الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الإيمانية @ 32- مقام التوكل على الله


معلومات
تاريخ الإضافة: 9/8/1429
عدد القراء: 5226
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق


-  أيها المسلمون : يطالعنا القرآن الكريم بآيات كثيرة تتحدث عن التوكل وتأمر به ، وتحضُّ عليه ، كقوله تعالى : " وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " .

-  وقوله أيضاً : " قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " .

-  وقوله تعالى : " وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " .

-  ولقد جاء الأمر من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم يأمره بالتوكل عليه : " وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ " .

-  " وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ " .

-  " فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ " .

-  " وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً " .

- وأمر الله  نبيه صلى الله عليه وسلم حين يعزم على الأمر أن يعتمد متوكلاً على الله : " فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " .

-  ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم الناس توكلاً على ربه عز وجل ، ولقد تجسًَّد ذلك واضحاً في هجرته من مكة إلى المدينة .

-  لقد بلغ به التوكل على ربه أنه لا يلتفت إلى الوراء ، لقد امتلأ قلبه بالتوكل والثقة والتسليم لله رب العالمين .

-  ومن لطائف توكله صلى الله عليه وسلم في مسالة العدوى ، أنه أخذ بيد مجذوم فأدخلها معه في القصعة ليأكل، وقال : « كل، ثقة بالله وتوكلاً عليه » .

-  وفي يوم معركة اليرموك الفاصلة ، حين كثر الأعداء : كتب المسلمون إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يستمدونه بالمزيد من المقاتلين ، فكتب إليهم يأمرهم بالتوكل على الله ، ويقول : « إني أدلكم على من هو أعز نفراً ، وأحضر جنداً : الله عز وجل ، فاستنصروه » .

-  أيها المسلمون : التوكل من أعظم أسباب جلب الخيرات ، ودفع المكروهات ، فإن المتوكلين على الله عز وجل يدخلون الجنة مع السبعين ألفاً بغير حسـاب ولا عقـاب ، وفي الحديث : « هم الذين لا يسترقون ، ولا يتطيَّرون ، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون ».

-  والتوكل من أوسع أبواب الرزق ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو أنكم توكَّلتم  على الله حق توكُّله لرزقكم كما يرزقُ الطير ، تغدو خماصاً ، وتروح بطاناً » ، يعني تخرج في الصباح جائعة ، ضامرة البطون ، وتعود في المساء وقد شبعت .

-  ولهذا أدَّبنا المولى عز وجل أن ندعو فنقول : " رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ " .

-  ويقول  أيضًا : " قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ".

- وأدَّبنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن نعلن التوكل في دعائنا حين يخرج أحدنا من بيته فيقول : « بسم الله توكلت على الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله » .

-  وحين ثقل على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم قرب الساعة قال لهم : « قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا » .

-  وأما حقيقة التوكل فهي : صدق الاعتماد على الله تعالى ، والركون إليه، والثقة به ، والتسليم له في جلب المصالح ودفع المضار ، مع تفريغ القلب من غيره.

-  وقد يفهم البعـض أن التوكُّل ينافي الأخذ بالأسباب ، والصحيح أن التوكُّل : أخذ بالأسباب مع التفويض الكامل لله تعالى .

-   وقد أخطأ بعض أهل اليمن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فخرجوا من بلادهم بلا زاد ، ظناً منهم أن هذا هو التوكل فأنزل الله تعالى : " وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى " ، فأمرهم بأخذ الزاد ، فالتوكل لا ينافي الأخذ بالأسباب.

-  ولما جاء الأعرابي يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن ناقته فقال : « يا رسول الله، أعقلُها وأتوكل، أو أطلقُها وأتوكل ؟ قال اعقلها وتوكل » .

-  أيها المسلمون : إذا كان هذا الفهم لحقيقة التوكل قد رسخ في قلوب المسلمين اليوم اعتقاداً ، وأخذاً للأسباب : فلماذا تفوَّق الكفار المعتمدون على الأسباب ، وأخفق المسلمون المتوكلون على الله ؟ لماذا انهزمنا أمام أعدائنا إذا كنا صادقين في توكلنا على الله تعالى ؟ ولكن الحقيقة أن هناك خللاً في توكلنا ، واضطراباً في أخذنا بالأسباب.

-  أعوذ بالله الشيطان الرجيم : " وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا " .

* * *

- أيها المسلمون : نحن في حاجة ملحة إلى مراجعة أنفسنا : هل نحن بالفعل متوكلون على الله تعالى ، آخذون بالأسباب التي أمرنا بها ، أم مفرِّطون متواكلون.

-  أيها المسلمون : هل توكل على الله من حكم بغير ما أنزل الله ، هل توكل على الله من أكل ربا ومنع الزكاة والحقوق ، هل توكل على الله من عقَّ والديه وقطع رحمه، هل توكل على الله من تعلَّق قلبه بالممثلات والمغنيات ، هل توكل على الله عز وجل من نافق وداهن وجامل الرؤساء والكبراء؟

- لنسأل أنفسنا هذه الأسئلة ، لنعرف أين نحن من حقيقة التوكل.