الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية العبادية @ 17- صدق الخشوع في الصلاة - أهميته وفضله
- أيها
المسلمون : ليس شيء بعد الشهادتين أعظمَ من الصلاة المكتوبة ، فهي الركن الثاني من
أركان الإسلام ، لا إسلام إلا بها .
- وليس شيء
أعظم للصلاة بعد النية والطهارة وأداء الأركان والشروط من: خشوع فيها لله تعالى ، مع
كمال الخضوع ، وكمال الذل .
- فقد
امتدح الله الخاشعين في صلاتهم فقال : " قَدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ".
- وامتدح
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بخشوعهم له سبحانه وتعالى فقال : " إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا
وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ "
.
- ويقول
الرسول صلى الله عليه وسلم في فضل الخشوع
: « ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة ، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها ، إلا كانت
كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تُوت كبيرة ، وذلك الدَّهر كلَّه » .
- وقال
أيضاً : « من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم صلَّى ركعتين ، يُقبل عليها بقلبه ووجهه :
غُفر له ما تقدم من ذنبه » .
- وقال
أيضاً : « إن العبد إذا قام يصلي أتي بذنوبه كلِّها فوضعت على رأسه وعاتقيه ، فكلَّما
ركع أو سجد تساقطت عنه ».
- أيها المُسْلِمُــون
: لقد ألزمنــا الله تعالى الخشــوع في صلاتنا فقال تعالى : " وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ
" .
- وبيَّن
تعالى أن الصلاة ثقيلةٌ إلا على أهل الخشوع فقال : " وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ " .
- وقد
حذَّر الرسول صلى الله عليه وسلم من التهـاون
في أداء الصـلاة بغير خشـوع فقــال : « خمس صلوات افترضهن الله تعالى ، من أحسن
وضوءهنَّ ، وصلاهنَّ لوقتهنَّ , وأتمَّ ركوعهنَّ وخشوعهنَّ : كان له على الله عهد
أن يغفر له ، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد ، إن شاء غفر له ، وإن شاء عذَّبه »
.
- ويقول
الرسول صلى الله عليه وسلم عن الذي يلتفت
في الصلاة : « لا يزال الله عز وجل مُقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت ،
فإذا التفت انصرف عنه ».
- ويقول عن
العجلة في أداء الصلاة : « أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته ، قال : يا رسول
الله كيف يسرق صلاته ؟ قال : لا يتم ركوعها ولا سجودها » .
- ويقول عن
ضياع أجر المصلي الذي لا يخشع في صلاته : « إن العبد ليصلي الصلاة ولم يُكتب له
إلا نصفها ، أو ثُلُثُها ، أو ربعها ، حتى بلغ عُشْرها » ؛ يعني لا يكتب له من
أجرها إلا القليل .
- وهذا هو
الاختلاس ، الذي يختلسه الشيطان من صلاة العبد ، حتى إنه يخرج من صلاته بلا أجر ،
وربما خرج مأزوراً غير مأجور .
- ولهذا يقــول
ابن عباس رضي الله عنهما ، وهـو ينصح المصـــلي ويحذِّره: «ليس لك من صلاتك إلا ما
عَقَلتَ منها » ؛ يعني إلا ما استحضرت قلبك فيها.
- أيها
الإخوة : إن العاقل ليعجب من أناس لا يكاد أحدهم يكبِّر للصلاة فيبدأ بحركات
لانهاية لها ، والتفاتات لا تكاد تنقطع ، حتى إذا سلَّم : سكن من كلِّ ذلك .
- وربما
كبَّر أحدهم للصلاة ، فما بين تكبيره وتسليمه إلا لحظات معدودة ، ينقر صلاته نقر
الدِّيك ، لا يسكن في شيء منها.
- وقد أخبر
الرسول صلى الله عليه وسلم بوقوع مثل هذا
في آخر الزمان حيث يقول : « أول شيء يُرفع من هذه الأمةِ الخشوع ، حتى لا ترى فيها
خاشعاً » .
- أيها
المسلمون: إنما يحصل الخشوع لمن أحبَّ الصلاة ، فكانت قرَّة عينه ، وانشغل بها عن
الدنيا ، وصلى صلاة مودِّع ، لا يدري هل يصلي بعدها أم لا ، ثم اجتهد في تفريغ
قلبه لها ، وقدَّمها على غيرها ، واستعدَّ لها ، ثم بعدها صدق في استعاذته بالله من
الشيطان الرجيم، ولاذ بجناب الله تعالى من وسوسته وكيده ؛ فإن من خشع قلبه في
الصلاة لم يقرب منه الشيطان .
- شكى
عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجد من
وسوسة الشيطان وتلبيسه عليه في صلاته ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : « ذلك شيطان
يقال له : خِنزَب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه ، واتفل عن يسارك ثلاثاً » ، ففعل
ما أمره الرسول صلى الله عليه وسلم به فأذهب الله عنه كيده .
- اللهم
ارزقنا الخشوع في الصلاة واصرف عنا كيد الشيطان ، واشغلنا بذكرك عمن سواك ، واجعل
أنْسنا في عبادتك يا أرحم الراحمين .
* * *
- أيها المسلمون : ليس كلُّ من أظهر الخشوع في
صلاته فهو خاشعٌ على الحقيقة ؛ فقد يَظهرُ الخشوعُ على الجوارح أما القلب فقد يكون
تائهاً في دروب الدنيا ومنزلقاتها.
- وهذا هو خشوع النفاق الذي حذَّرنا منه حذيفة رضي
الله عنه حين قال : «إياكم وخشوع النفاق ، فقيل له : وما خشوع النفاق ؟ قال : أن
ترى الجسد خاشعًا والقلب ليس بخاشع ».
- ورأى عمر رضي الله عنه رجلاً يطأطئ رقبته في الصـلاة ، فزجـره وقال : «
إنما الخشوع في القلب » .
- نعم أيها المسلمون : إنما الخشوع في القلب ،
فمن خشع قلبه في الصلاة : خشعت جوارحه وسكنت لله تعالى .
- ولكن كيف يخشع قلب مُصلٍ قد مُلئ بالنفاق والشَّك
، وحُشيَ بالحقد والحسد ، وتمكَّن منه الهوى والشهوات ؟
- وكيف تخشع عين مصلٍ قد زاغت بالنظر إلى المحرمات ، والاستمتاع بمشاهدة
الممنوعات والمفسدات ؟
- وكيف تخشع أذنُ مُصلٍ لسماع القرآن وقد عشش فيها سماع الطرب والغناء
الفاحش ، وساقط الكلام ؟
- وكيف تخشع يدْ مُصلٍ امتدت في الحرام ، تأخذه
أو تدفعه ، قد بطشت في غير مرضاة الله تعالى ؟.
- ثم كيف تخشع رِجْلُ مصلٍ قد مشت في محارم الله
تنتهكها ، وقد تخطَّت حدود الله إلى المحرمات تخوض فيها .
- إن الخشوع في الصلاة جهد وجهاد ، وليس تكلُّفاً
؛ فإن الله لا ينظر إلى الأجساد وإنما ينظر إلى القلوب وما وقر فيها .