الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية السياسية @ 1 – غربة الدين في آخر الزمان


معلومات
تاريخ الإضافة: 18/8/1429
عدد القراء: 9909
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

- أيها المسلمون : لقد بدأ الإسلام غريباً في مكة في أول الدعوة ، مرفوضاً مستنكراً بين الناس.

- ولقد كان المسلمون الأوائل غرباء بين قومهم ، مضطهدين من أقربائهم ، مرفوضين من المجتمع.

- لقد كان أحدهم يؤذى ، وتنتهك حرمته ويعذَّب، ولا يجد من المجتمع من يدفع عنه، أو ينصره.

- حتى اضطر المسلمون – تحت هذا الضغط الشديد – إلى أن يهاجروا إلى الحبشة ثم إلى المدينة.

- وما لبث المجتمع المسلم الجديد في المدينة أن يقوم حتى اتفق العرب واليهود على حربه وإبادته.

- واستمر الصراع بين الحق والباطل منذ فجر الدعوة حتى فتح مكة، حين دخل الناس في دين الله أفواجاً.

- ودانت الجزيرة العربية بالإسلام، وزالت غربة الدين الأولى، وأصبح الشرك غريباً مرفوضاً مستنكراً.

- وما هي إلا سنوات قليلة حتى دانت الدنيا للمسلمين ، فكانوا هم المعسكر الأول في العالم كلِّه.

- وكان الإسلام عزيزاً في أهله ، مهيباً عند الأمم الأخرى ، يخافونه، ويحترمون أهله.

- حتى إذا دبَّ في المسلمين داء الأمم من قبلهم : الحسد والبغضاء والتنازع، فإذا بهم يفترقون ويفشلون .

- ثم يتحوَّلون إلى طوائف وفرق ، كلٌّ يدعي الحق لنفسه ، ويحتكر الصواب لشخصه .

- ولم يعد القرآن والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة في السابق هو المرجع عند التنازع، وإنما هي الأهواء، وشهوات النفوس ورغباتها.

- فافترق المسلمون ، وتسلَّط عليهم أعداؤهم ، حتى بلغ بهم أن يحكموهم في ديارهم تحت ستار الاستعمار.

- وزال حكم الشريعة من غالب ديار المسلمين، ولم يعد الحكم لله وحده إلا في حدود ضيقة محدودة.

- وعمَّ التخلف ديار المسلمين ، فلم يعد لهم دور في سير عجلة التقدم الحضاري، أو التطور العلمي.

- يعيشون على هامش الحضارة المعاصرة ، يحيون عالةً على المجتمع الدولي، يأكلون ويلبسون ويركبون مما يصنع غيرهم.

- ليس لهم كلمة تذكر في المحافل الدولية ، أعداد بلا معنى ، وجموع بلا وزن، وأفواهٌ بلا أصوات.

- إذا اجتمعوا لا يتفقون ، وإذا اتفقوا لا يعملون ، وإذا عملوا لا يُنجزون ، أشباحٌ بلا حقيقة.

- يعيشون سنة الله التي قضاها في أمثالهم من المفرطين ، حين بدَّلوا وغيَّروا، ولم يأخذوا دينهم بقوة.

- وإذا بالإسلام يعود غريباً كما بدأ ، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آخر الزمان، حين يزهد المسلمون في دينهم.

- يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ».

- وها هي غربة الدين الثانية تعمُّ الأرض كلَّها بنسب متفاوتة ، حتى إن الإسلام ليغيب بالكلية عن بعض ديار المسلمين.

- لقد عمَّت الغربة بظلالها السوداءِ القاتمةِ كلَّ جوانب هذا الدين، ابتداءً من العقيدة ، وانتهاءً بأبسط مفاهيم الإسلام.

- لم يعد شيء من معالم الإسلام العظيم إلا وأظلته الغربة الثانية بظلامها حتى طمست هيئته أو كادت تفعل ذلك.

- فالناظر في أصل الاعتقاد ليهوله حجم الانحرافات العقدية التي يقع فيها كثير من المسلمين، والأهواء المنتشرة بينهم.

- والناظر في الواقع الأخلاقي للمجتمعات الإسلامية : يجد أن مبادئنا وأخلاقنا وقيمنا في ناحية ، وسلوكنا الواقعي والعملي في ناحية أخرى، نقيضان لا يلتقيان.

- وأما الناحية الفكرية فهذه المنشورات الثقافية من الكتب والصحف والمحاضرات والندوات : كم هو حظ الإسلام الصحيح منها؟

- كم هو حجم الذين يعيشون في بلاد المسلمين ، ويتَسَمَّوْنَ بأسماء المسلمين، ويعتقدون ويصرِّحون أنه لا دخل للدين في الفكر؟

- يزعمون أنهم أحــرار فيما يكتبــون وفيمـا يتكلمــون وفيما يعتقـدون ، لا يُقيِّدهم شيء من دين أو أخلاق أو عرف اجتماعي.

- وأما الجانب الاقتصادي فها هي البنوك والمصارف الإسلامية تتعثر منذ أربعين عاماً في أوحال الربا والبيوع المشبوهة ، ومستنقع التجارة المحرمة.

- لقد عاقت نجاحها المؤسسات الاقتصادية الكبرى في بلاد المسـلمين ، التي لا ترغب أن تتطهر من رجس المحرمات.

- وأما وسائل الإعلام التي كان من المفروض أن تعبِّر عن عقيدة الأمة وأخلاقها ومبادئها ، فإذا بها معاول هدم للدين والأخلاق في غالب أحوالها.

- لقد سلك الإعلام العربي مسلك النفاق ، ينادي بكلمة الحق ، في الوقت الذي ينشر فيه الفساد والضلال.

- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : " ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ".

* * *

- أيها الإخوة : إن هذا الواقع الإنساني المؤلم لا يسوِّغ لأحد منا أن يسايره ، بل يرتفع بنفسه إلى مرتبة الغرباء الذين دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة.

- فقـال صلى الله عليه وسلم : « بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء»، يعني : الجنة للغرباء، «قيل: ومن هم يا رسول الله؟ قال: الذين يصلُحون إذا فسد الناس»، وفي رواية: « الذين يفرون بدينهم من الفتن »، وفي رواية أخرى : «قوم قليل في ناسِ سوءٍ كثير، من يعصيهم أكثر ممن يُطيعهم ».

- اللهم أصلح أحوالنا، واغفر ذنوبنا، وارحم ضعفنا يا أرحم الراحمين.