الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الجهادية @ 18- غزوة حنين – الموقف والعبرة
- أيها المسلمون : لما أتمَّ الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فتح مكة، وظهر بذلك الحق : تغيظت بعض القبائل العربية، وعزمت على قتال المسلمين.
- فجمعت قبيلة هوازن كلَّ ما تملك من الرجال والمال والأنعام، وقدمت بها إلى وادي حنين، ودعمتها على ذلك ثقيف من الطائف.
- ولما أراد الله خذلان هوازن أوقع في نفس قائدهم مالك بن عوف أنه يخرج بالنساء والذرية؛ ليكون ذلك أدعى للدفاع والقتال حسب ظنِّه.
- ولما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بعزم هوازن على الحرب : خرج لملاقاتهم بالمهاجرين والأنصار، وببعض أهل مكة من المسلمين الجدد.
- وكان خروجه بعد شهر تقريباً من فتح مكة، في شوال من السنة الثامنة للهجرة.
- وكان عدد جيش المسلمين اثني عشر ألفاً، عشرة آلاف من المدينة، وألفان من مكة.
- فقال قائل المسلمين : « لن نغلب اليوم من قلَّة »، قد أعجبتهم كثرة عددهم.
- خرج المسلمون إلى وادي حنين بين مكة والطائف، وقد سبقهم عدوهم إلى الوادي، حيث تمركزت المقاتلة من هوازن في الوادي، وعلى مداخله من خلف مرتفعاته، ينتظرون قدوم المسلمين.
- وكان على مقدمة جيش المسلمين جمع من الشبان الأحداث، من مسلمة الفتح، ممن لم يكن مستعداً بصورة صحيحة للقتال.
- فما أن دخل أول الجيش الوادي عند بزوغ الفجر حتى انهالت عليهم السهام من كل مكان، لا تخطئ أهدافها.
- فتراجعت مقدمة الجيش لتصطدم بمن خلفها، فاختلط الجند بعضهم ببعض، ولاذ جمع كبير بالفرار.
- ووقع في نفس بعض مسلمة الفتح : أن نهاية الإسلام في هذه المعركة.
- وهنا وفي هذا الموقف الشديد يثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومازال يتقدم في وجه العدو ببغلته، حتى يكون أقربهم إلى العدو.
- حتى إن العباس رضي الله عنه ليكف البغلة بلجامهــا عن الإقدام ، والنبي صلى الله عليه وسلم يصيح فيهــم : « أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب ».
- ولم يثبت حول الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من اثني عشر رجلاً، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ينادي فيهم: « إليَّ عباد الله، إليَّ أنا رسول الله ».
- وربما نادى فيهم: «أيها الناس هلموا إليَّ أنا رسول الله، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله».
- وربما أمر العباس رضي الله عنه أن ينادي فيهم بصوته الجهوري : « يا أصحاب السمرة » ، فما أن سمعوا صوته حتى صاحوا: لبيك ، لبيك.
- وكان أحدهم إذا لم يطاوعه بعيره بالعودة أخذ سلاحه وترك البعير، يتوجه نحو صوت العباس رضي الله عنه.
- نزل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أرض المعركة وتناول حفنة من التراب، ثم قذف بها في وجوه القوم، وقال: « شاهت الوجوه »، « انهزموا وربِّ مُحَمَّد ».
- فما من أحد من الأعداء إلا أصابته رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه فانشغل بها عن القتال.
- فتقدم المسلمون يضربون فيهم، ويتَّبعونهم : يأسرون ويقتلون ويغنمون.
- وما هي إلا فترة قصيرة، حتى تغير ميزان القوى لصالح المسلمين، فلم يعد الفارون إلى أرض المعركة حتى وجدوا رجال هوازن مكبلين في القيود، والنساء والذرية في الأسر، والأنعام في الغنائم.
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: " لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ثُمَّ أَنَزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ ".
* * *
- أيها الإخوة : يحكي أحد رجال هوازن بعد إسلامه يقول: «لما التقينا مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقفــوا لنا حلب شاة، حتى إذا انتهينا إلى صاحب البغلة الشهباء – يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - تلقَّانا رجال بيض الوجوه حسان، فقالوا لنا: شاهت الوجوه، ارجعوا، فرجعنا وركبوا أكتافنا، فكانت إياها» ، يعني الهزيمة.
- لقد غنم المسلمون : ستة آلاف من السبي من النساء والذرية، وأربعة وعشرين ألفاً من الإبل، وأربعين ألفاً من الشاة.
- ومن رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم بهوازن أنه لم يوزع الغنائم؛ بل بعث بها إلى الجعرانة ينتظر توبة هوازن وإسلامها، فتأخروا فوزع الغنائم.
- ثم جاء وفد هوازن تائبين مبايعين، وطلبوا إعادة أموالهم وسبيهم، فخيرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بين السبي وبين الأموال، فاختاروا السبي.
- أيها المسلمون : إن النصر مع الصبر، فقد أنزل الله نصره على اثنى عشر رجلاً صمدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- لم ينتصر المسلمون قط بعددهم وعتادهم، وإنما ينتصرون دائماً بإيمانهم وثباتهم، ولهذا لما أعجبتهم كثرتهم أوكلهم الله إليها فهُزموا.