الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ @ 10– التأهيل للحياة الزوجية
- أيها المسلمون : إن المهمة الأولى والكبرى التي أوجد اللهُ الإنسانَ من أجلها هي تحقيق العبودية الخالصة لله تعالى.
- فمراد الله تعالى من وجود هذا الإنسان هو القيام بمهمة العبودية له سبحانه وتعالى.
- والإنسان المكلف بهذه العبودية لا يُوجد بصورة تلقائية، وإنما يُوجد من خلال التناسل ، والتكاثر البشري.
- وهذا التناسل والتكاثر لا يتم كما أمر الله تعالى إلا من خلال الزواج وبناء الأسرة : لبنة المجتمع الأولى.
- والإنسان لا يُعد إنساناً على الحقيقة حتى يكون نتاجاً لأسرة اجتماعية، قد تلقَّى فيها المبادئ الإنسانية الأولى.
- المبادئ : العقدية والأخلاقية والسلوكية، ثم تدرَّب عليها في أسرته، واعتاد عليها وتشربها.
- فالإنسان لا يُعد إنساناً لما يحمله من الصفات الوراثية، وإنما يُعد إنساناً لما يحمله من السمات : العقلية والسلوكية والأخلاقية.
- فكم من أشخاص يحملون شكل الإنسان في سماتهم الوراثية، إلا أنهم فقراء من سمات الإنسان : الأخلاقية والعقلية والسلوكية.
- فأي قيمة تبقى للإنسان حين يفقد المبادئ والقيم والأخلاق، إنه حينئذٍ لا يزيد عن كونه حيواناً ذكياً في صورة إنسان.
- أيها الإخوة : إن الأسرة هي المحضنُ الأساس، المكلَّفُ بتزويد الإنسان بما يؤهله لمقام الإنسانية ومستواها الرفيع.
- فالآباء والأمهات هم سفراء المجتمع في الأسرة؛ لنقل : العقائد والمبادئ والقيم إلى النشء الجديد، وتربيتهم عليها.
- فالطفل يتشكَّل في الأسرة بما يمارسُهُ معه أبواه من أنواع التربيات ، وأساليبها المختلفة.
- والطفل – أياً كان – لا يعْدُو أن يكون نتاجاً لتربية أسرية صالحة، أو تربية أسرية فاسدة.
- فهو بريءٌ في اختياراته لنفسه، لا يعرف ما يصلحه، ولا يدرك ما يضره، وإنما هي مسؤولية المربين في الأسرة.
- ومن هنا فإن إنشاء جيل صالح مرهون بصلاح الآباء والأمهات، وعليهم تقع المسؤولية التربوية الأكبر ، والمهمة الاجتماعية الأصعب.
- ولكن السؤال المُلِحَّ، الذي يطرح نفسه علينا بقوة، ويحتاج منا إلى جواب: هل تأهَّل الآباء والأمهات للتربية الأسرية؟
- بمعنى آخر : هل هؤلاء الأزواج، الذين نعقد لهم، ونزفُّهم في الأعراس، هل هم مؤهلون بالفعل للإنجاب ، وتربية الصغار؟
- ماذا عند هذين الزوجين الجديدين من العلم والأخلاق والآداب : يمكن أن يقدِّماه لأولادهما في المستقبل القريب؟
- يدخل أحدهم على زوجته وقد بلغ الخامسة والعشرين، فإذا به طائش عابث، لم يتجاوز سن المراهقة بعد.
- لا يستقر في عمل ، ولا يُجيد مهارة، ولا يملك صنعة، مورده مما يعطيه إياه أبوه، لا يحسن شيئاً.
- اللهم إلا الدخول على شــبكات الإنترنت، والمواقع الممنوعة، عابثٌ لاهٍ، لا يصلح لدنيا ولا لأخرى.
- وأما الفتاة فلا تبعد عنه بكثير، فهي في الثانية والعشرين من عمرها، ومع ذلك لا تُحسن شيئاً في الحياة الزوجية.
- لا تزال تحمل أرقام هواتف بعض الشباب الذين كانت تكلِّمهم قبل زواجها، احتفظت بها لوقت الضيق!!
- وأما الصلاة، والأخلاق، والآداب، فلا شيء من ذلك، آباء بلا حقيقة، وأسرٌ بلا معنى.
- فما هي إلا أشهر معدودة حتى يملَّ كلُّ واحد صاحبه، وتعود الفتاة إلى بيت أهلها بحمل في الشهر الثالث.
- ثم يكتشف الأهل أن ابنتهم قد ضربت أكثر من مرة، وطُلِّقت في عدة مجالس، والشاب يشكو سوء خلقها، وإهمالها للبيت.
- ثم تبدأ الحلقة المفرغة، بين خروج الفتاة من بيتها وإعادتها مرة أخرى، كلما خرجت أُعيدت بصلح وشروط وفتوى.
- الشاب يطلِّق كالمجنون ، والأهل يبحثون عن فتوى شرعية تحفظ هذا البيت المهلهل من السقوط والضياع.
- وفي هذا الجو الأسري الممتلئ بالآلام والأحزان: يقدُم البرآء الصغار، يبحثون عن أبٍ صالح، وأم حنون.
- وإذا بالصغار أهونُ شيء على الأم القاسية، كلما غضبت رمت بهم وخرجت، تزعم أنها تعذب الأبَ بهم وتؤدِّبه.
- وإذا بالأب المهمل قد ألقى بهم هو الآخر عند جدَّتهم، وتفرَّغ هو في إجازة من الأسرة ، يلهو حيث يشاء.
- ويبقى الصغار مشتتين بين البيوت لا قرار لهم، قد مُلؤوا بالحقد واليأس والضجر، فلا تسأل عن مصيرهم.
- أي صورة قاتمة سوداء تبقى في أذهان هؤلاء الصغار عن الحياة الزوجية؟ كيف تراهم يتقبلون حياتهم مستقبلاً ؟
- وصدق الله تعالى إذ يقول: " وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ".
* * *
- أيها الإخوة : إن من الضروري حين نفكِّر في تزويج أولادنا وبناتنا: أن نفكِّر – أيضاً – في تأهيلهم للحياة الزوجية والأسرية.
- قبيح جداً أن يُزفَّ الزوجان وهما أجهلُ ما يكونان بالحياة الزوجية، والتربية الأسرية.
- يلتقي الزوجان على جهل، ويعيشان على جهـل، وربما افترقا على جهل، لا يعرفان حقوقاً ولا واجبات.
- إن المحاكم لتئن بالمشكلات الزوجية، وحالات الطلاق، حتى إن صكوك الطلاق – في بعض المحاكم - تفوق أحياناً عقود النكاح.
- وهذا خطر داهم، يُنذر بمأساة اجتماعية، وضياع أسري، وفتنة عظيمة، تحتاج إلى يقظة اجتماعية.
- إن التربية الزوجية تبدأ قبل الزواج بسنوات، يتأهل فيها الفتيان والفتيات للحياة الزوجية.
- يشاهدون الحياة الزوجية المثالية في الأبوين، والمنهج المدرسي، ووسائل الإعلام، والدورات التدريبية التربوية.
- يتربون على أن الزواج: مسؤولية وشراكة وشهامة، وليس الزواج نزوةً وأنانيةً ونذالةً.
- وما لم يتنبه المجتمع لأزمات الزواج القائمة: فإن العواقب ستكون وخيمة، والكارثة كبيرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.