الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية العبادية @ 27- تعظيم حرمة جوار البيت
- أيها المسلمون : لقد عرفت الإنسانية المؤمنة منذ فجر التاريخ عظمة مكة وحرمتها ، ومكانتها عند الله تعالى .
- وما زال الأنبياء يتوارثون حبها وتعظيمها وإجلالها ، فكم من نبيٍّ شدَّ إليها رحله ، ملبياً ومهللاً ، وموحِّداً لله تعالى .
- ولقد استفاضت لدى الشعوب المؤمنة -في القديم والحديث- حرمة هذه البقعة المباركة ، حتى عظَّمها مشركو مكة قبل البعثة النبوية .
- ثم جاء الإسلام ليؤكِّد هذه الحرمة والعظمة لهذه البلدة المباركة ، فينزل القرآن الكريم يقسم بها : " لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ " .
- ويأمر بتطهيرها من الشرك والرجس : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ".
- وينهى عن المعاصي فيها ، بل وينهى عن مجرد قصد السوء فيها : " وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ" .
- وحرم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُحمل فيها السلاح ، ونبَّه المسلمين إلى حرمتها فقال: «إن هذا البلد حَرَّمَهُ الله يوم خلق السموات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ».
- ونهى عن الصيد فيها ، وقطع شجرها ، وأخذ لُقطتها إلا لمنشد .
- ويربط الرسول صلى الله عليه وسلم بين خيرية الأمة وتعظيمها للبيت فيقول : « لا تزال هذه الأمة بخير ما عظَّموا هذه الحرمة حق تعظيمها ، فإذا تركُوها وضيَّعوها هلكوا ».
- أيها المسلمون : المسجد الحرام هو أول مسجد وضعه الله لعباده ، "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ ".
- عن أبي ذر رضي الله عنه قال : « قلت : يارسول الله : أي مسجد وضع في الأرض أوَّل ؟ قال : المسجد الحرام ، قال: قلت ثم أي ؟ قال: المسجد الأقصى ، قلت : كم كان بينهما ؟ قال : أربعون سنة » .
- وقد جعل الله تعالى أجر الصلاة فيه: مائة ألف صلاة ، وأذن لعباده بشد الرِّحَال إليه للعبادة والنسك .
- وليس بقعة في الأرض أوجب الله على عباده الحضور إليها إلا مكة والمناسك التي بها وحولها.
- في مكة الكعبة المشرفة صرَّة الأرض ، فيها الحجر الأسود والمقام ، ياقوتتان من ياقوت الجنة ، عند الحجر تنحط الخطايا ، وعند الملتزم تسكب العبرات.
- في مكة ماء زمزم ، خير ماء على وجه الأرض ، فيه طعامُ طُعْم ، وشفاء سقم .
- أيها المسلمون : مكة ملاذ المؤمنين ، وحصن الإيمان حين يُضيِّعه الناس في الأمصار ، فتبقى مكة شامخة بإيمانها ، يأوي إليها الإيمان كما تأوي الحية إلى جحرها.
- يأتي الدجال في آخر الزمان فيدخل البلاد كلَّها إلا مكة والمدينة ، قد حرمهما الله عليه ، فتكونان ملاذين لأهل الإيمان من فتنته .
- أيها المسلمون : مكةُ قبلة المسلمين أينما كانوا ، يتوجَّهون إليها بقلوبهم وأبدانهم ، ويحترمونها فلا يستقبلونها ببول أو غائط أو بزاق .
- لقد استقر في قلوب المؤمنين تعظيمها وحبُّها ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر منها ، وقف ينظر إليها ويخاطبها فيقول : « ما أطيبك من بلد وأحبَّك إليَّ ، ولولا أن قومي أخرجُوني منك ما سكنت غيرك » .
- وكذلك المهاجرون ، فقد عانوا من فراق مكة حين هاجروا إلى المدينة ، حتى حبَّب الله إليهم المدينة فسكنت نفوسُهم .
- وكذلك أهل الإيمان في كل مكان وفي كل زمان : لا يريدون عوضاً عن مكة ، فالشوق إليها دائم متوقِّد ، وحبُّها قد عمر النفوس .
- اللهم حبب إلينا مكة ، وزدها حباً في قلوبنا ، وأدم مُقامنا فيها ، وارزقنا أدب الجوار ، واختم لنا فيها بالسعادة يا رب العالمين .
* * *
- أيها المسلمون : ما أسهل دعوى المحبة ، ولكن ما أصعب إثباتها ، فأهل الدعاوي كثير ، ولكن أهل الصدق فيها قليل .
- إن دعوى المحبة لمكة والتعظيم لها واحترامها ليست كلاماً يُقال بالأفواه ؛ وإنما هو فعلٌ نسلكه ، وحرمةٌ نتقيها ، وطريقة ننهجها.
- أيها المسلمون : ما عظَّم حرمة البيت من أكل فيه الربا، وشرب الخمر، وتعاطى أو روَّج للمخدرات .
- ما عظَّم حرمة البيت من عقَّ والديه ، وقطع رحمه ، وآذى جاره ، وسمح لنسائه بالتبرج والسفور .
- ما عظَّم حرمة البيت من غش الناس ، واحتال في المعاملات ، واحتكر الطعام، وحمل السلاح على المسلمين .
- ما عظَّم حرمة البيت من استغل الحجاج والمعتمرين ، وآذى المجاورين والعابدين .
- ما عظَّم حرمة البيت من وضع على رأس بيته أطباق الفساد، يستمع وينظر إلى ما حرم الله تعالى .
- ما عظَّم حرمة البيت من رأى المنكر فلم ينكر بيده ، ولا بلسانه ، ولا بقلبه.
- أيها المسلمون : من هم الذين يقعون في هذه المعاصي في مكة ، أليسوا هم أبناءَنا وبناتِنا ، وإخواننا وأخوتنا ، وجيراننا ، وعمَّالنا وتجَّارنا ، ألسنا نحن الذين نقع في هذه الأخطاء ، أليس من الواجب أن يتوجه كل منا إلى نفسه يعظها ويؤدِّبها ؟
- لماذا لا يقوم كلُّ منا فيعكف على أهل بيته ، ومن تحت يده : يصلحهم ويضبط سلوكهم.
- لو توجَّه كلٌّ منا باللوم إلى نفسه لصلح حالنا ، وقلَّ فسادنا.