الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية العبادية @ 24- فرحة الصائمين وخيبة المفرِّطين
- أيها الإخوة : وهكذا يمضي شهر رمضان كعادته سريعاً ، يشهد لأهل الطاعة بطاعتهم ، ويشهد على أهل المعصية بعصيانهم .
- يذهب هذا الشهر الكريم من هذه السنة ، فلا يعود أبداً إلى يوم القيامة يفرح به المؤمنون ، ويندم على التفريط به المنافقون والمقصِّرون .
- يفرح المؤمن بصيامه حين يلقى ربه عز وجل ، ينعم بما ادَّخره الله له من الثواب العظيم : « الصيام لي وأنا أجزي به » .
- لقد ادَّخر الله للصائمين من الأجور العظيمة ما لا يتصوَّرونه ولا يتخيَّلونه، إنها المفاجأة الكبرى عند لقاء الله تعالى .
- أيُّ غبطة تحفُّ بالصائمين حين يلقون ربهم ، فيخرج لهم ما ادَّخره عنده من التحف وكريم المقام ؟
- أيُّ بهجة يعيشها الصائمون حين ينادي المنادي من جهة باب الريان : « أين الصائمون ؟ » .
- فإذا بهم يقومون يتدافعون على باب الجنة ، لا بؤس بعد اليوم ، ولا تعب ولا نصب ، ولا فقر ولا حاجة ، ولا جوع ولا ظمأ .
- لقد ذهبت الدنيا بما فيها من الأسقام والأوجاع والتعب والظلم ، وأقبلت الآخرة بما فيها من الأنس والراحة والبهجة .
- لو قدَّر الله لأحد أن يموت بعد البعث لمات الصائمون من عظيم فرحتهم بلقاء ربهم ، ومعاينتهم باب الريان قد فُتح لهم.
- إنها الفرحة التي وعد الله عباده الصائمين حين يلقونه ، لقد أذهب الله عنهم عناء الدنيا ، وأبدلهم به نعيم الآخرة .
- ويا ويل المفرِّطين في صيامهم حين يلقون ربهم ولا حجَّة لهم ، يوبخهم الله والملائكة ، ويُغلق دونهم باب الريان .
- أيُّ حسرة تحيط بهم ، وأي ندم يعتصر قلوبهم ، وهم يُطردون عن باب الريان ، ويُذادون عنه .
- لو قُدِّرَ أن أحداً يموت بعد البعث لمات المفرِّطون في صيامهم من عظيم حسرتهم ، وشديد ألمهم وبؤسهم .
- لقد ذهب الصائمون إلى وعد الله الذي وعدهم ، وبقي المفرطون في وعيد الله الذي توعَّدهم.
- يحكي الرسـول صلى الله عليه وسلم ما رآه في المنــام من عقوبة المفرِّطين في الصيــام فقال : « .... ثم انطُلق بي ، فإذا بقوم معلَّقين بعراقيبهم ، مشقَّقة أشداقهم ، تسيل أشداقهم دماً ، قال : قلت : من هؤلاء ؟ قال : الذين يفطرون قبل تحلَّة صومهم » ، يعني يفطرون قبل موعد الإفطار .
- فإذا كانت هذه عقوبة الذي يصوم ولكنه يفطر قبل موعد الإفطار ، فكيف بمن لا يصوم أصلاً ؟.
- أيها الإخوة : ليالي العشر لها فضيلة ومزية على باقي الشهر ؛ ولهذا يكثر فيها الناس ويزدحمون في المساجد، وربما حصل بينهم شر ؛ بسبب الزحام.
- والشيطان حريص على إفساد ذات البين ، فلنوطِّن أنفسنا على الإحسان والصبر ، وسعة الصدر .
- أيها الإخوة : ماذا على أحدنا حين لا يجد مكاناً مناسباً في الحرم فيعود أدراجه فيصلي في مسجد من المساجد ، ماذا عليه لو فعل هذا ؟
ـــ إن أجره كامل بنيته الصالحة ، وهو إن أصرَّ على المزاحمة ، ودافع الناس، وآذى غيره : فقد ينقص أجره ، وربما أثم .
- وأما ليلة العيد فيعمرها الصائمون بالتكبير والتهليل ، وحمد الله على إتمام العدَّة .
- فيكبِّرون من غروب شمس ليلة العيد حتى خطبة العيد .
- والمسلم الصائم حريص على إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد ، يخرج عن نفسه ، وعمن تلزمه نفقتهم .
- وهذه الزكاة فريضة على المكلَّفين من المسلمين حتى الفقراء ، يخرجون ما زاد عن قوت يوم العيد وليلته ولو كان قليلاً .
- فالكل يخرج هذه الزكاة ، وتتداول هذه الطعمة المباركة بين أيدي المسلمين، حتى تستقر عند أصحابها .
- وليحذر الذين يسيطر عليهم هوس التسوُّق في آخر الشهر فينسون إخراج زكاة الفطر ، فإنها فريضة يأثم المكلَّف بتأخيرها عن موعدها .
- والسنَّة في فجر يوم العيد أن يقطع الصيام بتمرات أو ماء ؛ فإن صيام يوم العيد حرام باتفاق المسلمين .
- ولقد كان كثير من السلف يصومون الدهر ، فإذا كان العيدان وأيام التشريق : أفطروا ، وقطعوا الصيام.
- والسنة حضور النساء إلى مصلى العيد ، على أن ينظر الرجل في هيئة زوجته وبناته كيف يخرجن ؟
- ولا بأس بشيء من التوسعة على الأهل والأولاد في هذا اليوم الطيب ، ضمن حدَّ المباح في غير إسراف ولا مخيلة .
- ولا بأس بشيء من الفرح واللعب في يوم العيد ، وأما زيارة المقابر يوم العيد فإنها ألم في يوم الفرحة .
* * *
- أيها المسلمون : شهر رمضان شهر عظيم ، وذهاب الشهر خسارة كبيرة لفوات عظيم الأجر ، فليست الشهور الأخرى مثل رمضان .
- والخير في رمضان يعمُّ الشهر كلَّه ، أوله وأوسطه وآخره ، إلا أن ليلة فيه يغفل عنها كثير من الناس .
- إنها آخر ليلة من ليالي رمضان ، يعتق الله فيها من النار بقدر ما أعتق طول الشهر ، ويغفر الله فيها للجميع .
- يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :«... إذا كان آخر ليلة غفر الله لهم جميعاً ، فقال رجل من القوم : أهي ليلة القدر ؟ فقال : لا ، ألم تر إلى العمال يعملون ، فإذا فرغوا من أعمالهم وفُّوا أجورهم ».