الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الإيمانية @ 34- السحر والشعوذة
- أيها
المسلمون : موبقة من الموبقات ، وجريمة من الجرائم ، وكبيرة من الكبائر ، حرمها
الله تعالى ، وحرمها رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأوجب عليها العقوبة الشديدة.
- خطرها
عظيم ، وشرها مستطير ، إنها موبقة السحر ، وما يلحق به من الشعوذة والكهانة
والعَرافة والطلاسم ونحوها .
- السحر
عالم عجيب خفي دقيق مستتر ، وضعته الشياطين من أول الدهر؛ لإضلال بني آدم وغوايتهم
.
- ومازالت
الشياطين في كل عصر تُلهم أْولياءها من الفاسقين أموراً جديدة من السحر تتناسب وكل
عصر .
- والسحر
علم من العلوم المكتسبة ، لا يصل إليه الإنسان إلا بالتعلُّم والتلقي ، إلا أنه علم محرَّم مذموم بإجماع المسلمين .
- ولقد
اخترق السحر أقوام الأرض جميعاً ، من : البابليين والفرس والفراعنة والهنادكة
والإغريق والرومان واليهود والنصارى .
- ولقد كان
السحر معروفاً عند عرب الجاهلية ، حتى إذا أشرق الإسلام بأنواره منع منه وحرَّمه ،
وأمر بقتل السحرة والكهان .
- قال الله
تعالى : " وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
" .
- وقال
الرسول صلى الله عليه وسلم : « حد
الساحر : ضربة بالسيف » .
- وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم : «
ليس منا من تطيَّر أو تُطيِّرَ له ، أو تَكهَّن أو تُكهِّن له ، أو سَحر أو سُحِرَ
له » .
- وقال
أيضاً : « اجتنبوا السبع الموبقات : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم
الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ،
والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات » .
- أيها
الإخوة : إن الوصول إلى هذا العلم المذموم ، والتمكُّن منه لا يتم إلا بالردة عن
الإسلام ؛ فإن الساحر لا يتمكن من سحره إلا بالكفر .
- كما قال
الله تعالى : " وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ...".
- ولقد
اعترف التائبون من السحر أنه لا يصبح أحدهم ساحراً حتى يدنِّس المقدسات ، ويأتي
المحرمات ، ويعبد وليَّه من الشياطين .
- وعلى
الرغم من ظلْمة تاريخ السحر والسحرة ، وما كانوا يلاقونه من التنكيل والقتل على
أيدي كثير من السلاطين عبر التاريخ الإنساني ، وعلى الرغم من الانفتاح العلمي
الحديث ، والتقدم الحضاري : ينتشر السحرة في العالم بأعداد تبلغ مئات الألوف ،
ويتداولون مع المترددين عليهم مليارات الدولارات ، فقد قُدِّر عدد السحرة في فرنسا
وألمانيا وحدهما بما يزيد عن مائة ألف.
- ومازالت
بعض وسائل الإعلام تكشف لنا عن علاقات مشبوهة بين ساحر: ورئيس دولة ، أو ملك ، أو
أمير ، أو وزير .
- أيها
المسلمون : تكاد تنحصر دوافع التعامل بالسحر في ثلاثة أمور : الأول: الرغبة في كشف
عالم الغيب ، ومعرفة شيء عن المستقبل ، والثاني: التسلُّط على الناس، والانتقام
منهم ، وإيذاؤهم ، والثالث: الحصول على المال بطريق ميسَّر ، فالسحر بأّنواعه لا
يخرج عن هذه المقاصد الثلاثة في الغالب.
- وللسحر
حقيقة ثابتة لا تنكر، فمنه ما يُمرض وربما يقتل، ومنه ما يحبِّب ويبغِّض ، ومنه ما
يربط الرجال عن أهله ، فلا يصل إلى زوجته ، ومنه ما هو إخبار عن بعض الغيبيَّات
ومنه ما هو سرقة للأموال ، ومنه ما هو لعب
وتسلية وخيال يذهب بالأبصار .
- ومع كل
هذا التأثير الواقعي فقد سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الكُهَّان فقال : «ليسوا بشيء ، فقالوا :
يا رسول الله إنهم يحدثوننا أحياناً بالشيء فيكون حقاً ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تلك
الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه ، فيخلطون معها مائة كذبة » .
- أيها
المسلمون : وبناء على ذلك فإنه لا يجوز بحال من الأحوال أن يتعاطى المسلم السحر أو
الكهانة تحت أي مسوِّغ من حاجة أو علاج أو معرفة .
- فإن
الرسول صلى الله عليه وسلم يقول :
« من أتى كاهناً فصدَّقة بما قال : فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ».
- وقال
أيضاً صلى الله عليه وسلم : « من
أتى عرَّافاً فسأله عن شيء : لم تُقبل له صلاةٌ أربعين ليلة » .
- وقال
أيضاً صلى الله عليه وسلم : «
ثلاثة لا يدخلون الجنة : مدمن خمر ، وقاطع رحم ، ومصدِّق بالسحر » .
- وإن
المسلم العاقل ليتعجَّب من إقبال كثير من السفهاء على الكهنة والعرَّافين ،
وتهافتهم على أخبارهم الكاذبة ، وإقبالهم على دجلهم الصريح .
- وإن من
البدع المضلَّة في هذا العصر وجود قنوات كاملة تتعاطى السحر والشعوذة ، وتخبر
الناس – حسب زعمهم- بأمور الغيب .
- فما إن
يظهر أحد هؤلاء العرَّافين على الشاشة حتى تنهال عليه المكالمات والاستشارات من كل
مكان ، ويبدأ هو بالخرص والدَّجل.
- فلا يشعر
المتصل أنه باتصاله هذا قد عرَّض إيمانه للفساد ، ووضع نفسه على حافة الكفر بما
أنزل على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم .
- وأما
شركات الاتصال التي لا همَّ لها إلا جمع الأموال من حلال وحرام، فإنه لا يجوز لها
بحال من الأحوال أن تمكِّن هؤلاء السذَّج من الاتصال بهذه القنوات الفاسدة.
- أيها
الإخوة : لم يكف وسائل الإعلام في هذا العصر نشر الخلاعة والمجون على أوسع
المستويات ، حتى أخذت الآن تشارك في نسف أصول الإيمان والتوحيد .
- ولقد
أفتى الأزهر الشريف بالإجماع على حرمة الاتصال بهذه القنوات المشبوهة ، فضلاً عن
التصديق بما يقولون .
- فاتقوا
الله أيها الناس في أنفسكم، واحذروا لصوص الإيمان ، فيكفينا لصوص الأخلاق
والأوقات، الذين أفسدوا علينا حياتنا ، فما بقي علينا إلا من يسلب إيماننا !!.
* * *
- أيها
الإخوة قد يلتبس على بعض الناس التفريق بين الراقي على السنة والحق ، وبين الساحر
على البدعة والباطل .
- فإن
الراقي على السنة لا يتجاوز القرآن وصحيح السنة النبوية ، ولا يخبر بالغيب ،
حَتَّى وإن أخذ عَلَى رقيته شيئاً مِنْ المال .
- وأما الساحر أو الكاهن أو العرَّاف ، فإنه
يتجرَّأ على الغيب ، ويتكلَّم في المستقبل ، ويخبر عن المجهولات ، والأشياء
المفقودة.
- وربما
طلب اسم الأم ، وأعطى الحجب والتمائم ، وفيها الطلاسم غير المفهومة ، والرسوم
والأشكال والصور .
- ومن أجاز
من العلماء الحجب ؛ فقد اشترطوا أن تَكون من القرآن والأدعية المأثورة الصحيحة دون
غيرها .
- وربما
طلب الساحر ذبح حيوان معين بطريقة معينة ، وفي وقت محدد ، وربما أمر المريض أن لا
يذكر اسم الله عليه .
- وربما
أخذ أثراً من آثار المريض كشعر أو ثياب ونحوها ، وربما أمره أن يتجنَّب الماء
لأيام طويلة فلا يصلي ، ولا يغتسل .
- وهكذا
ينتقل المريض المسكين من مرض إلى مرض ، ومن مصيبة إلى ما هو أكبر منها .
- أيها
المسلمون : لقد أغنانا الله تعالى بالقرآن شفاء القلوب والأبدان ، فالمعوذتان : «
لم يتعوذ المتعوذ بمثلها » ، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحرص
عليهما غاية الحرص.
- والفاتحة
، وآية الكرسي ، وخواتيم سورة البقرة ، وما قرئت سورة البقرة بكاملها على مريض إلا
تحسَّن حاله ، ولا قرئت في بيت إلا وحفظ من الشيطان ثلاثة أيام.
- ولا
يشترط للرقية شخص معين ، بل الشخص يرقي نفسه بنفسه ، أو أبوه أو أخوه أو زوجه أو
ولده .
- أيها
الإخوة : ما يُصاب به الإنسان المسلم في بدنه أو نفسه أو لده ؛ فإنما هو ابتلاء من
الله ليرى أيصبر أم يكفر ، أيرضى ، أم
يسخط.
- إن
العزاء الأكبر في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ابتلي بالسحر حتى شفاه الله ، وابتليت
عائشة رضي الله عنها وشفاها الله .
- فلنستعن
بالله ، ولنتوكل عليه ، ولنثق به ؛ فإنه من يتق الله يجعل له مخرجاً.