الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ السيرة النبوية @ 7- خبر قصة الإفك وما فيها من العبر


معلومات
تاريخ الإضافة: 18/8/1429
عدد القراء: 1042
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

- أيها المسلمون : في السنة الخامسة من الهجرة النبوية غزا الرسول صلى الله عليه وسلم بني المصطلق عند ماء لهم يُسمى المُريسيع، وذلك حين بلغه أنهم يجمعون لحرب المسلمين.

- باغتهم الرسول صلى الله عليه وسلم في ديارهم ، وأوقع بهم الهزيمة ، وسبى وقتل وغنم مغانم كثيرة .

- ولما رأى المنافقون النصر للمسلمين لم يعجبهم هذا، فأراد عبد الله بن أُبَيّ أن يوقع الخلاف بين المهاجرين والأنصار، حتى تنادى الفريقان: يا للمهاجرين، ويا للأنصار.

- وقال عبد الله بن أبي قولته الغليظة ، التي سجَّلها القرآن: « أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزُّ منها الأذل».

- وقال: «ما نحن وهؤلاء إلا كما قال الأول : سمِّن كلبك يأكلك ».

- وقال : « لا تنفقوا على من عند رسول الله ».

- فبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الخبر ، فسار بالجيش مسيراً طويلاً مُتعِباً حتى يشغلهم عن هذا الحديث في هذا الموضوع.

- وكان من عادة الرسول صلى الله عليه وسلم عند الغزو أن يختار إحدى نسائه، وكان من عدله أنه يختارها بالقرعة لكمال عدله.

- فوقعت القرعة على عائشة رضي الله عنها ، فخرج بها في هذه الغزوة.

- وبعد انتهاء الغزوة عند العودة ، وبعد إخفاق عبد الله بن أبيِّ في إثارة الخلاف بين المهاجرين والأنصار، أثار قضية الإفك.

- وملخَّص هذه القضية أن الجيش حين نزل للراحة وقضاء الحاجة، خرجت عائشة رضي الله عنها لقضاء حاجتها ، ثم عادت إلى هودجها.

- وأحسَّت بعد العودة بفقد عقد لها ، فخرجت من الهودج ، ولم تخبر أحداً، وذهبت إلى الموقع الذي قضت فيه الحاجة تبحث عنه.

- في هذه الأثناء أذن الرسول صلى الله عليه وسلم بالرحيل ، فحمل الرجال هودج عائشة ظناً منهم أنها فيه، وكانت صغيرة خفيفة الوزن، فوضعوه على البعير، وساروا.

- فلما رجعت إلى الموقع لم تجد أحداً، فقررت البقاء في المكان؛ لأنهم إذا تفطَّنوا لفقدها : عادوا إلى الموقع ، وهذا من رجحان عقلها، وكمال ذكائها، رغم صغر سنها في ذلك الوقت.

- وكان صفوان بن المعطل رضي الله عنه من وراء الجيش يجمع ما يسقط ويراقب، فرآها وهي نائمة فعرفها، فقال: « إنا لله وإنا إليه راجعون » ، فاستيقظت على استرجاعه.

- ثم قرب إليها البعير واستأخر عنها حتى ركبت ، وساقه ولحق بالجيش ، ولم يكلِّمها ولم تكلمه طوال الطريق.

- فلما أقبل بها على الجيش ورأى الناس هذا المنظر الغريب المدهش، استغل المنافقون هذه الفرصة للخوض في القضية.

- فقالوا : « والله ما نجا منها ولا نجت مِنْهُ »، وخاض الناس في القضية، وعصم الله من عصم إلا ثلاثة من المؤمنين ، وأما المنافقون فقد تولوا كبر الموضوع.

- وصل الجيش إلى المدينة وقد ذهبت فرحة الانتصار بتعكير المنافقين، وقد مرضت عائشة رضي الله عنها بعد عودتها، وأخذت تُعالج عند أمها ، ولم يبلغها خبر الإفك.

- وكان الخبر قد استشرى بالمدينة والرسول صلى الله عليه وسلم لا يدري ما يعمل ، إلا أنه لم يكن يتلطَّف بعائشة كعادته حين تمرض.

- فبلغ عائشة رضي الله عنها الخبر فزاد مرضها ، واتَّصل بكاؤها ليلاً ونهاراً، ودام الأمر شهراً كاملاً، والرسول صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه : ماذا يفعل؟

- وتأخَّر الوحي لحكمة أرادها الله في اختبار الناس : ما يصنعون ؟

- وكادت تقع مقتلة بالمدينة بين الأوس والخزرج حين صعد الرسول صلى الله عليه وسلم المنبر وقـال : « يا معشر المسلمين ، من يعذرُني في رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي ؟ » ، يقصد عبد الله بن أبي، فتكلم الأوس في الانتقام منه، ودافع الخزرج عن عبدالله لكونه منهم ، وكادت تكون فتنة.

- ثم دخل الرسول صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها وعندها أبوها وأمها ، يوضِّح لها ما حصل من حديث الناس، وعرض عليها التوبة ؛ فإن كانت وقعت في ذنب تستغفر، وإن كانت بريئة فالله سوف يبرئها، فالتفتت لأبويها ليدافعا عنها، فصمتا ، لا يدريان ما يقولان ، فقالت: « فصبر جميل والله المستعان على ما تقولون ».

- وما لبث الرسول صلى الله عليه وسلم قليلاً حتى نزل الوحي عليه، وتلا آيات من سورة النـور فيـها براءة عائشــة رضي الله عنها ، فقالت أمُّها: « قومي إلى الرسول، قالت : والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله ».

- ثم تلا الرسول صلى الله عليه وسلم الآيات العشر التي نزلت في هذا الخبر، وأقام الحد على الذين تكلموا: حسان بن ثابت، مسطح بن أثاثة، حمنة بنت جحش رضي الله عنهم.

- وانتهت الأزمة ، وكشف الله الغمة، والحمد لله رب العالمين .

* * *

- أيها الإخوة : إن لهذه القصة عبراً لا بد من الوقوف عليها :

- خطر المنافقين وكيدهم ، فهم الطابور الخامس في وسط المؤمنين، يترقَّبون الفرص للإيقاع بين المؤمنين.

- ليس بغريب أن يقع الشخص الصالح في خطأ مثل : حسان بن ثابت وحمنة، وإنما الغريب على المسلم هو الإصرار على المعصية، ورفض التوبة.

- وجوب الظن الحسن بالمؤمنين وعدم إساءة الظن : " لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ ".

- صبر الرسول صلى الله عليه وسلم على الأذى من المنافقين ، وسعة صدره عليهم .

- كون الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وإنما هو الوحي من عند الله، فإذا نزل الوحي علم الرسول صلى الله عليه وسلم الخبر ، وفيه دليل على أن القرآن من عند الله ، وليس من صناعة محمد صلى الله عليه وسلم.

- أيها المسلمون : كم هو حجم الإفك في حياتنا اليومية : يتهم الرجل في دينه، وفي ماله، وفي أهله، ثم لا يجد في المجتمع من يدافع عنه.

- لو أن المجتمع المسلم وقف للأفَّاكين كما وقف المجتمع زمن الرسول صلى الله عليه وسلم : لقلَّ خطرهم ، ولتقلَّص شرهم.