الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الإيمانية @ 24- قصة الإنسان على الأرض من البداية إلى النهاية
- كان الله تعالى ولم يكن قبله
شيء ، ثم خلق القلم فقال : اكتب ، فكتب القلم بأمر الله ما يكون إلى يوم القيامة.
- ومما كتب الله وقدَّره :
أن يخلق بشراً من طين ، فكان آدم وزوجه ، فاسكنهما جنَّته ، وامتحنهما بالشجرة
فحرَّمها عليهما ، دون سائر نعم الجنة .
- ولما ابتُلي آدم وزوجه
فأكلا من الشجرة : أمر الله فأُهبطا إلى الأرض، لتكون لهما ، ولمن يأتي من نسلهما
مستقراً ، ومتاعاً إلى حين .
- فتكاثر الخلق على هذه
الأرض من ذرية آدم ، وأصبحوا شعوباً وقبائل ، فمازال الله تعالى يكلؤهم بوحيه المبارك
، ويرسل إليهم رسلاً مبشرين ومنذرين .
- فكان الصراع بين الحق
والباطل ، فمر على الحياة الإنسانية أجيال من البشر، منهم المؤمن ومنهم الكافر ،
وجمع هائل من الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
- حتى إذا أذن الله بفناء
الدنيا ، وانقطاع الوحي : بعث محمداً صلى الله عليه وسلم خاتماً للأنبياء والمرسلين ، وعلامة شاهدة على
قرب الساعة .
- فعمَّ الخير ببعثته ،
وازدهرت الدنيا ، وكثر أتباعه ، ودخل الناس في الإسلام أفواجاً ، وانتشر سلطان
المسلمين وبلغ الآفاق كلَّها .
- حتى إذا كمل البناء
وتمَّ ونضج : بدأ النقص ، ودبَّ في الأمة المسلمة داء الأمم قبلها من : البغضاء
والشحناء والحسد ، وحُبِّ الدنيا وكراهية الموت.
- وبدأت الفُرقة في
المسلمين ، فأصبحوا شيعاً وأحزاباً , ودولاً متباغضة متناحرة ، فتسلَّط عليهم أعداؤهم
، وتداعوا عليهم من كل صوب .
- فذاقت الأمة ويلات الظلم
والطغيان من أعدائها ومن فسقة أبنائها ، حتى إذا أراد الله التخفيف عن الأمة :
ألهمها رشدها بالعودة إلى دينها ، فكان الدعاة والمصلحون ، يرشدون الأمة ،
ويعظونها .
- فما تزال أمة الإسلام -
في آخر الزمان - في تقدُّم وتقهقر ، ومدٍّ وجزر ، يبتليها الله بالفتن السود التي
تجعل الحليم حيران ، حتى يتمنى الرجل الموت من شدة الفتن : ظلم ، وجوع ، وفساد ،
وطغيان ، ومع ذلك تكثر الزلازل ، ويقلُّ المطر، وينقص الماء ، ويذهب الخير .
- حتى إذا بلغت الفتنة
منتهاها : تتوَّجت بخروج الأعور الدَّجال ، فلا تكونُ فتنةٌ أعظم منه ولا أشد على
الناس ، لاسيما على المؤمنين ، الذين يعرفون حقيقته.
- حتى إذا أهلك الدَّجالُُ
الناسَ بأذاه وطغيانه : نصر الله المؤمنين الصابرين بعيسى ابن مريم والمهدي عليهما
السلام ، فَيَهْلِكُ الدجال .
- فإذا ارتاح المؤمنون من
أذى الدجال : خرج يأجوج ومأجوج ، خلقٌ بغيض خبيث عنيف ، لايقدر عليهم إلا الله ،
فيعيثون في الأرض فساداً .
- فيهرب المؤمنون في
الجبال والكهوف ، ويفقدون الطعام ، حتى يكون طعامُهُم التسبيح والذكر .
- ثم يُهلِك الله بقدرته
يأجوج ومأجوج ، ويُطهِّر الأرض من فتنتهم وفسادهم، ثم يعود الخير والصلاح والبركة
على المؤمنين زمناً يسيراً .
- ثم يدِبُّ الشر في حياة
الناس ، ويعمُّ الضلال من جديد ، ويظهر الشرك والفساد ، وعندها يأذن الله بريح
طيبة تقبض أرواح المؤمنين .
- حتى إذا لم يبق في الأرض
مؤمن يقول : « الله الله » : أذن الله لصاحب القرن أن ينفخ ليصعق من في السموات
والأرض ، إلا من شاء الله.
- ثم يترك الله الخلق في
موات ما شاء أن يتركهم ، ثم يأمر الملك فينفخ فيه أخرى ، فإذا هم قيام ينظرون .
- فإذا بهم على أرض منبسطة
لا جبل فيها ولاعلم ، يُساقون إلى محشرهم ، الإنس والجن والوحوش والطيور ، كما
خلقهم الله أوَّل مرة .
- حتى إذا ازدحم الخلق ،
وحُشر الناس، والتفَّت الساق بالساق : دنت الشمس من رؤوس الناس ، على قدر ميل ،
فيأخذهم العرق، حتى يغوص في الأرض أربعين ذراعاً.
- فيقوم الناس لرب العالمين
في ذلك المقام العظيم العسير أربعين عاماً ، قد أضناهم الجوع والعطش ، إلا أولياء
الله المتقين ، فهم في ظل عرش الرحمن، عَلَى منابر مِنْ نور.
- حَتَّى إذا بلغ الكرب
منتهاه : استشفع أهل الموقف بالأنبياء فيعتذرون، حَتَّى إذا استشفعوا بمحمد صلى الله عليه وسلم قال : « أنا
لها »، فيسجد تحت العرش ، ويحمد الله بمحامد لم يكن يعرفها من قبل .
- ثم يقبل الله شفاعته في
الخلق ، ويُعلي من مقامه بين الناس ، فيأذن بفصل القضاء : فتُنصبُ الموازين ،
وتتطاير الصحف، ويُضْرب الصراط على متن جهنم .
- فيقضي الله بين الوحش
والدواب بعظيم عدله : " لا
ظُلْمَ الْيَوْمَ " ، حتى
إذا فرغ منها قال لها : « كوني تراباً » ، فتكون تراباً .
- ثم يكون القضاء بين
الناس ، حتى يُنادي : هذا فلان ابن فلان ، من كانت له مظلمة عنده فليأت ، فيأتي
المظلوم ليأخذ من حسناته ، وربما طرح عليه من سيئاته .
- فيتعلَّقُ الناسُ بعضهم
ببعض ، ويكثر الجدال والخصام ، ويتبرأ المتبوع من التابع ، كلٌ يقول : نفسي نفسي .
- حتى إذا أُخذ الكفار إلى
الجحيم : نُصب الصراط على متن جهنم ، قد أوتي بها لها سبعون ألف زمام ، مع كلِّ
زمام سبعون ألف ملك يجرُّونها .
- فالناس على الصراط على
حسب أعمالهم : ناجٍ آمن ، ومخدوش ناجٍ، ومكردس في نار جهنم.
- ثم يُطهِّر الله المؤمنين
مما في صدورهم من غلٍ ، حتى يأذن لهم في جواره الكَرِيم ، في جنات النعيم ، ثـُمَّ
يدخلونها ، يعرف أحدهم بيته من الجنة كما يعرفه في الدنيا .
- فما يزال المؤمنون في إلحاحٍ
عَلَى ربهم حتى يخرج من النار إخوانهم من أهل الإيمان فيخرجون ، حتى يكون آخرهم من
جهينة ، له مثل الدنيا وعشر أمثالها .
- حتى إذا اكتمل أهل الجنة
في الجنة ، وأهل النار في النار ، أُتي بالموت على صورة كبش ، فذبح بين الجنة
والنار والكل ينظر ، وقيل : يا أهل النار خلود فلا موت، ويا أهل الجنة خلود فلا
موت، وعندها يزداد أهل الجنة فرحاً وسروراً ، ويزداد أهل النار حزناً وبؤساً.
- أيها المسلمون : هذه قصة
الإنسان من بدايتها إلى نهايتها : " فَرِيقٌ فِي
الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ".
* * *
- أيها المسلمون : إن
الإنسان حين يموت ينتقل إلى مرحلة جديدة من هذا الوجود، قد أخبرنا الله تعالى عنها
، وبيَّن لنا سبل النجاة منها .
- إنه ينتقل إلى عالم جديد ، قد انقسم إلى قسمين ، قسم سعيد ملؤه البهجة
والسرور ، وقسم تعيس ملؤه الحزن والهموم.
- إن ما مضى من الدنيا
أكثر بكثير مما بقي ، وما أمامنا من الأهوال شيء عظيم وفظيع ، ولكن الله حسبنا وهو
وليُّنا .
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كيف أنعم وصاحب القرن
قد التقم القرن ، وحنى جبهته يستمع متى يُؤمر فينفخ ، فقال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كيف نقول ؟
قال: قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا » .