الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الجهادية @ 16- الفدائية في الجهاد الإسلامي
- أيها المسلمون : لقد شرع المولى عز وجل الجهاد في سبيله ، وجعله ذروة سنام هذا الدين، به تُحمَى الدعوة، ويُحفَظ الدين، وتقوم الحجة.
- يقول سبحانه وتعالى : " كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ... ".
- ولا شك أن في الجهاد آلاماً، وجراحات، وموتاً، حيث ترمُّل النساء، وتيتُّم الأطفال، ولكنه مع كل هذا فهو انتصار من وجه آخر.
- " وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ".
- يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « إن في الجنة مائةَ درجة : أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ».
- ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النصر والهزيمة : «ما من غازية أو سرية تغزو في سبيل الله فيسْلَمون ويُصيبون : إلا تعجَّلوا ثلثي أجرِهم، وما من غازية أو سرية تخفق وتخوَّف وتُصاب : إلا تمَّ أجرُهم ».
- أيها المسلمون : ليس الموت في سبيل الله خسارة ؛ وإنما هو نصر على مستوى الفرد بنجاته ونجاحه في مهمته ، ونصر للأمة حين تُروى بالدماء ؛ فإن النصر ينبت حيث يرويه الدم.
- لقد فهم سلف هذه الأمة : أن الموت في الجهاد هو أسمى مطلبٍ لهم، فكان الموت أحبَّ إليهم من الحياة.
- هذا عبد الله بن جحش رضي الله عنه ، صاحب الهجرتين ، وأول أمير في الإسلام، وصاحب أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما كان يوم أحد رفع يده يدعو ربه يقول: « اللهم أقسم عليك أن نلقى العدو، فإذا لقِينا العدو أن يقتلــوني ، ثم يبقـروا بطني ، ثم يمثِّلوا بي ، فإذا لقيتُك سألتني : فيم هذا ؟ فأقولُ: فيك ».
- وفعلاً قُتل رضي الله عنه ومُثِّلَ به ، ونرجو أن يلقى ربه ، فيتمُّ له ما طلب.
- وهذا عمرو بن الجموح الأنصاري رضي الله عنه ، يخرج بعرجته يوم أحد، يرجو أن يطأ بها الجنة، يدعو ربَّه عند خروجه فيقول: « اللهم لا تردَّني ».
- وهذا حرام بن ملحان الأنصاري رضي الله عنه ، جاءَهُ رجل من ورائه فطعنه فقال فرحاً: «فزت وربِّ الكعبة».
- جاء معاذ بن عفراء رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: « يا رسول الله ما يُضْحِكُ الربَّ من عبده ؟ قال: غمسُهُ يده في العدو حاسراً ، فألقى درعاً كانت عليه، وقاتل حتى قتل ».
- وهذا أبو دُجانة سِماك بن خرشة رضي الله عنه لما كان يوم اليمامة ألقى بنفسه وحده في حصن المشركين فقتل، ثم أعقبه البراء بن مالك رضي الله عنه ففتح الباب.
- وهذا هشام بن العاص رضي الله عنه يوم معركة أجنادين بفلسطين، لاحظ تأخراً في الناس، فصاح فيهم : « يا معشر المسلمين أنا هشام بن العاص، أَمِنَ الجنة تفرون؟! فتقدم وقاتل حتى قتل »، وسقط في مضيق تمر منه الخيول ، فتقطعت أشلاؤه قطعاً قطعاً.
- وهذا علباء بن جحش العجلي رحمه الله، خرج له مجوسي يوم القادسية للمبارزة، فضرب كلٌّ منهما صاحبه، أما المجوسي فمات ، وأما علباء فخرجت أمعاؤه من بطنه ، فحاول إرجاعها إلى بطنه فلم يقدر، حتى عاونه على ذلك أحد المسلمين ، فحزم بطنه ، ثم تناول سيفه وتقدَّم إلى المعركة ، فما هي إلا خطوات حتى استشهد.
- وهذا علي بن أسد رحمه الله ، شارك في معارك الروم البحرية، وفي إحدى هذه المعارك قال: «لا أطلب الجنة بعد اليوم أبداً ».
- فلما التقت السفن اقتحم إحداها ، وأخذ يقاتل الروم وحده، فانحاز أهل السفينة إلى إحدى جهاتها فانكفأت ، وغرق الجميع.
- أيها المسلمون : إنها الهمم العالية ، المترفعة عن الحياة الدنيا، المتطلعة لما عند الله، إنه الانتصار الحقيقي حين يكون الموت في سبيل الله أفضل من الحياة.
* * *
- أيها الإخوة : إن جميع أمم الأرض يأتي عليها زمان فتفنى، وتعقم أرحام النساء عن إنجاب الرجال إلا أمة الإسلام فخيرها دائم باقٍ لا ينقطع.
- إن صور الجهاد والفدائية لم تنقطع ولن تنقطع، فما زالت في الأمة روح الجهاد والاستبسال متوقِّدة.
- ففي عام 1930م أثار ثلاثة من الشباب الفلسطيني الناس على الإنجليز المستعمرين وأعوانهم من اليهود ، فقُبض عليهم ، وحُقِّق معهم، فقرروا إعدامهم.
- وفي ليلة الإعدام أظهر الشباب الثلاثة فرحهم، وتحنَّوا على طريقة أهل الخليل، ولما كان يوم الإعدام تقدم الأول، وتنازع الاثنان من يكون الثاني، وكل منهما يريد أن يكون الثاني.
- ولما كان الثَّالِثُ طلب أن يتقدم إلى المنصَّة دون قيد، فأبوا ذلك، فقطع قيده، وتقدم وقُتل.
- ومن الأبطال المعاصرين : الشاب الفلسطيني رائد زكارنة، الذي لم يتجاوز تسعة عَشَرَ عاماً ، أنهى الثانوية، واختفى أربعة أشهر، وبعث إلى أهله : أن لا تسألوا عني.
- ثم فاجأ العالم بعملية استشهادية كبيرة يوم 12/9/1993م ، انتقم بها لآلاف القتلى والمشرَّدين والمضطهدين.
- والبطل الفلسطيني عماد حسن عقل، عمره أربع وعشرون سنة، كان شديد القنص لا تخطئ رصاصاته اليهود، وقد حُوصر أكثر من مرة، إلا أنه كان ينجو بفضل الله تعالى.
- وفي يوم حُوصر بالدبابات والطائرات والجنود، ورمي بالصواريخ فنجا بإذن الله تعالى.
- ولما كان يوم موته حوصر، وقتل وفرَّغ اليهود سبعين رصاصة في رأسه انتقاماً منه.
- إن النصر يأتي للأمة حين يخرج منها الوهن، وهو حب الدنيا وكراهية الموت.