الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ السيرة النبوية @ 4- بدء الدعوة الإسلامية ومعاناتها


معلومات
تاريخ الإضافة: 18/8/1429
عدد القراء: 1079
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

- أيها المسلمون : أول ما بدأ الوحي برسول الله صلى الله عليه وسلم : الرؤيــا الصالحة في المنام ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح في صدقها وتحقُّقها .

- ثم حُبب إليه الخلاء ، فكان يختلي بنفسه يتعبد على ملة إبراهيم عليه السلام في غار حراء ، يمكث فيه الأيام والليالي.

- وفي أسعد يوم من أيام الدنيا ينزل عليه الملك : " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ " ، وذلك بعد انقطاع طويل للوحي المبارك دام خمسة قرون.

- فإذا بالملك يغطُهُ ويضمُّهُ إليه ثلاث مرات ، ليعرف أنه في يقظة وليس في منام، ويقرأ عليه آيات من سورة العلق.

- فتستقر الآيات في قلبه عليه الصلاة والسلام ، وتُنقش في فؤاده ، فيعود بها إلى مكة خائفاً من هول الموقف، وقد خشيَ على نفسه.

- حتى إذا دخل على أهله صلى الله عليه وسلم قال : « زمِّلوني ، زمِّلوني »، ثم أخبر زوجته خديجة رضي الله عنها الخبر، فإذا بسيدة النساء: تستشرف المستقبل الزاهر، وتستدل بكريم خلقه على سلامته، وعدم خذلانه وتقول : « كلا، أبشر، فوالله لا يُخزيك الله أبداً ».

-  نعم، كيف يخزي الله من يصدق الحديث، ويُعين الفقير، ويصل الرحم، ويكرم الضيف ؟ فهذه لا تجتمع إلا لأهل الخير.

- ثم تذهب خديجة بالرسول صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان على النصرانية الحقَّة، فأخبره أنها النبوة، إنها لحظة عظيمة وغريبة، حين يشعر محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد وقع عليه الاختيار لأن يكون نبياً، إنها مشاعر لا يمكن أن يعبِّر عنها أحدٌ إلا صاحبها.

- ثم فتر الوحي زمناً ، حتى إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق سمع صوتاً من فوقه فنظر، فإذا بالملك على كرسي بين السماء والأرض قد سدَّ الأفق ، فرجع إلى بيته خائفاً ، فأنــزل الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ ".

- إنها إعلان لمرحلة جديدة، ينتقل فيها الصادق الأمين إلى مرتبة النبوة والرسالة.

- ولما أيقن الرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، وأنه النبي المنتظر ، كان عليه أمام هذا الفضل من الله أن يقوم بواجبه تجاه ربه، وأن يبدأ بالدعوة.

- فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو من الناس من يثق بهم مثل : أبي بكر ، وعلي ، وبناته، رضي الله عنهم، وكلَّ من فيه خير من الناس ، وعنده مبدأ قبول الدعوة الجديدة.

- واستمر في دعوته سراً ثلاث سنوات ، حتى إن بعض المسلمين لا يعرف بعضاً ؛ بسبب السرية والكتمان.

- حتى إذا قوي عود الدعوة : أنزل الله : " فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ".

- وقوله: " وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ".

- فعلا الرسولُ صلى الله عليه وسلم الصفا ، وأخذ ينادي في بطون قريش ، يخبرهم بالدعوة الجديدة ، ويحذِّر من العصيان: « أنقذوا أنفسكم من النار ».

- وعند ذلك بدأ العداء للدعوة في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي أتباعه، ولاسيما من العبيد والمساكين والضعفاء.

- فنال الأذى الرسول صلى الله عليه وسلم في نفسه ، ونال أبا بكر رضي الله عنه حتى ضُرب، وعُذِّب بلال رضي الله عنه أشدَّ العذاب، وغيرهم كثير، كلٌ نال نصيبه من الأذى ، واستمر الحال عشر سنوات ، عنوانها : صبر ودعوة.

- حتى إذا وصلت الدعوة في مكة إلى طريق مسدود : أذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة، فتسابق الناس يخرجون إليها.

- ثم خرج الرسول صلى الله عليه وسلم مهاجراً إلى المدينة في ظلِّ أخطر مؤامرة وحشية منكرة؛ حين قرر المشركون قتل الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتوزيع دمه بين القبائل.

- ومع ذلك خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من بيته سالماً بالمعجزة، ثم اتَّجه مع أبي بكر رضي الله عنه إلى غار ثور ليكمن فيه ثلاثة أيام، ثم يكمل مسيره إلى المدينة.

- حتى إذا استقر الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، وتجمَّع معه المسلمون بدأت الدعوة الإسلامية طوراً جديداً : فيه الجهاد، وفيه النظام الاجتماعي والاقتصادي، لم يعد في هذا الطور للسرية مكان، فأخذت سور القرآن المدني تنزل لرعاية المجتمع الجديد، وبناء الأمة المسلمة.

- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : " وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ".

* * *

-أيها الإخوة : لم تنته معاناة الرسول صلى الله عليه وسلم بهجرته إلى المدينة حتى بدأ الجهاد المسلح ضد المشركين والمتربصين بالمدينة، فكانت الغزوات والسرايا.

- ثم واجه الرسول صلى الله عليه وسلم المنافقين المتربصين بالدعوة من داخلها ، وواجه الأزمات الاقتصادية الخانقة التي أصابت المسلمين.

- ثم واجه الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود ، ألد أعداء الدعوة الإسلامية ، فكان الجدال معهم، والحرب ، والطرد.   

- ثم واجه الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه ، وحاجتهم إلى شخصه في الدعوة والتربية والتهذيب ، حتى إنه ما كان يجد وقتاً لنفسه.

- وواجه أيضًا حاجات أهل بيته له ، وتنافس زوجاته عليه ، وحاجة النساء عموماً إلى رعايته وحمايته.

- لقد واجه الوفود القادمة من كل مكان ، فهم في حاجة إلى تعليم ، ورعاية، وإكرام، وأحياناً إلى شيء من الجدال.

- لقد واجه عليه الصلاة والسلام التنزُّل القرآني ، فقد كان يعاني منه شدة ، مع ما يحمله من الشرف والفضل.

- لقد عانى الرسول صلى الله عليه وسلم الالتزامات الشرعية في أن يقتدي بأولي العزم من الرسل عليهم السلام ، ويكفيه قوله تعالى: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ".

- لقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته من أولها إلى آخرها في معاناةٍ شرَّفه الله بها، حتى ختمها الله بموته، وما لاقاه من سكراته، فلا كرب عليه بعد ذلك.

- أيها المسلمون : لقد ارتبط هذا الدين بالمعاناة والمجاهدات والصعوبات، فكل من التزم بدينه، وعمل بشريعته فلا بد أن يعاني ويقاسي.

- ولهذا نجد الهجمة الشرسة من أعداء الإسلام على هذا الدين، ولاسيما على هذه الجزيرة ، على بلاد الحرمين الشريفين ؛ ليزيلوا ما بقي فيها من نور الوحي المبارك.

- ولا شك أن هذه الهجمة تُواجه بالصبر والتقوى، والارتباط بالله، ولا تواجه بالتنازل عن شيء من معالم الدين، فقد وعد الله الصابرين المتمسكين بدينهم أن كيد الكفار لا يضرهم: " وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ"