الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الإجتماعية @ 13- إصلاح ذات البين


معلومات
تاريخ الإضافة: 10/8/1429
عدد القراء: 1057
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

- أيها المسلمون : إن من أعظم ما يضرُّ بالمجتمعات ، ويفتك بها، ويقوِّض أركانها: فساد ذات البَيْنِ.

- فإن المجتمع الإنساني يقوم على روابط وعلاقات متنوعة ، تضم الناس في إطار اجتماعي واحد.

- فإذا دبَّ الخلاف بينهم، وكثر الشقاق والنزاع: افترق الناس وتباعدوا، وربما تناحروا وتقاتلوا.

- إن فساد العلاقات الاجتماعية، واتساع رقعة الخلاف بين الناس: نذيرٌ بأفول المجتمع واندثاره.

- أي كيانٍ يبقى لمجتمع افترق أهله وتناثروا وتباعدوا، وطعن بعضهم في بعض، وخوَّن بعضهم بعضاً ؟!

- والناظر في بعض المجتمعات المعاصرة يجد الأثر المدمِّر للتنازع والاختلاف، وفساد ذات البين .

- مجتمعات كاملة دبَّ فيها فساد ذات البين، فاختلَّ فيها الأمن، فاختلط فيها الحق بالباطل، وتشابك الناس وتداخلوا، واختلط بعضهم ببعض، فلم يعد يعرف الرجلُ غريمه من صديقه، ولا أخاه من عدوه.

- لقد اختلَّ كلُّ شيء، واضطربت الموازين، فلم يعد أحدٌ يأمن أحداً، حتى الأرحام والأصدقاء والجيران، الكلُّ يتوجَّس من صاحبه.

- فأي عيش يطيب حينئذٍ؟! ولهذا ترخص الحياة في المجتمعات المضطربة، وتصبح مستباحة بلا حرمة.

- لا يبالي أحدهم أن يبيت قاتلاً أو مقتولاً، لقد استوى في حسِّه الموت والحياة؛ لأنه لم يعد عنده ما يخاف عليه.

- لقد جرَّدته فتنة فساد ذات البين من مشاعره الإنسانية ، وعواطفه البشرية، وأخلاقــه الاجتماعيـة ، وحوَّلتـه إلى كائـن بلا مشاعــر ولا عواطـف ولا أخلاق، غلظة وجفاء، وكذب وافتراء ، حيوان في صورة إنسان.

- أيها المسلمون : لما كان لفساد ذات البين هذه الخطورة الاجتماعية : جاء الإسلام بالنهي عنها، والسعي في الصلاح والإصلاح.

- يقول الله تعالى : " وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا "، إلى أن قال: " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ".

- ويقول في الخلاف الاقتصادي: " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ ".

- ويقول في الشأن الأسري: " وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ".

- ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في فضل الإصلاح بين الناس: « ألا أخبركم بأفضلَ من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين ؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة ».

- وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لأبي أيـوب الأنصاري رضي الله عنه : « ألا أدلُّك على تجارة ؟ قال: بلى يا رسول الله ، قال : تسعى في إصلاحٍ بين الناس إذا تفاسدوا ، وتُقارب بينهم إذا تباعدوا ».

- وربما قال لأصحابه: « ألا أدلُّكم على صدقة يحبها الله ورسوله؟ إصلاح ذات البين إذا تفاسدوا ».

- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرص الأمة على إصلاح ذات البين، وجمع الكلمة، ونزع فتيل الشر وأسبابه.

- فما أن يبلغَهُ عن بوادر الشر بين المسلمين إلا سعى إليهم ليصلح بينهم، فيعظهم ويذكرهم بحقوقهم فيما بينهم.

- وكان عليه الصلاة والسلام إذا تنازع اثنان في أمر: قضى بينهما بالعدل، وأصلح الخلاف فيما بينهما بالحق.      

- وأعجب من هذا أن يبيح الرسول صلى الله عليه وسلم الكذب للإصلاح بين الناس، رغم قبح الكذب ، وحقير مقامه.

- فقال صلى الله عليه وسلم : « ليس الكاذب الذي يُصلح بين الناس، ويقول خيراً، ويَنْمي خيراً».

- فإذا بالكذب، الذي يُعدُّ من أسوأ الأخلاق ينقلب حسناً من أجل الإصلاح بين الناس.

- بل ربما كان الصدق في مثل هذه المواطن قبيحاً، إذا كان يزيد من الفرقة والشقاق بين المتنازعين.

- اختلف رجل مع زوجته، فقال لها يستحلفها: « أتبغضينني ؟ فقالت : أما إنك قد استحلفتني ، فنعم » ، فبلغ ذلك عمرَ رضي الله عنه ، فدعاها وعاتبها على صراحتها مع زوجها ، فقالت : « أفأكذب يا أمير المؤمنين ؟ قال : نعم ، فاكذبي ، فإن كانت إحداكنَّ لا تحبُّ أحَدَنا فلا تحدثه بذلك؛ فإن أقلَّ البيوت الذي يُبنى على الحب ، ولكنَّ الناس يتعاشرون بالإسلام والأحساب ».

* * *

- أيها المسلمون : يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « تُفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيُغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنْظِرُوا هذين حتى يصطلحا ».

- أيها الإخوة : دعوة صادقة لأن نتنازل عن بعض حقوقنا من أجل إصلاح ذات البين، نأخذ على أنفسنا من أجل الصلح ، ورأب الصدع.

- لقد وقف الحسن بن علي رضي الله عنهما موقفاً عظيماً ، تنازل فيه عن حقِّه في الخلافة لمعاوية رضي الله عنه ، فجمع الله بتنازله هذا كلمة المسلمين ، وحقن دماءهم ، وكان عام الجماعة.

- وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحسن وهو طفل: « إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ».

- فكل من تنازل عن حقِّه لجمع الكلمة فقد تشبَّه بالحسن بن علي رضي الله عنهما.