الصفحة الرئيسة @ المقال الشهري @ تفعيل خطبة الجمعة: الخطيب والخطبة (القسم الثاني)


معلومات
تاريخ الإضافة: 1/11/1432
عدد القراء: 4107
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

مقال شهر ذي القعدة 1432هـ

تفعيل خطبة الجمعة

الخطيب والخطبة

( القسم الثاني )

        سبق الحديث في القسم الأول عن الخطيب ، فيما يتعلق بشخصه ، باعتباره داعية ومرب ، قد تأهل للتوجيه والتأثير ، وأما في هذا القسم فينصب الحديث عن الخطبة ذاتها ، من حيث : إعدادها ، وموضوعاتها ، وحجمها ، وما يتعلق بها من مسائل ؛ لتكون أعظم وأكثر تأثيراً في الحاضرين ، وذلك على النحو الآتي :

ثانياً : الخطبة :

  •  إيقاع الخطبة على ما ورد في السنة ، والالتزام بشروط صحتها ؛ لأنها شرط في صحة صلاة الجمعة .
  • إفراغ الوسع في حسن إعداد الخطبة ، وإتقان أدائها ، بما يحقق مقصود الشرع من تذكير الناس ووعظهم  ، ولفتهم لما يصلحهم من أمور دينهم ودنياهم .
  • شمول الخطب لمجمل موضوعات الثقافة الإسلامية : العقائد ، والعبادات ، والمعاملات ، والحدود .
  • شمول الخطب لفئات المجتمع كافة : الرجال والنساء ، الشباب والأطفال ، الآباء والأمهات ، المعلمين والمؤدبين ، العمال والصناع ، الموظفين والتجار .
  • شمول الخطب لجميع جوانب الشخصية الإنسانية : الإيمانية ، والروحية ، والأخلاقية ، والاجتماعية ، والعقلية ، والنفسية ، والجسمية ، والعاطفية . 
  • شمول الخطب لجميع شؤون الحياة ومعاش الناس ومصالحهم ، بما يربطهم بالدين ، ويجيب عن تساؤلات العصر ، ونوازله الجديدة .
  • مواكبة الخطب للأحداث المهمة ، والوقائع العامة التي تهم الجميع ، ووضعها ضمن إطارها الشرعي ، ومعالجتها بالحكمة والروية .
  • تناول الخطيب في بعض خطبه التيارات الفكرية المنحرفة ، والمذاهب والنحل الضالة ، التي ينتشر خبرها في المجتمع ، وذلك لتوعية الناس بخطرها ، وتحذيرهم من ضلالاتها .
  • علاج الخطيب سلوكاً سيئاً شاع في المجتمع ، فيتحدث عنه وعن آثاره القبيحة على الناس ، وسبل علاجه والتوقي منه .
  • يؤكد الخطيب على خلق شريف ، أشاد به القرآن ، ومدحته السنة ، فيتناوله بالبيان والتوضيح ، ويبين آثاره الإيجابية على المجتمع ، وخطر الإعراض عنه . 
  • الاستقصاء الجاد والمتأني لكل جوانب موضوع الخطبة ، والرجوع إلى المصادر العلمية ، واستفتاء أهل الخبرة .
  • إعطاء موضوعات الخطب حقها من الاهتمام والبيان والعرض ، ضمن الاعتدال الذي أمر به الدين ، دون إفراط أو تفريط ، أو زيادة أو نقص ، أو تهويل أو تهوين .
  • مراعاة المناسبات الشرعية في اختيار موضوعات الخطب ، بما يتناسب مع الأيام والأشهر والسنوات ، على ألا يتكلف الخطيب ذلك بصورة مستمرة ورتيبة ؛ بحيث يعرف المصلون ابتداء موضوع خطبته وفقراتها ، مع العمل على تجديد أسلوب عرض خطب المناسبات ، وتطويرها بما يحقق إثراء ثقافة المصلين ، وبعث هممهم للعمل الجاد في المناسبات الإسلامية .  
  • وضع خطة تربوية تثقيفية طويلة المدى لموضوعات الخطب ، يتناولها الخطيب بتدرج ، ينتقل من خلالها بسكان الحي ثقافياً وتربوياً ، ليبلغ بهم مراتب أعلى في سلم الكمالات الروحية والأخلاقية .
  • الاستفادة الجادة والمعتدلة من وقائع الأحداث والأزمات والكوارث ، التي تلمُّ بالمجتمعات المحلية والعالمية ، وربط كل ذلك بالله تعالى مقدِّر الأقدار ، ومسبب الأسباب ، ومعالجتها بالفهم الشرعي الصحيح .
  • تطعيم الخطب بالآيات والأحاديث والآثار ، أحياناً بألفاظها وعباراتها ، وأخرى بمعانيها وظلالها ، والتنويع في ذلك حسب ما تقتضيه المقامات والمواقف ، وبما يكون تأثيره في الحاضرين أكبر ، وفي نفوسهم أبلغ .
  • تحذير الخطيب من تناول الخطب الجاهزة ، دون أن يكون له فيها تعديل وتطوير ، وإضافة وتحسين ؛ فإن لكل خطيب لمسته الشخصية الخاصة ، وروحه المتميزة ، التي يشعر بها السامعون ، ويتلمَّسها الحاضرون ؛ فإن العلاقة في غاية القوة بين الخطيب والخطبة ، فبقدر امتزاجه بها ، وتلبُّسه بمعانيها ، وانفعاله بمضامينها : يكون تأثيره في الناس ، وهذا غالباً ما يفقده المصلون من خطيبهم إذا تناول خطبة جاهزة ليس له فيها يدٌ ، من روح أو معنى .
  • التأكيد على أساليب الإقناع العقلية ، والأخذ بالحجة المنطقية عند تناول الموضوعات ، بما يحقق القناعة الكاملة بالوجهة الشرعية المطروحة في الخطبة .
  • دعم موضوعات بعض الخطب بالقصة من القرآن أو السنة أو التاريخ أو الواقع ، بما يشدُّ انتباه المصلين ، ويشحذ أذهانهم ، ويهيئهم لما يُلقى إليهم من الوعظ والتذكير .
  • أهمية وحدة موضوع الخطبة ؛ فلا تتشتت أذهان المصلين في أكثر من موضوع ، ولا تتبعثر اهتماماتهم في أكثر من قضية ؛ بحيث يعطي الخطيب الموضوع الواحد حقه الكامل من البيان والشرح في الخطبتين جميعاً ، ويجمع للموضوع ما تفرق من الأدلة الشرعية والعقلية التي تؤيده ؛ فإن زمن الخطبة لا يتسع لأكثر من ذلك .
  • إعطاء الخطبة الثانية حقها من البيان والإيضاح ، حتى وإن كانت أقصر من الأولى ، فلا تكون مجرد دعاء فحسب ، بل هي جزء أصيل من خطبة الجمعة المعتبرة شرعاً ، وهي امتداد لموضوع الخطبة الأولى ؛ فقد يكمل فيها الخطيب ما تبقى من موضوع الخطبة ، وقد يجعلها تلخيصاً لها ، أو تطبيقاً عملياً لما ورد فيها من أفكار ، فالمقصود إعطاء الخطبة الثانية حقها من البيان والتوضيح ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى اعتبارها امتداداً للخطبة الأولى وفي موضوعها .  
  • تجنب الخطيب التعرض بالترجيح والإلزام في المسائل الخلافية ، مما يسوغ فيه الخلاف ، إلا ما كان الخلاف فيه ضعيفاً ، والأدلة الشرعية فيه ظاهرة ،  مع التأكيد على مسائل الإجماع ، وإشاعة المعرفة بها بين الناس .
  • عدم إغراق الخطيب في العزو إلى الكتب والمؤلفات في أثناء الخطبة لغير حاجة تدعو إلى ذلك ؛ لما فيه من استهلاك جزء من الخطبة فيما لا يفهمه ، ولا يهتم به غالب الحاضرين ، مع أهمية التقيد بأمانة النقل ، والدقة في ذلك ، لا سيما للآيات والأحاديث والآثار ، والاكتفاء بصحيح السنة وحسنها ، وما يقاربهما من الضعيف المجبور والمعتبر ، الذي لا يتعارض مع الأصول الصحيحة ، ولا يُتجاوز ذلك إلى الواهي أو الموضوع . 
  • حسن ترتيب أفكار الخطبة ، والتنسيق بينها بصورة منطقية متسلسلة متتابعة : الأهم فالمهم ، فيأخذ الخطيب السامعين شيئاً فشيئاً ، حتى يبلغ بهم نهاية خطبته ، دون خلل أو قواطع تعكِّر مسامع المصلين ، أو تشوش فهمهم ، أو تفقدهم التركيز والمتابعة .  
  • ضرورة وضوح الأفكار المطروحة في الخطبة ، والتعبير عنها بالجلي من الألفاظ والعبارات ، وتجنب الوحشي والغريب من المفردات اللغوية ؛ بحيث لا يلتبس على المصلين إدراك مراد الخطيب ، ولا يختلفون في استيعاب مقصوده ،  وإلا ضاع مقصود الشرع من جمع الناس ووعظهم .
  • الحذر من الإطالة المملة التي تزيد عن الحد المشروع ، والتي تخرج بالخطبة عن قصد الشرع في تحريك القلوب ، وبعث النفوس ، إلى الإملال والكراهة والنوم ، وربما ساقت البعض إلى التأخر المقصود عن الخطبة ، والاقتصار على إدراك الصلاة ، وكل هذا ممنوع شرعاً ، والاعتدال هو نهج الإسلام ، وما قل من الكلام ودل خير مما كثر وأمل .
  • التأكد من سلامة الخطبة لغوياً بتكرار مراجعتها ، وعرضها – إن لزم الأمر – على متخصص لغوي لتصحيحها قبل إلقائها ؛ فإن الأخطاء اللغوية تثقل المسامع ، وتعوق وصول الأفكار إلى الأذهان بسلاسة ، وتُضعف مكانة الخطيب في النفوس .
  • قِصَر الخطبة لا يشير بصورة دائمة إلى قوة فقه الخطيب ، كما أن طول خطبته لا يشير أيضاً وبصورة دائمة إلى ضعف فقهه ، فقد يختصر الخطيب ويخل بالخطبة ، وقد يطيلها متقنة مقبولة ؛ وإنما المقصود هو الاعتدال الذي تتحقق به المصلحة الشرعية ، والسعي في بلوغ مقصود الشارع من فرض هذه الشعيرة .
  • حرص الخطيب على تسجيل خطبته للوقوف على مواطن القوة والضعف فيها ، وإسماعها بعض أهل الخبرة لنقدها ، في سبيل تطوير أدائه وتحسينه . 
  • اطلاع الخطيب على نماذج من الخطب المتقنة ، والاقتباس منها ، والنسج على منوالها ، والانتفاع بها ، على أن يبقى للخطيب شخصيته المستقلة ، وطريقته الخاصة ، وجهده الفردي ، الذي يظهر بوضوح في خطبه ، فهو متميز عن غيره ، مستقل بنهجه ، وبذلك هو مقتبس بصير ، وليس بمقلِّد عليل .

توصيات :

           في الختام تجدر الإشارة إلى بعض التوصيات العملية ، التي يمكن أن تثري الموضوع ، وتحقق المقصود من هذا الطرح ، وذلك على النحو الآتي :

  • عقد ورش عمل ومنتديات علمية بصورة مستمرة لتجديد الخطاب الوعظي وتطويره ، وفق آليات علمية حديثة ، بما لا يتعارض مع الوجهة الشرعية .
  • إقامة دورات تثقيفية وتطويرية وتدريبية للأئمة والخطباء ، بهدف تطوير أدائهم ، وتحسين مستوياتهم ، ورفع درجة عطائهم .  
  • استفتاء الجهات الشرعية المعنية في حكم استخدام التقنيات الحديثة بأنواعها المختلفة في المساجد ، بهدف تفعيل خطبة الجمعة ، وتجديد أسلوب مخاطبة المصلين . 
  • التفعيل المباشر لخطب الجمعة عبر شبكة الإنترنت ، لتصل إلى أكبر عدد ممكن من الناس ، لا سيما المعذورين من حضور الجمعة من سكان الحي . 
  • تزويد المساجد كافة بأجهزة الصوت الجديدة ، عالية التقنية ، ومضاعفة الجهود في إصلاح المساجد وصيانتها ، وتهيئتها للمصلين ، والاستفادة في ذلك من القطاع الخاص ، والجهات الخيرية .
  • إنشاء موقع على شبكة الإنترنت للأئمة والخطباء بإشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف ، يتواصل الجميع من خلاله ، ويتزودون فيما بينهم بالمعلومات والمعارف ، ويتبادلون الفوائد والخبرات .
  • توجيه الخطباء بالالتزام بخمس وعشرين دقيقة للخطبة والصلاة ، أو ما يعادل ألف كلمة مكتوبة تقريباً .
  • السماح للخطباء بتبادل منابرهم في بعض الجمع من أيام السنة ، بهدف تبادل الخبرات ، وتجديد الخطاب ، وإفادة المصلين .
  • عقد اجتماعات دورية بين مديري الأوقاف والأئمة والخطباء في مدنهم ، لتبادل المعلومات ، وبث الهموم ، وحل المشكلات .
  • إصدار كتاب سنوي يصدر في كل عام بإشراف الوزارة ، بعنوان : ( الخطب المنبرية ) ، أو ( المواعظ المنبرية ) ، أو نحوهما ، يضم مائة خطبة مختارة بعناية من بين خطباء المملكة ، يوزع على المساجد ، والجهات المختصة ، والأشخاص ذوي الاهتمام .