تفعيل خطبة الجمعة: الخطيب والخطبة (القسم الثاني)مقال شهر ذي القعدة 1432هـ
تفعيل خطبة الجمعة
الخطيب والخطبة
( القسم الثاني )
سبق الحديث في القسم الأول عن الخطيب ، فيما يتعلق بشخصه ، باعتباره داعية ومرب ، قد تأهل للتوجيه والتأثير ، وأما في هذا القسم فينصب الحديث عن الخطبة ذاتها ، من حيث : إعدادها ، وموضوعاتها ، وحجمها ، وما يتعلق بها من مسائل ؛ لتكون أعظم وأكثر تأثيراً في الحاضرين ، وذلك على النحو الآتي :
ثانياً : الخطبة :
- إيقاع الخطبة على ما ورد في السنة ، والالتزام بشروط صحتها ؛ لأنها شرط في صحة صلاة الجمعة .
- إفراغ الوسع في حسن إعداد الخطبة ، وإتقان أدائها ، بما يحقق مقصود الشرع من تذكير الناس ووعظهم ، ولفتهم لما يصلحهم من أمور دينهم ودنياهم .
- شمول الخطب لمجمل موضوعات الثقافة الإسلامية : العقائد ، والعبادات ، والمعاملات ، والحدود .
- شمول الخطب لفئات المجتمع كافة : الرجال والنساء ، الشباب والأطفال ، الآباء والأمهات ، المعلمين والمؤدبين ، العمال والصناع ، الموظفين والتجار .
- شمول الخطب لجميع جوانب الشخصية الإنسانية : الإيمانية ، والروحية ، والأخلاقية ، والاجتماعية ، والعقلية ، والنفسية ، والجسمية ، والعاطفية .
- شمول الخطب لجميع شؤون الحياة ومعاش الناس ومصالحهم ، بما يربطهم بالدين ، ويجيب عن تساؤلات العصر ، ونوازله الجديدة .
- مواكبة الخطب للأحداث المهمة ، والوقائع العامة التي تهم الجميع ، ووضعها ضمن إطارها الشرعي ، ومعالجتها بالحكمة والروية .
- تناول الخطيب في بعض خطبه التيارات الفكرية المنحرفة ، والمذاهب والنحل الضالة ، التي ينتشر خبرها في المجتمع ، وذلك لتوعية الناس بخطرها ، وتحذيرهم من ضلالاتها .
- علاج الخطيب سلوكاً سيئاً شاع في المجتمع ، فيتحدث عنه وعن آثاره القبيحة على الناس ، وسبل علاجه والتوقي منه .
- يؤكد الخطيب على خلق شريف ، أشاد به القرآن ، ومدحته السنة ، فيتناوله بالبيان والتوضيح ، ويبين آثاره الإيجابية على المجتمع ، وخطر الإعراض عنه .
- الاستقصاء الجاد والمتأني لكل جوانب موضوع الخطبة ، والرجوع إلى المصادر العلمية ، واستفتاء أهل الخبرة .
- إعطاء موضوعات الخطب حقها من الاهتمام والبيان والعرض ، ضمن الاعتدال الذي أمر به الدين ، دون إفراط أو تفريط ، أو زيادة أو نقص ، أو تهويل أو تهوين .
- مراعاة المناسبات الشرعية في اختيار موضوعات الخطب ، بما يتناسب مع الأيام والأشهر والسنوات ، على ألا يتكلف الخطيب ذلك بصورة مستمرة ورتيبة ؛ بحيث يعرف المصلون ابتداء موضوع خطبته وفقراتها ، مع العمل على تجديد أسلوب عرض خطب المناسبات ، وتطويرها بما يحقق إثراء ثقافة المصلين ، وبعث هممهم للعمل الجاد في المناسبات الإسلامية .
- وضع خطة تربوية تثقيفية طويلة المدى لموضوعات الخطب ، يتناولها الخطيب بتدرج ، ينتقل من خلالها بسكان الحي ثقافياً وتربوياً ، ليبلغ بهم مراتب أعلى في سلم الكمالات الروحية والأخلاقية .
- الاستفادة الجادة والمعتدلة من وقائع الأحداث والأزمات والكوارث ، التي تلمُّ بالمجتمعات المحلية والعالمية ، وربط كل ذلك بالله تعالى مقدِّر الأقدار ، ومسبب الأسباب ، ومعالجتها بالفهم الشرعي الصحيح .
- تطعيم الخطب بالآيات والأحاديث والآثار ، أحياناً بألفاظها وعباراتها ، وأخرى بمعانيها وظلالها ، والتنويع في ذلك حسب ما تقتضيه المقامات والمواقف ، وبما يكون تأثيره في الحاضرين أكبر ، وفي نفوسهم أبلغ .
- تحذير الخطيب من تناول الخطب الجاهزة ، دون أن يكون له فيها تعديل وتطوير ، وإضافة وتحسين ؛ فإن لكل خطيب لمسته الشخصية الخاصة ، وروحه المتميزة ، التي يشعر بها السامعون ، ويتلمَّسها الحاضرون ؛ فإن العلاقة في غاية القوة بين الخطيب والخطبة ، فبقدر امتزاجه بها ، وتلبُّسه بمعانيها ، وانفعاله بمضامينها : يكون تأثيره في الناس ، وهذا غالباً ما يفقده المصلون من خطيبهم إذا تناول خطبة جاهزة ليس له فيها يدٌ ، من روح أو معنى .
- التأكيد على أساليب الإقناع العقلية ، والأخذ بالحجة المنطقية عند تناول الموضوعات ، بما يحقق القناعة الكاملة بالوجهة الشرعية المطروحة في الخطبة .
- دعم موضوعات بعض الخطب بالقصة من القرآن أو السنة أو التاريخ أو الواقع ، بما يشدُّ انتباه المصلين ، ويشحذ أذهانهم ، ويهيئهم لما يُلقى إليهم من الوعظ والتذكير .
- أهمية وحدة موضوع الخطبة ؛ فلا تتشتت أذهان المصلين في أكثر من موضوع ، ولا تتبعثر اهتماماتهم في أكثر من قضية ؛ بحيث يعطي الخطيب الموضوع الواحد حقه الكامل من البيان والشرح في الخطبتين جميعاً ، ويجمع للموضوع ما تفرق من الأدلة الشرعية والعقلية التي تؤيده ؛ فإن زمن الخطبة لا يتسع لأكثر من ذلك .
- إعطاء الخطبة الثانية حقها من البيان والإيضاح ، حتى وإن كانت أقصر من الأولى ، فلا تكون مجرد دعاء فحسب ، بل هي جزء أصيل من خطبة الجمعة المعتبرة شرعاً ، وهي امتداد لموضوع الخطبة الأولى ؛ فقد يكمل فيها الخطيب ما تبقى من موضوع الخطبة ، وقد يجعلها تلخيصاً لها ، أو تطبيقاً عملياً لما ورد فيها من أفكار ، فالمقصود إعطاء الخطبة الثانية حقها من البيان والتوضيح ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى اعتبارها امتداداً للخطبة الأولى وفي موضوعها .
- تجنب الخطيب التعرض بالترجيح والإلزام في المسائل الخلافية ، مما يسوغ فيه الخلاف ، إلا ما كان الخلاف فيه ضعيفاً ، والأدلة الشرعية فيه ظاهرة ، مع التأكيد على مسائل الإجماع ، وإشاعة المعرفة بها بين الناس .
- عدم إغراق الخطيب في العزو إلى الكتب والمؤلفات في أثناء الخطبة لغير حاجة تدعو إلى ذلك ؛ لما فيه من استهلاك جزء من الخطبة فيما لا يفهمه ، ولا يهتم به غالب الحاضرين ، مع أهمية التقيد بأمانة النقل ، والدقة في ذلك ، لا سيما للآيات والأحاديث والآثار ، والاكتفاء بصحيح السنة وحسنها ، وما يقاربهما من الضعيف المجبور والمعتبر ، الذي لا يتعارض مع الأصول الصحيحة ، ولا يُتجاوز ذلك إلى الواهي أو الموضوع .
- حسن ترتيب أفكار الخطبة ، والتنسيق بينها بصورة منطقية متسلسلة متتابعة : الأهم فالمهم ، فيأخذ الخطيب السامعين شيئاً فشيئاً ، حتى يبلغ بهم نهاية خطبته ، دون خلل أو قواطع تعكِّر مسامع المصلين ، أو تشوش فهمهم ، أو تفقدهم التركيز والمتابعة .
- ضرورة وضوح الأفكار المطروحة في الخطبة ، والتعبير عنها بالجلي من الألفاظ والعبارات ، وتجنب الوحشي والغريب من المفردات اللغوية ؛ بحيث لا يلتبس على المصلين إدراك مراد الخطيب ، ولا يختلفون في استيعاب مقصوده ، وإلا ضاع مقصود الشرع من جمع الناس ووعظهم .
- الحذر من الإطالة المملة التي تزيد عن الحد المشروع ، والتي تخرج بالخطبة عن قصد الشرع في تحريك القلوب ، وبعث النفوس ، إلى الإملال والكراهة والنوم ، وربما ساقت البعض إلى التأخر المقصود عن الخطبة ، والاقتصار على إدراك الصلاة ، وكل هذا ممنوع شرعاً ، والاعتدال هو نهج الإسلام ، وما قل من الكلام ودل خير مما كثر وأمل .
- التأكد من سلامة الخطبة لغوياً بتكرار مراجعتها ، وعرضها – إن لزم الأمر – على متخصص لغوي لتصحيحها قبل إلقائها ؛ فإن الأخطاء اللغوية تثقل المسامع ، وتعوق وصول الأفكار إلى الأذهان بسلاسة ، وتُضعف مكانة الخطيب في النفوس .
- قِصَر الخطبة لا يشير بصورة دائمة إلى قوة فقه الخطيب ، كما أن طول خطبته لا يشير أيضاً وبصورة دائمة إلى ضعف فقهه ، فقد يختصر الخطيب ويخل بالخطبة ، وقد يطيلها متقنة مقبولة ؛ وإنما المقصود هو الاعتدال الذي تتحقق به المصلحة الشرعية ، والسعي في بلوغ مقصود الشارع من فرض هذه الشعيرة .
- حرص الخطيب على تسجيل خطبته للوقوف على مواطن القوة والضعف فيها ، وإسماعها بعض أهل الخبرة لنقدها ، في سبيل تطوير أدائه وتحسينه .
- اطلاع الخطيب على نماذج من الخطب المتقنة ، والاقتباس منها ، والنسج على منوالها ، والانتفاع بها ، على أن يبقى للخطيب شخصيته المستقلة ، وطريقته الخاصة ، وجهده الفردي ، الذي يظهر بوضوح في خطبه ، فهو متميز عن غيره ، مستقل بنهجه ، وبذلك هو مقتبس بصير ، وليس بمقلِّد عليل .
توصيات :
في الختام تجدر الإشارة إلى بعض التوصيات العملية ، التي يمكن أن تثري الموضوع ، وتحقق المقصود من هذا الطرح ، وذلك على النحو الآتي :
- عقد ورش عمل ومنتديات علمية بصورة مستمرة لتجديد الخطاب الوعظي وتطويره ، وفق آليات علمية حديثة ، بما لا يتعارض مع الوجهة الشرعية .
- إقامة دورات تثقيفية وتطويرية وتدريبية للأئمة والخطباء ، بهدف تطوير أدائهم ، وتحسين مستوياتهم ، ورفع درجة عطائهم .
- استفتاء الجهات الشرعية المعنية في حكم استخدام التقنيات الحديثة بأنواعها المختلفة في المساجد ، بهدف تفعيل خطبة الجمعة ، وتجديد أسلوب مخاطبة المصلين .
- التفعيل المباشر لخطب الجمعة عبر شبكة الإنترنت ، لتصل إلى أكبر عدد ممكن من الناس ، لا سيما المعذورين من حضور الجمعة من سكان الحي .
- تزويد المساجد كافة بأجهزة الصوت الجديدة ، عالية التقنية ، ومضاعفة الجهود في إصلاح المساجد وصيانتها ، وتهيئتها للمصلين ، والاستفادة في ذلك من القطاع الخاص ، والجهات الخيرية .
- إنشاء موقع على شبكة الإنترنت للأئمة والخطباء بإشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف ، يتواصل الجميع من خلاله ، ويتزودون فيما بينهم بالمعلومات والمعارف ، ويتبادلون الفوائد والخبرات .
- توجيه الخطباء بالالتزام بخمس وعشرين دقيقة للخطبة والصلاة ، أو ما يعادل ألف كلمة مكتوبة تقريباً .
- السماح للخطباء بتبادل منابرهم في بعض الجمع من أيام السنة ، بهدف تبادل الخبرات ، وتجديد الخطاب ، وإفادة المصلين .
- عقد اجتماعات دورية بين مديري الأوقاف والأئمة والخطباء في مدنهم ، لتبادل المعلومات ، وبث الهموم ، وحل المشكلات .
- إصدار كتاب سنوي يصدر في كل عام بإشراف الوزارة ، بعنوان : ( الخطب المنبرية ) ، أو ( المواعظ المنبرية ) ، أو نحوهما ، يضم مائة خطبة مختارة بعناية من بين خطباء المملكة ، يوزع على المساجد ، والجهات المختصة ، والأشخاص ذوي الاهتمام .