الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الإجتماعية @ 7- الحقوق الشرعية


معلومات
تاريخ الإضافة: 10/8/1429
عدد القراء: 960
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

- أيها المسلمون : إن من أعظم المقاصد التي من أجلها أرسل الله الرسل، وأنزل من أجلها الكتب: إقامة الحقوق بين الناس بالعدل.

- كما قال تعالى : " لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ".

- والناظر في شريعة الإسلام يجد أن باب الحقوق، وما يتعلق بها من المعاملات من أوسع أبواب الشريعة المباركة.

- وما ذاك إلا لضبط حقوق الناس فيما بينهم بالعدل، وتمكين أصحاب الحقوق من حقوقهم دون ظلم.

- وقد كرَّس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم جهودَهُم وأوقاتَهم لإقامة العدل بين الناس، وتمكينهم من حقوقهم.

- حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتص من نفسه، فلقد جلس لهم يوماً قبل وفاته يستبيحهم فيما عسى أن يكون قد صدر منه تجاههم من أخطاء اجتهادية.

- وكان يقول: «لتؤدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يُقادَ للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، تنطحها».

- ويقول مقابل ذلك في حق أهل العدل والقسط: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل ، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا»، يعني من أمور الناس.

- أيها المسلمون: إن الناظر في أنواع الحقوق في شريعة الإسلام: يجدها متنوِّعة ومتعدِّدة ومتشعِّبة، تشمل كل جوانب الحياة.

- فأينما تشعَّب نشاط الإنسان وجد الحقوق الشرعية تلاحقه في كل جانب من جوانب نشاطه، وحركته الاجتماعية.

- ابتداءً من حق النفس، بعدم ظلمها، أو سَوْق الأذى إليها، أو قتلها؛ فإن نفس المسلم أمانةٌ عنده يُسأل عنها يوم القيامة.

- وكذلك حق الوالدين، والأقارب والأرحام، وحق الزوجين والأولاد، وحق الخدم والجيران، والأصدقاء والزملاء.

- إضافة إلى حق المريض في الزيارة، وحضور الجنازة، والتلطُّف بالجليس، ورحمة الصغير واليتيم، وتوقير العالم والكبير.

- إلى جانب حق المرأة بالرعاية : الأم والزوجة والبنت، إضافة إلى حق الطريق والمجلس، وحقوق الفقراء والمساكين والسائلين.

- فالناظر يجدها حقوقاً كثيرة متشعِّبة، فإذا أضاف إليها حق البيئة والحيوان والنبات وجد المسلم نفسه مطوَّقاً بمنظومة واسعة وكبيرة من الحقوق الشرعية ، التي ألزمه الله تعالى برعايتها، والتي يشملها وينتظمها قوله  سبحانه وتعالى : " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ".

- فما من حق شرعه الله تعالى إلا وجدت ظلَّ العدل والإحسان قد أظله بظلاله الصالحة، وما من باطل حرمه الله تعالى إلا وجدته ممقوتاً مظلماً، تأباه النفوس الكريمة، وتمجُّه الطباع الحسنة.

- أيها الإخوة المسلمون : إذا استقر هذا الفهم، فما بال مجتمعات اليوم التي تتشدَّق بالحرية والديموقراطية، ما بالها قد تنكَّبت طريق الحق والعدل والقسط، في صور من المآسي والمظالم الكثيرة.

- حتى إن مجتمعات اليوم من كثرة ما فيها من المظالم والمآسي لتوصف بالغابات، التي تقوم على شريعة القوة والبطش، لا على شريعة العدل والقسط.

- ولئن كانت المجتمعات الكافرة تعذر بجهلها، فليس بعد الكفر ذنب، فما بال المجتمعات الإسلامية؟

- التي تُتلى فيها آيات الله، وتسمع فيها أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعظ فيها العلماء، ويحدِّث فيها الفقهاء، ما بالها غرقت في المظالم والمآسي ؟!

- حقوق ضائعة بين الآباء والأبناء، ومظالم بين الرجال والنساء، واضطهاد بين العمال والكفلاء.

- الكل حريص شحيح بحقوقه، بارد ثقيل سمج عند حقوق الآخرين، ولا تكاد تنتزع منه حقاً إلا بشق النفس.

- يستمتع أحدهم ويطرب حين يحتال على الآخرين، وقد نسي: " وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ " .

- ونسي قوله صلى الله عليه وسلم: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة، وإن كان قضيباً من أراك»، يعني: وإن كان سواكاً.

- فكيف بمن اغتصب الأموال الطائلة ، من الأراضي والممتلكات ، ممن يأكلون أموال الناس بالباطل.

* * *

- أيها الإخوة : يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن ظلم الحقوق: «من أعان ظالماً ليُدحض بباطله حقاً : فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله».

- ويقول في حقوق الضعفاء : «إن الله تعالى لا يقدِّس أمة لا يُعطون الضعيف منهم حقه».

- ويقول في شأن المحتالين: « إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليَّ، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو ليتركها».

- ويقول في شأن حق الحيوان: « ما من إنسان يقتل عصفوراً فما فوقها بغير حقه إلا سأله الله عنها يوم القيامة».

- ويقول في حق النبات : «من قطع سدرة صوَّب رأسه في النار».

- إن المسلم لا يعيش في الحياة هملاً بلا أحكام تضبطه، وإنما قد أحاطته شريعة كاملة ، تنتظم حياته كلَّها، وتحدد له سلوكه، وتضبط له معاملاته، ليس مع بني البشر فقط ، ولكن مع كل ما حوله.