الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الدعوية @ 8 – قصة أصحاب الكهف وما فيها من عبر


معلومات
تاريخ الإضافة: 18/8/1429
عدد القراء: 10328
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

- أيها المسلمون : سورة في كتاب الله تعالى من حفظ عشر آيات من أوَّلها: عصمه الله من فتنة المسيح الدجال.

- قرأها أسيد بن حضير رضي الله عنه فنزلت السكينة لقراءته، كأنها سحابة فوق رأسه ، فيها من الأنوار والبهجة ما يشرح الصدور.

- من قرأها يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين الجمعة الأخرى، إنها سورة الكهف.

- وهي من السور المكية التي شملت الحديث عن العقيدة ومشاهد يوم القيامة، وشملت بعض القصص مثل: قصة آدم عليه السلام ، وموسى مع الخضر عليهما السلام ، وصاحب الجنتين ، وقصة ذي القرنين.

- ولعل من أهم القصص التي وردت في هذه السورة قصة أصحاب الكهف، فقد سُمِّيت السورة بكهفهم.

- ويرجع خبر هذه القصة إلى جمع من الشباب تعلموا التوحيد والدين الحق عن طريق بعض الحواريين بعد عيسى عليه السلام.

- فما وسعهم إلا الإيمان ، والمجاهرة بالحق ، والإنكار على قومهم .

- وقد كانوا في زمن ملكٍ طاغٍ مستبد، ولم تكن لهم قوة يواجهون بها القوم، ولا منعة يدفعون بها عن أنفسهم : فقرروا الاعتزال.

- فألهمهم الله تعالى أن يأووا إلى كهفٍ يعبدون فيه ربهم حتى يقضي الله بينهم وبين قومهم، وصحبهم في هذا الاعتزال راعي غنم بكلبه.

- فضرب الله على آذانهم في هذا الكهف ، فلا يسمعون شيئاً، وقضى عليهم بالنوم العميق.

- وأنزل عليهم هيبة فلا يراهم أحدٌ إلا خافهم وهرب منهم .

- وكان من رحمة الله بهم أن الشمس لا تباشرهم فتُبلى ثيابهم وأبدانهم، إضافة إلى أنهم يتقلبون في نومهم ؛ حتى لا تأكل الأرض أجسادهم.

- فبعد أن مضى على حالهم هذا أكثر من ثلاثمائة سنة : بعثهم الله من سباتهم الطويل : فلم ينكروا من حالهم شيئاً كثيراً.

- ولما بعثوا أحدهم ليأتيهم بالطعام : اكتشف أهل ذلك الزمان أمرهم ، فكان آية ودليلاً لهم على قدرة الله في إحياء الموتى بالأبدان والأرواح.

- فاختلف الناس في ذلك الزمان حول الأسلوب الأفضل في تعظيم هؤلاء ، منهم من رأى أن يقام عليهم بنيان ، ومنهم من رأى أن يُقام عليهم مسجد.

- وفي ختام خبرهم في هذه السورة وجَّه الله تعالى إلى عدم الالتفات إلى تفصيلات القصة كالسؤال عن عددهم ، وإنما الالتفات إلى العبرة منها.

- وأمر المولى عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يجادل في خبرهم من جهة العدد والأسماء إلا بالأسلوب اللين السهل، فلا داعي للجدال.

- فإن الأصل في القصص القرآني هو العبرة والموعظة والاقتداء ، وليس الجدال، ونقاش التفصيلات.

* * *

- أيها المسلمون : لهذه القصة عبر ومواعظ لا بد من الوقوف عندها ومنها :

- أهمية مرحلة الشباب لما فيها من القوة والاندفاع إذا وجِّهوا إلى الخير، فهم أقرب إلى الحق من الشيوخ وأهل السلطان.

- ومنها : وجوب القيام بالحق ؛ فقد قام هؤلاء الشباب بالحق ، وأنكروا على قومهم عبادة غير الله تعالى ، ثم اعتزلوهم ، وانحازوا إلى الكهف.

- ومنها : جواز الاعتزال بالدين إذا خاف الإنسان على نفسه الضلال، وإلا فإن الصبر على الناس في دعوتهم أفضل، وهو حال الأنبياء عليهم السلام.

- ومنها : أنه لا يجوز للمسلم أن يقيم في مكان لا يستطيع أن يمارس فيه دينه إلا عند العجز ، فالهجرة واجبة على المؤمن من ديار الكفر والضيق، إلى ديار الإيمان والسعة.

-  ومنها : حفظ الله تعالى أولياءه المؤمنين ، حين ألهمهم الفرار إلى الكهف ، وأنزل عليهم النوم، وحفظهم من المؤثرات الطبيعية.

- ومنها أيضاً : حفظ الله إياهم بالهيبة التي أنزلها عليها في الكهف، فبعد أن كانوا في اليقظــة خائفين من الناس أصبحــوا بعد النوم مُرهبين للناس ، لا يقرَبهُم أحد.

- ومنها : فضل مصاحبة الأخيار، فقد نال الكلب الفضل والذكر بصحبته هؤلاء، فكيف بالمؤمن يصحب العلماء والفضلاء؟!

- ومنها : قدرة الله تعالى على الإماتة والإحياء وحفظ الأبدان، وأن البعث سوف يكون بالروح والبدن ، لا كما يظن بعض الفلاسفة أنه بالأرواح دون الأبدان.

- ومنها : أنه لا حرج على المسلم أن يتخيَّر من الطعام أطيبه وأحسنه ما دام مباحاً ، على أن لا يتجاوز الاعتدال.

- ومنها : خطر الغلو في الصالحين ، فعندما ظهرت كرامة هؤلاء اندفع الغلاة من الناس يتبرَّكون بهم باتخاذ المعابد عندهم.

- أيها المسلمون : في هذه القصة تسلية للصحابة رضي الله عنهم حين كانوا مستضعفين بمكة بأن الله ناصرهم، فقد نصر الله أصحاب الكهف بالنوم ، والنوم في حد ذاته هزيمة وكسل ، فإذا به نصر من الله لعباده ، فالله قادر على كل شيء.