الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية العقلية @ 8- مقام العلم بين العالم والمتعلم


معلومات
تاريخ الإضافة: 16/8/1429
عدد القراء: 1142
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

- أيها المسلمون : ليس من دين سماوي أو وضعي استحب لأهله العلم، وحثَّهم عليه كحال دين الإسلام، الذي لم يقبل بالتسوية بين العالم والجاهل، فقال تعالى: " قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ".

- وقال أيضاً : " يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ".       

- وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : «طلب العلم فريضة على كل مسلم».

- وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : «تفقَّهوا قبل أن تُسوَّدوا».

- وامتدحت السيدة عائشة رضي الله عنها نساء الأنصار فقالت: « نِعْمَ النساءُ نساء الأنصار ؛ لم يكن يمنعهن الحياء من أن يسألن عن الدين ، ويتفقهن فيه».

- وقال الإمام ابن شهاب الزهري رحمه الله عن السؤال عن العلم: « العلم خزانة : مفتاحها السؤال ».

- وقد أجمع العلماء على أن من العلم ما يكون فرض عين على الجميع، مثل: أصول العقائد والشعائر التعبدية، ومنها ما هو فرض كفاية على المتخصصين من العلماء.

- وعلى الرغم من وجوب العلم على هذه الأمة فقد رتَّب الشارع الحكيم عليه عظيم الأجر والثواب؛ حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتانُ في الماء، وفضلُ العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب».

- وقال الحسن البصري رحمه الله في تفسير قوله تعالى: " رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً" ، قال: «العلم والعبادة»، " وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً "، قال: «الجنة».

- وقال سفيان الثوري رحمه الله : «ما من عمل أفضلُ من طلب العلم إذا صحَّت النية».

- وقال ابن شهاب الزهري رحمه الله : «ما عُبد اللهُ بمثل العلم ».

- ولما أُحرقت كتبُ عروة بن الزبير رضي الله عنهما حزن عليها حزناً شديداً، وقال: « وددت لو أن عندي كتبي بأهلي ومالي » ؛ يعني أن حرق أهله وأولاده أهون عليه من حرق كتبه.

- أيها المسلمون : إن الحصول على العلم الصحيح لا يكون براحة الجسد، ولا يكون بالبخل بالمال، ولا يكون أيضًا دفعة واحدة.

- فقد سافر جمع من العلماء الأيام والليالي لطلب العلم، حتى قال ابن المسيِّب رحمه الله : « إن كنت لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد ».

- وقال الشعبي رحمه الله : « لو أن رجلاً سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن ليسمع كلمة حكمة : ما رأيت سفره ضاع».

- ثم إن طلب العلم لا يكون بالبخل بالمال، فقد اقترن العلم بالفقر، فكم من طالب علم باع متاعه، وأكل الخشن من الطعام، وبات طاوياً، وقد نُقل أن أم الإمام الشافعي رهنت بيتها لتفرغ ولدها للعلم.

- إن العلم لا يحصل دفعة واحدة ؛ إنما بالاستمرار وطول النظر والمذاكرة، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : «إن الرجل لا يُولد عالماً ، وإنما العلم بالتعلم».

- إن العلم لا منتهى له، فمن ظن أنه قد علم فقد جهل، فإنك ما تزال عالماً ما دمت متعلِّماً، فإذا استغنيت أصبحت جاهلاً.

- ولو أن أحداً يمكن أن يكتفي من العلم لاكتفى موسى عليه السلام فقد قال للخضر عليه السلام : " هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ".

- أيها المسلمون : إن من خصَّه الله بالعلم، وفقَّهه في الدين : فقد أوجب عليه تعليم الناس، وعدم البخل بالعلم؛ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في فضل تعليم الناس: « إن الله وملائكته ، وأهل السموات والأرض ، حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت في البحر: ليصلون على معلم الناس الخير ».

- وقال الرسول صلى الله عليه وسلم عن البخيل بالعلم: « مثل الذي يتعلم العلمَ ولا يتحدَّثُ به : كمثل الذي يكنز الذهب ولا ينفق مِنْهُ ».

- وقد كان السلف لا يبخلون بالعلم حتى قال سعيد بن جبير رحمه الله: «وددتُ أن الناس قد أخذوا ما معيَ من العلم».

- وقال الشافعي للربيع بن سليمان رحمهم الله: « يا ربيع لو قدرت أن أُطْعمَكَ العلمَ لأطعمتك إياه ».

- وقد كان كثير من علماء السلف يبتدؤون الطلاب بالعلم ، ويثيرونهم إلى المعرفة ، ويطلبون منهم السؤال، وربما جلس بعضهم يحدِّث الصبيان ورعاة الإبل.

- إذا قام العالم بواجب التعليم، فإن واجب طالب العلم الاحترام والتقدير، وفي الحديث : «ليس منا من لم يعرف لعالمنا».

- قال شعبة بن الحجاج رحمه الله عن احترامه مشايخه: « كلُّ من سمعت منه حديثاً فأنا له عبد ».

- إن أقلَّ حقــوق العالم ألا يُبغَضَ ؛ فقد قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : « إن استطعت فكن عالماً، فإن لم تستطع فكن متعلماً ، فإن لم تستطع فأحبَّهم ، وإن لم تستطع فلا تُبغضهم ».

* * *

- إن آفة العلـــم العظمــى أن يُطلَبَ لغير الله تعالى؛ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « لا تتعلمـوا العلــم لتباهـوا به العلمـاء ، ولا لتمــاروا به الســفهاء ، ولا لتحتازوا به المجالس – أي: تتصدَّروا به المجالس – فمن فعل ذلك فالنار النار»، وقال أيضاً : « من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله ، لا يتعلمه إلا ليصيب به عَرَضاً من الدنيا : لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ».

- إن من أعظم المصائب التي ابتلي بها كثير من الناس: طلب العلم لغير العمل، وإنما هو للتكسب والتجمُّل، فقد قال أُبي بن كعب رضي الله عنه: « تعلموا العلم واعملوا به، ولا تتعلموه لتتجمَّلوا به، فإنه يُوشك إن طال بكم زمان أن يُتجمَّل بالعلم كما يَتَجمَّل الرجل بالثوب ».

- وكان سفيان الثوري رحمه الله يقول: « زيِّنوا العلم ولا تتزيَّنوا به ».

- وكان نقش خاتم الحسن بن علي رضي الله عنهما : «علمتَ فاعمل».

- قال الحسن البصري رحمه الله : « إن أشدَّ الناس حسرة يوم القيامة رجلان: رجل نظر إلى ماله في ميزان غيره، سُعد به وشقي هو به، ورجل نظر إلى علمه في ميزان غيره سعد به وشقي هو به».

- وقال الشعبي رحمه الله : « يطَّلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من أهل النار فيقولون: ما أدخلكم النار إنما أدخلنا الجنة بفضل تأديبكم وتعليمكم ؟ قالوا: إنا كنا نأمركم بالخير ولا نفعله ».

- اللهم إنا نعـوذ بك من علم لا ينفــع ، ومن قلب لا يخشــع، ومن دعوة لا يستجاب لها.