الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية العقلية @ 12- الموقف من التعليم الديني
- أيها الإخوة : ليس من شك أن الإسلام بمنهجه العظيم يولي العملية التعليمية عناية بالغة فائقة، فالعلماء أفضل من العُبَّاد في المفهوم الإسلامي.
- والعلماء ورثة الأنبياء، والملائكة تضع أجنحتها لطلاب العلم، وتحفُّ مجالسهم، وتستغفر لهم.
- والعلم نور في الصدور، وبصيرة في العقول، وبهجة في المجالس، كم من بيتٍ فقيرٍ رفعه العلم، وكم من بيتٍ غني حطَّه الجهل.
- بالعلم يعرف العبد ربه فيعبده على بصيرة، ويعرف أحكام دينه فيقوم بها، ويعرف حدود ربه فيقف عندها.
- العلم رياض العقول، ولذة الأرواح، وأنس المستوحش، ودليل المتحيِّر، وهادي الضال.
- إن العلم من أعظم النعم التي أكرم الله بها عباده، حين عرَّفهم نفسَهُ جلَّ وعلا، ووضَّح لهم نهج عبادته، وسبيل شريعته، وطرق مرضاته.
- وإن من النعم الجليلة أن زوَّد الله عباده بالعقول، ومدَّهم بالفهم، ليعقلوا أحكام دينه، ويفهموا مراد ربهم.
- وإن من نعم الله على عباده أن بصَّرَهم بسنن الحياة، وسبل الكسب والمعاش، وطرق الاستفادة من كنوز الأرض وعلومها.
- إن الناظر المتأمل ليدرك عظيم نعمة الله بالعقل، حين ميَّز الإنسان به، وخصَّه به دون سائر المملكة الحيوانية.
- وللمتأمل أن ينظر حال الإنسان بغير العقل، فإنه لا يعدو أن يكون دابة من أنواع دواب الأرض.
- فَلْيَنْظرْ أحدُنا فيمن ابتلاهم الله في عقولهم بالضعف أو الخلل، لا يكاد أحدهم يهتدي لشيء في صلاح حاله ومعاشه ، حتى يقوم الناس عليه.
- أيها المسلمون : إن أجلَّ النعم التي أنعم الله تعالى بها على عباده: نعمة العقل ونعمة الوحي ، وبينهما ارتباط وثيق لا ينفصم.
- فبالوحي يعرف الإنسان ربَّه، ونهج عبادته، وشرائع دينه، وبالعقل يفهم الإنسان الخطاب، ويعقل الأمر، ويعمِّر الحياة ويطورها.
- والإنسان بصورة دائمة في حاجة إلى هاتين النعمتين، لا حياة له إلا بهما، ولا سعادة له إلا بهما معاً.
- فإذا فقد الإنسان العقل نزل إلى مرتبة الحيوان الأعجمي، ورفع عنه التكليف ، وإذا فقد الوحي ضلَّ وارتكس، فلا غنى للإنسان عنهما.
- ومن هنا كان لا بد من العناية بالعقل والوحي، فكان حفظ العقل من الآفات والتلف مقصداً من مقاصد الشريعة الإسلامية المباركة.
- وكان حفظ الوحي الذي هو الدين مقصداً آخر من مقاصد الشريعة، جاءت لحفظه وتحكيمه رحمة بالعباد.
- ومن هنا كان لزاماً على المؤسسات التربوية في المجتمع المسلم أن تراعي هذين المقصدين في : أهدافها وبرامجها وخططها ومناهجها.
- فلا بد من رعاية عقول الناشئة بالعلم النافع، والتدريب الصالح، والثقافة الواسعة؛ فإن المعرفة هي غذاء العقول.
- وإن من الظلم ألا يحظى الناشئة بالقدر الكافي من التربية العقلية، التي تفتق أذهانهم، وتوسِّع مداركهم.
- إذ لا بد لكل مسلم - منذ الطفولة - أن يحظى بالرعاية الكافية في مجتمعه، ولاسيما الرعاية التعليمية المدرسية.
- والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم»، ومع ذلك فإن جمعاً كبيراً من أبناء المسلمين في العالم لا يجدون فرصاً للتعليم.
- وإن وجدوها تكون – في كثير من الأحيان – فرصاً قاصرة مبتورة، لا تبني الشخصية، ولا تُنشئ العالم ولا المفكِّر.
- وأعجب من هذا وأغرب أن لا يجد التعليم الديني – الذي هو أعظم مقاصد الشريعة – حظَّه الكافي ضمن المناهج التعليمية في كثير من بلاد المسلمين.
- فينشأ الجيل مفتقداً أعظم مقوماته، وأخصَّ خصائصه وهي المعرفة الدينية التي تتميز بها الشعوب بعضها عن بعض.
- وإن من أعجب وأغرب ما كشفته بعض الدراسات التربوية الحديثة: أن جميع دول العالم ولاسيما الدول المتقدمة في أوروبا وأمريكا واليابان : تقدم جرعــات دينيــة كبيرة في مناهجــها ، ولا تجـد في مناهجهم ما يعارض – صراحة- أديانهم، أو يشينها بشيء.
- في الوقت الذي تتذمَّر الحكومات الغربية من التعليم الديني في بعض بلاد المسلمين، وتتهم مناهجها بالغلو والتطرف والإرهاب.
- أيها الإخوة : إن إقصاء التعليم الديني أو إهماله أو إضعافه هو أعظم جريمة تقع فيها مؤسسات التعليم في بلاد المسلمين.
- أي كبيرة أكبر من تجهيل الناشئة بدينهم، فلا يعرفون عقيدة ولا عبادة ولا شريعة، نعوذ بالله من ذلك.
- اللهم فقِّهْنا في الدين، وعلِّمنا التأويل، وارزقنا العلم والعمل يا سميع الدعاء.
* * *
- أيها المسلمون : إن التأكيد على التعليم الديني لا يعني أن تكون جميع المناهج أو أكثرها مواداً دينية وتربية إسلامية، وإنما المقصود ألا يوجد في المناهج التعليمية ما يخالف الدين، وأن تدرس جميع العلوم والمعارف من الوجهة الربانية الإسلامية.
- فجميع العلوم خلقها الله، وأرشد العباد لتعلمها والاستفادة منها؛ فلابد أن تُربط بالله تعالى ، بما فيها علم: الفيزياء والكيمياء والرياضيات وباقي العلوم ، فضلاً عن المواد الدينية.
- فينشأ الطفل محباً لله تعالى، يرى آثاره في كل شيء من حوله، حتى في المواد التطبيقية التي يتعلمها في المدرسة، ومن هنا بداية الطريق.
- فلا فصل بين الدين والدنيا ، فكلُّ العلوم تصبُّ في رحــاب الله تعالى ، ولا مكان للكفر والإلحاد في مناهج المسلمين.