الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية العبادية @ 17- صدق الخشوع في الصلاة - أهميته وفضله


معلومات
تاريخ الإضافة: 9/8/1429
عدد القراء: 1206
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق


-  أيها المسلمون : ليس شيء بعد الشهادتين أعظمَ من الصلاة المكتوبة ، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام ، لا إسلام إلا بها .

-  وليس شيء أعظم للصلاة بعد النية والطهارة وأداء الأركان والشروط من: خشوع فيها لله تعالى ، مع كمال الخضوع ، وكمال الذل .

-  فقد امتدح الله الخاشعين في صلاتهم فقال : " قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ".

-  وامتدح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بخشوعهم له سبحانه وتعالى فقال : " إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ " .

-  ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في فضل الخشوع : « ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة ، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها ، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تُوت كبيرة ، وذلك الدَّهر كلَّه » .

-  وقال أيضاً : « من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم صلَّى ركعتين ، يُقبل عليها بقلبه ووجهه : غُفر له ما تقدم من ذنبه » .

-  وقال أيضاً : « إن العبد إذا قام يصلي أتي بذنوبه كلِّها فوضعت على رأسه وعاتقيه ، فكلَّما ركع أو سجد تساقطت عنه ».

-  أيها المُسْلِمُــون : لقد ألزمنــا الله تعالى الخشــوع في صلاتنا فقال تعالى : " وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ " .

-  وبيَّن تعالى أن الصلاة ثقيلةٌ إلا على أهل الخشوع فقال : " وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ " .

-  وقد حذَّر الرسول صلى الله عليه وسلم من التهـاون في أداء الصـلاة بغير خشـوع فقــال : « خمس صلوات افترضهن الله تعالى ، من أحسن وضوءهنَّ ، وصلاهنَّ لوقتهنَّ , وأتمَّ ركوعهنَّ وخشوعهنَّ : كان له على الله عهد أن يغفر له ، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد ، إن شاء غفر له ، وإن شاء عذَّبه » .

-  ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن الذي يلتفت في الصلاة : « لا يزال الله عز وجل مُقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت ، فإذا التفت انصرف عنه ».

-  ويقول عن العجلة في أداء الصلاة : « أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته ، قال : يا رسول الله كيف يسرق صلاته ؟ قال : لا يتم ركوعها ولا سجودها » .

-  ويقول عن ضياع أجر المصلي الذي لا يخشع في صلاته : « إن العبد ليصلي الصلاة ولم يُكتب له إلا نصفها ، أو ثُلُثُها ، أو ربعها ، حتى بلغ عُشْرها » ؛ يعني لا يكتب له من أجرها إلا القليل .

-  وهذا هو الاختلاس ، الذي يختلسه الشيطان من صلاة العبد ، حتى إنه يخرج من صلاته بلا أجر ، وربما خرج مأزوراً غير مأجور .

-  ولهذا يقــول ابن عباس رضي الله عنهما ، وهـو ينصح المصـــلي ويحذِّره: «ليس لك من صلاتك إلا ما عَقَلتَ منها » ؛ يعني إلا ما استحضرت قلبك فيها.

-  أيها الإخوة : إن العاقل ليعجب من أناس لا يكاد أحدهم يكبِّر للصلاة فيبدأ بحركات لانهاية لها ، والتفاتات لا تكاد تنقطع ، حتى إذا سلَّم : سكن من كلِّ ذلك .

-  وربما كبَّر أحدهم للصلاة ، فما بين تكبيره وتسليمه إلا لحظات معدودة ، ينقر صلاته نقر الدِّيك ، لا يسكن في شيء منها.

-  وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بوقوع مثل هذا في آخر الزمان حيث يقول : « أول شيء يُرفع من هذه الأمةِ الخشوع ، حتى لا ترى فيها خاشعاً » .

-  أيها المسلمون: إنما يحصل الخشوع لمن أحبَّ الصلاة ، فكانت قرَّة عينه ، وانشغل بها عن الدنيا ، وصلى صلاة مودِّع ، لا يدري هل يصلي بعدها أم لا ، ثم اجتهد في تفريغ قلبه لها ، وقدَّمها على غيرها ، واستعدَّ لها ، ثم بعدها صدق في استعاذته بالله من الشيطان الرجيم، ولاذ بجناب الله تعالى من وسوسته وكيده ؛ فإن من خشع قلبه في الصلاة لم يقرب منه الشيطان .

-  شكى عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجد من وسوسة الشيطان وتلبيسه عليه في صلاته ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : « ذلك شيطان يقال له : خِنزَب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه ، واتفل عن يسارك ثلاثاً » ، ففعل ما أمره الرسول صلى الله عليه وسلم به فأذهب الله عنه كيده .

-  اللهم ارزقنا الخشوع في الصلاة واصرف عنا كيد الشيطان ، واشغلنا بذكرك عمن سواك ، واجعل أنْسنا في عبادتك يا أرحم الراحمين .

* * *

-  أيها المسلمون : ليس كلُّ من أظهر الخشوع في صلاته فهو خاشعٌ على الحقيقة ؛ فقد يَظهرُ الخشوعُ على الجوارح أما القلب فقد يكون تائهاً في دروب الدنيا ومنزلقاتها.

-  وهذا هو خشوع النفاق الذي حذَّرنا منه حذيفة رضي الله عنه حين قال : «إياكم وخشوع النفاق ، فقيل له : وما خشوع النفاق ؟ قال : أن ترى الجسد خاشعًا والقلب ليس بخاشع ».

-  ورأى عمر رضي الله عنه رجلاً يطأطئ رقبته في الصـلاة ، فزجـره وقال : « إنما الخشوع في القلب » .

-  نعم أيها المسلمون : إنما الخشوع في القلب ، فمن خشع قلبه في الصلاة : خشعت جوارحه وسكنت لله تعالى .

-  ولكن كيف يخشع قلب مُصلٍ قد مُلئ بالنفاق والشَّك ، وحُشيَ بالحقد والحسد ، وتمكَّن منه الهوى والشهوات ؟

-  وكيف تخشع عين مصلٍ قد زاغت بالنظر إلى المحرمات ، والاستمتاع بمشاهدة الممنوعات والمفسدات ؟

-  وكيف تخشع أذنُ مُصلٍ لسماع القرآن وقد عشش فيها سماع الطرب والغناء الفاحش ، وساقط الكلام ؟

-  وكيف تخشع يدْ مُصلٍ امتدت في الحرام ، تأخذه أو تدفعه ، قد بطشت في غير مرضاة الله تعالى ؟.

-  ثم كيف تخشع رِجْلُ مصلٍ قد مشت في محارم الله تنتهكها ، وقد تخطَّت حدود الله إلى المحرمات تخوض فيها .

-  إن الخشوع في الصلاة جهد وجهاد ، وليس تكلُّفاً ؛ فإن الله لا ينظر إلى الأجساد وإنما ينظر إلى القلوب وما وقر فيها .