الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ السيرة النبوية @ 8- مقام الزهد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم


معلومات
تاريخ الإضافة: 18/8/1429
عدد القراء: 5871
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

- أيها المسلمون : تتشعب حاجات الإنسان في الدنيا ، وتتنوع وتكثر، حتى إنه لا يكاد يرتوي من شيء.

- فكلَّما ازداد من ملذات الحياة الدنيا تعطَّش إلى غيرها، فلا يشبع من شيء، حتى ينتقل بالتدريج من حلال إلى حرام.

- فبعد أن استهلك الحلال ، وتوسَّع في المباح : بدأ يقع في الشبهات، وفي شيء من المكروهات.

- حتى إذا استوعبها ، واعتادت نفسه عليها، فلم يعد يجد في نفسه ألماً للوقوع في الشبهات والمكروهات.

- بدأ بعد ذلك في اقتراف المحرمات الصريحة الواضحة ، فما يلبث كثيراً حتى يستبيحها والعياذ بالله .

- ومن هنا شرع الإسلام الزهد ليقف في وجه هذا الإغراق في الدنيا وملذَّاتها، المفضي – في كثير من الأحيان - إلى الهلاك والضلال.

- يقول الله تعالى : " وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ".

- ويقول أيضاً : " مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ".

- ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « كن في الدنيا كأنك غريب ، أو عابر سبيل » .

- ويقول : « خيركم أزهدكم في الدنيا ، وأرغبكم في الآخرة » .

- ويقول صلى الله عليه وسلم : « ما عُبـِدَ الله بشيء أفضل من الزهد في الدنيا » .

- قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم : " أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ " ، ثم قال : « يقول ابن آدم : مالي مالي، قال: وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبلَيت، أو تصدَّقت فأمضيت »؟!

- ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « طوبى لمن هُدي إلى الإسلام ، وكان عيشه كفافاً ، وقنع به ».

- أيها الإخوة : لقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة من بعده المثل الأعلى في الزهد في الدنيا ، فكان عليه الصلاة والسلام أزهد الناس على الإطلاق.

- كان – عليه الصلاة والسلام- تمر به الأيام والليالي يبيت طاوياً هو وأهله ، لا يجد من رديء التمر ما يملأ به بطنه .

- كانت تمر الأَهِلَّة الثلاثة لا يوقد في بيته نار ، إنما هو الماء والتمر .

- ما شبع من طعام برٍّ ثلاث ليالي تباعاً حتى قبض ، وما رأى النقي من الخبز حتى قبض، ولا رأى مُنخلاً، إنما كانوا يأكلون الشعير بغير نخل.

- خرج مرَّة عليه الصلاة والسلام فرأى أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فقال :  
« ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله، قال: وأنا والذي نفسي بيده، لأخرجَني الذي أخرجكما ».

- وربما شكوا إليه الجوع، وكشفوا عن بطونهم، كلٌّ منهم قد ربط حجراً على بطنه ، فيكشف هو صلى الله عليه وسلم عن حجرين على بطنه من شدة ما يجده من الجوع.

- ثم مات عليه الصلاة والسلام وما ترك شيئاً خلفه إلا أرضاً صدقة ، وبغلته ، وشيئاً من شعير ، قد رهن درعه عند يهودي في طعام أخذه لأهله.

- دخـل عليه بعض أصحابه وهو نائـم على حصير قد أثر في جنبه الشريف، فقالوا : « لو اتخذت وطاءً، فقال: ما لي وللدنيا ، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها ».

- وكثيراً ما كان يدعو يقول : « اللهم أحيني مسكيناً ، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين ».

- ويقول : « اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة » .

- أيها المسلمون : هذا موقف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الدنيا ، وهذا مقام زهده فيها، فما هو مقامنا نحن ، وما موقفنا منها؟

* * *

- أيها الإخوة : إن مما يُعين على الزهد في الدنيا : تذكُّر الآخرة ، فهي دار البقاء ، وإليها المنتهى ، والدنيا مهما طالت فهي دار الفناء، فالعاقل يقدم الباقية على الفانية، والقادمة على الراحلة، فكل آتٍ قريب.

- وإن مما يعين على الزهد زيارة القبور ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإنها تُزهِّد في الدنيا ، وتذكر الآخرة ».

- ثم إن الدنيا – بكل ما تحويه - لا تعدل عند الله جناح بعوضة، وإلا ما سقى كافراً منها شربة ماء، يُعطيها من يحب ، ومن لا يحب.

- ثم إن الزهد في الدنيا لا يمنع وصول خير قدَّره الله لك ، كما أن الحرص عليها لا يأتيك بشيء لم يكتبه الله لك.

- فليس الزهد في تحريم الحلال أو إضاعة المال، وإنما الزهد في ترك ما لا ينفع العبد في الآخرة.