنبياء عليهم السلام.
- فعاشت
قطعان كبيرة من البشرية في القديم والحديث ، فاقدة أسباب تزكية الروح ، ونهج
رعايتها ، حتى حاصرها : الكرب والهم والقلق والاكتئاب من كل مكان .
- لقد
أضلَّتهم الطواغيت والأحبار والرهبان والفلاسفة عن نهج الحق ، الذي تسكن به النفوس
، وتزكو به القلوب والأرواح .
- لقد وجد
كل ناعق ضال من قطعان البشر من يتبعه على ضلاله وفساده ، حتى وُجد في البشرية من
يبحث عن تزكية نفسه في عبادة الأوثان والجرذان، حتى استقر عند كثير من المؤرخين
للأديان : أنه ما من حيوان في البيئة إلا كان في يوم من الأيام مقدَّساً عند أمة
من الأمم ، باعتباره إلهاً.
- وفي خضم
هذا الضلال الواسع، والظلام الحالك ، والحجب المتراكمة: يصطفي الله الأنبياء عليهم
السلام وأتباعهم ليدلَّهم إلى نهج عبادته ، الذي تصحُّ به الأرواح ، وتزكو به
النفوس.
- ينقذهم –
سبحانه وتعالى - من دروب الضلال ، ونهج الفساد إلى طريق الهداية والرشاد ، لقد
كفاهم الله مؤونة البحث والتنقيب عن طريق الحق ، حين أوحى إليهم.
- " قَدْ جَاءكُم
مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ
رِضْوَانَهُ
سُبُلَ السَّلاَمِ
وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ".
- " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ".
- " قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ
مِّمَّا
يَجْمَعُونَ
" .
- أيها
المسلمون : إن من أعظم المنن الربانية على عباد الله المؤمنين أن دلَّهم على نهج
العبادة الصحيح ، الذي تزكو به النفس، وتسْعَد به الروح .
- لقد منَّ
الله على عباده المؤمنين أن عرَّفهم أعظـم العبادات التي ارتضاها لهم ، لقد عرَّفهم
أركان الإسلام .
- لقد عرَّفهم
شهادة الحق ، أعظمَ كلمة في الوجود : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ليس شيء
أعظمَ ولا أثقلَ ولا أجلَّ منها .
- لقد عرَّفهم
الصلاة التي تزكِّي نفوسهم ، وتريح قلوبهم ، أنى لهم أن يعرفوا هذه العبادة
العظيمة لولا فضلُ الله ورحمته .
- أيها
المسلمون : إن من العبادات التي عرَّفها الله تعالى عباده المؤمنين عبادة الصيام ،
تزكِّي النفس ، وتطهر الروح ، وتشرح الصدور .
- لو اجتمع
الثقـلان من الجن والإنس على أن يضعوا لأنفسهم نهجاً للعبادة ، يطهر النفس ، ويزكي
الروح لعجزوا عن ذلك .
- وها هم
أهل الرياضات الروحية من النصارى والهندوس وغيرهم كثير ما زادتهم عباداتهم المختلقة
إلا رجساً على رجسهم ، وضلالاً إلى ضلالهم .
- لقد أغلق
الله طريق الهداية لزكاة الروح إلا عن طريق وحيه المبارك ، الذي ينزله على أنبيائه
الكرام، فلا سبيل إلى ذلك إلا عن طريقهم.
- أيها
المسلمون : في الصيام يجد المسلم سلوته ، وراحة نفسه ، عندما يعلم أنه في طاعة ربه
، أُمر بالصيام فصام ، فهو يعمل في رضا ربه عز وجل.
- " أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ
الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى
إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ".
- أي نعمة
أعظمُ من استشعار الهداية إلى العبادة الصحيحة ؟ ما قيمة جهود الإنسان حين يأتي
يوم القيامة وقد عبد الله على غير هدى ؟
- أي خزي
وعار ينتظره ؟ مقابل منْ عبدالله على هدى ، فهذه فرحة الصائم حين يلقى ربَّه ،
فيفرح بصيامه ، ويفرح برضا ربه عز وجل.
- أي
نعمة تنتظر المؤمن الصائم حين يلقى ربه عز
وجل ؛ ليوفِّيه ما وعده : «الصيام لي وأنا أجزي به» ، فأي كرامة وفضل ينتظر المؤمن
؟
-
فاستعينوا - أيها المسلمون - بالله على إتقان صيامكم ، واحفظوه من اللغو
والرفث والسباب والشتائم ، ونقُّوه من شوائب الحرام والباطل .
- اللهم حبِّب
إلينا الصيام ، واجعل أنسنا في القيام ، وكما أسعدتنا بفطرنا عند الغروب ، فأسعدنا
بصيامنا يوم نلقاك يا رب العالمين .
* * *
- أيها
المسلمون : رمضان ضيف عزيز خفيف ، لايُطيل البقاء، ولا يثقل المؤنة ، يأتي سريعاً
، ويمضي سريعاً ، فلا تستثقلوه .
- رمضان
نفحة من نفحات الكريم الجبار ، يُذيقكم من بعض فضله ، لتتشوَّقوا إلى المزيد ، مما
ادَّخره سبحانه وتعالى للصائمين عنده .
- لقد
اشتاق الصائم إلى باب الريان ، يزاحم عليه مع إخوانه الصائمين ، فأي فرحة تغمره
وهو يدخل الباب إلى جنات النعيم ؟
- ثم أي همٍّ
وحزن وحسرة ، حين يُغلق الباب دون أناس فرَّطوا في صيامهم، وضيَّعوا شهرهم ؟
- أي حسرة
تحيط بالمفرط في عبادته ، حين لا يجد فرجة بين أبواب الجنة التي ازدحمت بالصائمين والمجاهدين
والمصلين والمتصدقين ؟
- لقد ضاقت
أبواب الجنة الثمانية - التي وسعت ما بين المشرق والمغرب - عن أن تسمح لمفرِّط في
عبادته أن يدخل منها : « اليوم أنساك كما نسيتني».
- إن أعظم
خزي يواجهه الإنسان هو أن يُغبن في حظوظه التي ادخرها الله تعالى له ، فلا ينال
منها شيئاً يوم القيامة ، فهذا هو الخزي العظيم.
- نعوذ
بالله من الخذلان ، اللهم لا تخزنا يوم يبعثون ، وتقبلنا مع الصائمين يا أرحم
الراحمين .