- أيها المسلمون
: يطالعنا القرآن الكريم بآيات كثيرة تتحدث عن التوكل وتأمر به ، وتحضُّ عليه ،
كقوله تعالى : " وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " .
- وقوله
أيضاً : " قُل
لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ
مَوْلاَنَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ "
.
- وقوله
تعالى : " وَلِلّهِ
غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " .
- ولقد جاء
الأمر من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم يأمره بالتوكل عليه : " وَتَوَكَّلْ
عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ
وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ "
.
- " وَتَوَكَّلْ عَلَى
الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ " .
- " فَتَوَكَّلْ عَلَى
اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ "
.
- " وَتَوَكَّلْ عَلَى
اللَّهِ
وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً "
.
- وأمر الله
نبيه صلى الله عليه وسلم حين يعزم على
الأمر أن يعتمد متوكلاً على الله : " فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى
اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ "
.
- ولقد كان
الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم الناس
توكلاً على ربه عز وجل ، ولقد تجسًَّد ذلك واضحاً في هجرته من مكة إلى المدينة .
- لقد بلغ
به التوكل على ربه أنه لا يلتفت إلى الوراء ، لقد امتلأ قلبه بالتوكل والثقة
والتسليم لله رب العالمين .
- ومن
لطائف توكله صلى الله عليه وسلم في مسالة
العدوى ، أنه أخذ بيد مجذوم فأدخلها معه في القصعة ليأكل، وقال : « كل، ثقة بالله
وتوكلاً عليه » .
- وفي يوم
معركة اليرموك الفاصلة ، حين كثر الأعداء : كتب المسلمون إلى أمير المؤمنين عمر
رضي الله عنه يستمدونه بالمزيد من المقاتلين ، فكتب إليهم يأمرهم بالتوكل على الله
، ويقول : « إني أدلكم على من هو أعز نفراً ، وأحضر جنداً : الله عز وجل ،
فاستنصروه » .
- أيها
المسلمون : التوكل من أعظم أسباب جلب الخيرات ، ودفع المكروهات ، فإن المتوكلين
على الله عز وجل يدخلون الجنة مع السبعين ألفاً بغير حسـاب ولا عقـاب ، وفي الحديث
: « هم الذين لا يسترقون ، ولا يتطيَّرون ، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون ».
- والتوكل
من أوسع أبواب الرزق ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو أنكم
توكَّلتم على الله حق توكُّله لرزقكم كما
يرزقُ الطير ، تغدو خماصاً ، وتروح بطاناً » ، يعني تخرج في الصباح جائعة ، ضامرة
البطون ، وتعود في المساء وقد شبعت .
- ولهذا أدَّبنا
المولى عز وجل أن ندعو فنقول : " رَّبَّنَا عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ "
.
- ويقول أيضًا : " قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ
يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ".
- وأدَّبنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن نعلن
التوكل في دعائنا حين يخرج أحدنا من بيته فيقول : « بسم الله توكلت على الله ، لا
حول ولا قوة إلا بالله » .
- وحين ثقل
على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم قرب الساعة قال لهم : «
قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا » .
- وأما
حقيقة التوكل فهي : صدق الاعتماد على الله تعالى ، والركون إليه، والثقة به ، والتسليم
له في جلب المصالح ودفع المضار ، مع تفريغ القلب من غيره.
- وقد يفهم
البعـض أن التوكُّل ينافي الأخذ بالأسباب ، والصحيح أن التوكُّل : أخذ بالأسباب مع
التفويض الكامل لله تعالى .
- وقد
أخطأ بعض أهل اليمن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فخرجوا من بلادهم بلا
زاد ، ظناً منهم أن هذا هو التوكل فأنزل الله تعالى : " وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى
" ، فأمرهم بأخذ الزاد ،
فالتوكل لا ينافي الأخذ بالأسباب.
- ولما جاء
الأعرابي يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن ناقته فقال : « يا
رسول الله، أعقلُها وأتوكل، أو أطلقُها وأتوكل ؟ قال اعقلها وتوكل » .
- أيها
المسلمون : إذا كان هذا الفهم لحقيقة التوكل قد رسخ في قلوب المسلمين اليوم اعتقاداً
، وأخذاً للأسباب : فلماذا تفوَّق الكفار المعتمدون على الأسباب ، وأخفق المسلمون
المتوكلون على الله ؟ لماذا انهزمنا أمام أعدائنا إذا كنا صادقين في توكلنا على
الله تعالى ؟ ولكن الحقيقة أن هناك خللاً في توكلنا ، واضطراباً في أخذنا بالأسباب.
- أعوذ
بالله الشيطان الرجيم : " وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى
اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ
اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا "
.
* * *
- أيها المسلمون : نحن في حاجة ملحة إلى مراجعة
أنفسنا : هل نحن بالفعل متوكلون على الله تعالى ، آخذون بالأسباب التي أمرنا بها ،
أم مفرِّطون متواكلون.
- أيها
المسلمون : هل توكل على الله من حكم بغير ما أنزل الله ، هل توكل على الله من أكل
ربا ومنع الزكاة والحقوق ، هل توكل على الله من عقَّ والديه وقطع رحمه، هل توكل
على الله من تعلَّق قلبه بالممثلات والمغنيات ، هل توكل على الله عز وجل من نافق
وداهن وجامل الرؤساء والكبراء؟