الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ السيرة النبوية @ 6- وقفات تربوية مع الهجرة النبوية
- أيها المسلمون : لقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل ، عمَّ فيها الجهل ، وظهر فيها الشرك ، وكثرت فيها المظالم بين الناس.
- فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى ، فانقسم عليه الناس إلى قسمين : مؤمن وكافر.
- وقد كان عدد الكفار بالدعوة أكثرَ من المؤمنين، فتسلَّط الكفار على المؤمنين، يفتنونهم عن دينهم ، ويردونهم عن الحق.
- ولما وصلت الدعوة بمكة إلى طريق مسدود : أذِن الله بالهجرة إلى المدينة، التي بدأت تتوجَّه نحو الإيمان.
- كانت المدينة بحاجة إلى قيادة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد كثرة المؤمنين فيها من المهاجرين والأنصار .
- كما أن الهجرة إلى المدينة كانت ضرورية لاكتمال الرسالة الخاتمة ، ونزول باقي القرآن .
- كما أن في الهجرة رحمة بالمساكين والمستضعفين بمكة من فتك وأذى الكافرين.
- كما أن في الهجرة إظهاراً لفضل المدينة في قدر الله تعالى ، وما كان لفضلها أن يظهر لولا الهجرة .
- أيها المسلمون : لقد سبق الهجرةَ إرهاصات وإشارات أعدت المدينة داراً للهجرة منها : حرب بُعاث التي دامت مائة وعشرين سنة، أهلكت خيار الأوس والخزرج .
- وكذلك البيعتان الأولى والثانية؛ اللتان أعدتا وهيئتا للهجرة .
- ثم رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم : « رأيت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين ».
- أيها الإخوة : لم يكن خروج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة للهجرة إلا بإذن من الله ، فلما أذن له جل وعلا : ذهب إلى أبي بكر رضي الله عنه في نحر الظهيرة فأخبره، ووضعا الخطة للهجرة.
- ثم عاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيته ، فحاصره المشركون عازمين على قتله ، ورصدوا له أربعين شاباً يضربونه ضربة رجل واحد.
- خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من بيته بالمعجزة حين انقطعت الأسباب المادية ، وحثا على رؤوسهم التراب، ثم ذهب إلى أبي بكر رضي الله عنه، وخرجا نحو غار ثور.
- ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم جنوباً وكمن في الغار ثلاثة أيام، وكلَّف أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما بالطعام، وعبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما بالأخبار، وعامر بن فهيرة رضي الله عنه بالغنم، يمر بها على آثار أقدامهما.
- خرج الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه من الغار بعد ثلاث ليالٍ ، وذهبا بدلالة عبد الله بن أريقط جنوباً ثم غرباً ثم شمالاً نحو المدينة.
- أيها الإخوة : مع كل هذه الاحتياطات لسلامة الهجرة فقد وصل المشركون إلى الغار، ولحق سراقة بن مالك بالرسول صلى الله عليه وسلم.
- لقد استهلكت الهجرة من مكة إلى المدينة أحد عشر يوماً حتى وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قباء، فقد خرج في السابع والعشرين من صفر ، ووصل قباء في الثامن من ربيعٍ الأول.
- لقد استغل الرسول صلى الله عليه وسلم كلَّ طاقة يمكن الاستفادة منها لنجاح الهجرة ونصرة الدعوة.
- فقد استفاد من بني هاشم في تأييد الدعوة ، رغم أن أكثرهم كانوا على غير الإسلام.
- لقد استفاد من شجاعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه لينام على فراش الموت ليلة الهجرة.
- استفاد من جَلَدِ أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما في جلب الطعام ، رغم أنها كانت حاملاً.
- استفاد من ذكاء عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما في تقصِّي الأخبار ، والتعرف على تحركات قريش.
- استفاد من راعي الغنم عامر بن فهيرة رضي الله عنه في السقيا ، وتعمية آثار عبد الله وأسماء رضي الله عنهما.
- اسـتفاد من عبد الله بن أريقط في معرفة الطريق ، رغم أنه كان على الشرك.
- استفاد من طاقة سراقة بن مالك العكسية في تثبيط المشركين عن البحث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه ، فقد عاد يقول للناس : « لقد كُفيتم ما ههنا ».
- أيها المسلمون : لقد سنَّ لنا الرسول صلى الله عليه وسلم الأخذ بالأسباب، وإلا فقد كان يمكنه طلب البراق للسفر عليه كما رحل عليه ليلة الإسراء.
- إن المعجزات والكرامات تأتي عند الاضطرار لها ، حين تنقطع الأسباب المادية ، مثل خروج الرسول صلى الله عليه وسلم من بيته، ونسج العنكبوت على الغار.
- لقد رد الله كيد المشركين بأوهن البيوت : " وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ... ".
* * *
- أيها المسلمون : لقد ظهر في الهجرة مواقف عظيمة للسمو الإيماني والأخلاقي، منها :
- الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ الراحلة من أبي بكر رضي الله عنه بالثمن .
- الرسول صلى الله عليه وسلم يَعد سراقة بن مالك بسواري كسرى، رغم شدة الموقف، وقد تحقق ذلك في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
- ويسير ولا يلتفت ، نعم لماذا يلتفت وقد أخذ الأسباب كلَّها كما أمره ربه.
- يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة فلا يتحدث عن معاناته وإنما يقـول في أول كلامه مع الناس : « أيها الناس : أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام ».
- الرسول صلى الله عليه وسلم يُبقي علياً رضي الله عنه بمكة ليرد الودائع إلى أهلها ، ففي الوقت الذي يهاجم فيه قوافل قريش يرد الودائع ؛ وذلك لأنه أخذها بأمان على أن يحفظها ويردها.
- كان الفأل الحسن مصاحباً للرسول صلى الله عليه وسلم في سفره؛ فقد مرَّ بإبل لبني سلمة، فقال: «سلمت يا أبا بكر» ، ومرَّ برجل اسمه مسعود، فقال: «سُعِدت يا أبا بَكْر ».
- ولما رأى أبو بكر رضي الله عنه أقدام المشركين على فم الغار خاف على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال الرسول: « ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما »؟
- ولقد ظهر في الهجرة من التضحية العظيمة ما هو عظيم جليل: فقد ضحَّى الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه، وترك بمكة فاطمة وأم كلثوم وعلياً وأسامة بن زيد رضي الله عنهم.
- وعرَّض أبو بكر رضي الله عنه عائلته كلَّها للأذى والتحقيق، وأخذ ماله كلَّه ولم يُبق منه شيئاً.
- ودخل الغار قبل الرسول صلى الله عليه وسلم لإصلاحه حتى لُدغ، وكان يحوط الرسول صلى الله عليه وسلم في الرحلة من جهاته الأربع يخشى عليه الأذى.
- فليس من أحد إلا وفي رقبته منَّةٌ لأبي بكر رضي الله عنه وأسرته المباركة.