الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الدعوية @ 3 – حاجة الحضارة الغربية إلى الدعوة الإسلامية
- أيها المسلمون : لا ينكر أحدٌ من المعاصرين الإنجازات الحضارية المادية التي أحرزها عالم الغرب من خلال تطبيقات العلوم الطبيعية.
- فإنجازاته شاهدة في عالم : الاتصالات ، والمواصلات ، والطب ، والهندسة ، وأنواع الصناعات، وغزو الفضاء ونحوها من الإنجازات الحضارية المادية.
- ولكنه مقابل هذه الإنجازات الحضارية قدَّم للإنسانية المعاصرة: الضلال العقائدي، والفساد الخلقي، والتفكك الأسري ونحوها من المآسي الإنسانية الكثيرة.
- وقدَّم بجانب ذلك أسباب الهلاك والدمار ، من أسلحة الدمار والهلاك الشامل ، مما ينذر بخطر عظيم وهلاك عام.
- ومنذ أكثر من مائة عام تقريباً وعالم الغرب يترأس الحياة الإنسانية، ويزعم أنه يسوقها نحو الخير والسلام والسعادة، والواقع يشهد أنه لم يتحقق من ذلك شيء.
- ولما بدأ العالم المستضعف يتململ من نفوذ الغرب وتسلُّطه، ويسعى نحو حريته وسعادته بعد إخفاق الغرب في تحقيق وعوده بالسعادة والرقي والهناء : كَشَّر الغرب عن أنيابه، وأخذ يؤدِّب مخالفيه الخارجين عن سلطته بالقوة العسكرية، فقد شهد العالم في السنوات الأخيرة حروباً تأديبية لمخالفي سياسة الغرب.
- ولا شك أن استخدام القوة العسكرية مع المخالفين دليل الضعف والإفلاس من منطق الحجة العلمية والبيانية ، وإخفاق الدبلوماسية الدولية.
- إن التفوق العسكري عند الغربيين لا يؤهلهم للقيادة الروحية والأخلاقية للعالم، فهم أحقرُ بكثير من أن يقودوا الناس إلى فضيلة.
- كيف يمكن للغربيين أن يقودوا الناس إلى فضيلة عقائدية أو أخلاقية وهم أفقر الناس في الفضائل والأخلاق؟
- لقد أثبت الواقع أن الغرب لا يملك أن يقدم للبشرية إلا ما تنتجه مصانعه من : الآلات والملابس والأطعمة والأسلحة، أما الإيمان وأما الأخلاق : فإن أعظم شخصية في الغرب تفتقر في معرفة العقيدة الصحيحة إلى أبسط شخصية في الشرق الإسلامي.
- إن الأميَّ المسلم الذي يحمل في قلبه لا إله إلا الله محمد رسول الله : يحتاج إليه عالم الغرب كلُّه بشعوبه وجيوشه وقياداته؛ ليخرج من الظلمات إلى النور.
- إن الطمأنينة والسعادة والإيمان لا يمكن أن تكون نتاج آلة في مصنع ، أو أرقام في بنك، أو تسلُّط عسكري، وإنما السعادة والاستقرار وراحة البال هي نتاج هذا الدين، وهذا الدين فقط دون غيره من الأديان الأخرى الباطلة : " إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ ".
- لقد حجب الله السعادة والاستقرار عن البشرية إلا عن طريــق هذا الدين وحده : " وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ".
- وها هو عالم الغرب اليوم يعيش هذا الضنْك في صور من الشقاء والضيق، الذي يدفع كثيراً منهم إلى الانتحار ، رغم بحبوحة العيش التي يحيونها.
- أيها المسلمون : إن المشكلة لا تكمن في افتقار هؤلاء إلى الإيمان ، وإنما تكمن في واقع المسلمين المؤلم ، وفي تقاعسهم عن الدعوة إلى الله تعالى.
- لا توجد اليوم أمةٌ من الأمم تحمل الحق إلا أمة الإسلام، إلا أن واقعهم يصدُّ الناس عن الإسلام، فيذهب طلاب الهدى، الباحثون عن النور إلى الهند ونحوها ، يبحثون عن الخلاص.
- أيها المسلمون : إن الاستقامة على هذا الدين ، والدعوة إليه : ليست اختياراً نختاره لأنفسنا ؛ وإنما هو تكليف رباني : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ".
- " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ".
- ثم إن النبوة ختمت ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فليس بعده نبي، فانتقلت مهمة الدعوة إلى أمته من بعده.
- وهذه الأمة الإسلامية لم تُخرج لتعيش لنفسها وإنما أُخرجت للناس ؛ لتكون أنموذجاً لهم ، وقدوة للسالكين ، وشاهدة على الجميع : " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ".
- فكيف تصح شهادة الأمة وهي غائبة عن معترك الحياة المعاصرة والدعوة إلى الله؛ فإن الشهادة لا تكون إلا من حاضر شاهد.
- أيها الإخوة المسلمون : لقد تحدَّث القرآن الكريم حديثاً طويلاً عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وقد تضمن هذا الحديث رسائل ونداءات من المولى عز وجل لأهل الكتاب في اثنى عشر موضعاً بصيغة : " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ "، فهل بلَّغت الأمة هذه الرسائل لأهل الكتاب؟
* * *
- أيها المسلمون : ولئن كانت الدعوة إلى الله فرضاً على المسلمين : فقد رتَّب عليها المولى عز وجل الأجر العظيم، فقال تعالى: " وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ".
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لأن يهديَ الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من أن يكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَم »، يعني : أفضل وأحسن الأموال.
- وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً : « من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثلُ أجور من تبعه : لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ».
- وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً : «من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله».
- أيها المسلمون : لقد انطلق السلف يدعون إلى الله ، يبتغون بذلك الأجر من الله ، فقد مات غالب الصحابة خارج المدينة.
- ولئن كانت الدعوة إلى الله تتطلَّب العلم ، فإن كلَّ علم صحيح مهما كان قليلاً فإنه يُؤهل صاحبه إلى تبليغه، «بلغوا عني ولو آية».
- فهذه أم سليم رضي الله عنها ليس لها من العلم الكثير: تجادل أبا طلحة رضي الله عنه قبل إسلامه في أصنامه ، فدعته إلى الإسلام ليكون مهرها فاهتدى بها ، فكان مهرها أعظم مهر في الإسلام.
- وهذا المهندس محمد توفيق المصري ذهب إلى أوروبا في بعثة قبل سبعين عاماً، فأخذ يدعو الناس إلى الإسلام ، وراسل مائة ألف شخصية ، فاهتدى على يديه أربعون ألفاً.