الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ تراجم وشخصيات @ 11ـ عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد


معلومات
تاريخ الإضافة: 6/10/1427
عدد القراء: 1466
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

·    لقد وعد الله تعالى هذه الأمة أن يبعث لها على رأس كلِّ قرن من الزمان من يجدِّد لها أمر دينها، من الصالحين المصلحين.

·    فقد وقع لبني أميَّة في عصر نفوذهم مظالم عديدة ، وإساءات كثيرة للناس ، مع ما كان فيهم من الخير، والقرب من عصر النبوة والراشدين.

·    حتى كان زمن خلافة سليمان بن عبد الملك فألمهمه الله أن يُوصي بالخلافة من بعده لعمر بن عبد العزيز ، على رأس المائة الهجرية الثانية.

·    فلم يرضَ عمر بهذه الوصية ، حتى بايعه الناس بطيب نفوسهم, فكانت الخلافة بداية تحــول كاملـــة في حياة عمر بن عبد العزيز رحمه الله .

·    لقد نشأ عمر نشأة صالحة : حفظ القرآن ، وخالط العلماء والفقهاء، وروى الحديث ، وأخرج له أصحاب الكتب الستة, ولا يُعرف عنه انحراف سلوكي, إلا أنَّه كان متوسِّعاً في أمر الدنيا ، في اللباس والطيب والمراكب.

·    فلما تولَّى الخلافة شعر بعظم المسؤولية ، وضرورة القدوة ، وإصلاح أمر الأمة, فإذا به يصبح- في زمن يسير - أزهد أهل زمانه على الإطلاق.

·    قال يونس بن أبي شبيب: » لقد رأيت عمر بعدما استخلف ، ولو شئت أن أعدَّ أضلاعه من غير أن أمسها لفعلت «.

·    دخل مسلمة بن عبد الملك على أخته فاطمة زوجة عمر وهو مريض في فراش المـوت ، وقد رأى علـيه قميـصاً وسـخاً ومشـقَّقاً ، فقال : » يا فاطمة اغسلي قميص أمير المؤمنين ، فقالت : نفعل إن شاء الله «, فدخل عليه بعد زمن ، فإذا بالقميص على حاله ، فتغيظ وأغلظ لها في القول, فقالت: » والله ما له قميص غيره «.

·    وكان لعمر مملوك ، وكان كلَّما دخل على مولاته تطعمه عدساً, فقال: »في كل يوم عدس, فقالت:  يا بني هذا طعام مولاك أمير المؤمنين «.

·          وقد رُؤي مراراً زمن خلافته وعليه ثياب مرقوعة ، لا يستحي أن يظهر بها أمام الناس ، وهو في مقام الخلافة.

·    تأخَّر مرة عن صلاة الجمعة ، فسُئل عن السبب ، فقال : » إن الغلام ذهب بالثياب يغسلها فحُبس بها «, فعرف الناس أنه ليس له غيرها.

·    يقول عمر عن نفسه : »إن لي نفساً توَّاقة لم تُعط من الدنيا شيئاً إلا تاقت إلى ما هو أفضل ، حتى أُعطيت الخلافة فلا شيء أفضل منها إلا الجنة, فتاقت نفسي إلى الجنة «.

·    أيها المسلمون : لم يكن زهد عمر بن عبد العزيز في الدنيا تصنُّعاً ، إنما كان من خشية وخوف ملك نفسه, صرفه عن الدنيا إلى الآخرة, حتى قالت زوجته فاطمة بنت عبد الملك: » ما أعلم أنه اغتسل لا من جنابة ، ولا من احتلام منذ استخلفه الله حتى قبضه «.

·    وقد خيَّر زوجته وإمـــاءه بين البقاء معه على حاله دون مســيس ، أو الفراق والحرية ، فرضين به على حاله ، رغم أنه كان في الثلاثين من عمره.

·    كان إذا فرغ من أمر الناس جلس في محرابه في بيته يبكي ويدعو حتى تغلبه عيناه ، فينام ويقوم ، ثم يبكي ويدعو حتى الفجر ، لا إرب له في النساء.

·    بكى يوماً بكاءً عظيماً حتى أبكى من حوله ، فسألته زوجته عن سبب بكائه فقال:  » تذكرت منصرف الناس يوم القيامة فريق في الجنة وفريق في السعير «.

·          وقد ذكر بعض من عرفه أن سبب موته : شدَّة خوفه من الله تعالى ، فقد مات قبل أن يصل الأربعين من عمره.

·    أيها المسلمون : لم يكن تديُّن عمر تديُّناً سَلبياً ، بل كان لهذا التديُّن واقع يعيشه ويؤثِّر فيه, فقد انعكس هذا التديُّن تقوى وعدلاً في سلوكه وتعامله.

·    فقد كان يسوِّي في العطاء جميع الناس الأشراف والموالي, ولا يُقدِّم أحداً من أقاربه, بل ردَّ المظالم إلى أهلها, حتى ردَّ حُليَّ زوجته فاطمة إلى بيت المال.

·    ولما ولَّى أحد عماله على الموصل ، وكانت بها مفاسد خلقية ، كتب إليه عاملُهُ يستأذنه : هل يأخذ الناس ويعاقبهم بالتهمة أم بالبيِّنة ؟ فأمره ألا يأخذ أحداً إلا  بالبينة.

·    وكان يقول لعمَّاله: » ادرءوا الحدود ما استطعتم في كلِّ شبهة, فإن الوالي إن أخطأ في العفو خير من أن يتعدى في الظلم والعقوبة «.

·          من مواقف عدله أن جيشاً له بالشام مرَّ على مزرعة لرجل ، فأفسد الزرع, فعوَّضه عمر عشرة آلاف درهم.

·    وكان لا يرضى أن يستغل منصبه في أيِّ شيء من شؤونه الخاصة, حتى ردَّ عسلاً اشتراه فجاء عن طريق البريد الحكومي , ورفض الاغتسال من ماء مُسخَّن بفحم الإمارة.

·    وكان من تقواه أن دخل عليه رجل فنال منه ما يكره فتركه عمر, فقيل : » ما يمنعك عنه ؟ قال  : إن المتقي مُلْجم «، أي ملجم بلجام الشرع ، لا يتصرف على هواه.

·    ومن عجائب تقواه: أن خادماً كان يعمل له على بغل ، يأتيه كلَّ يوم بدرهم ونصف, فجاءه يوماً بدرهمين ، فقال : »ما بدا لك ؟ فقال: نفقت السوق (يعني تحسَّن وضع السوق), فقال عمر: لا ولكنَّك أتعبت البغل, أرحه ثلاثة أيام «، وهكذا عمر انتهى من العدل في الرعية ليعدل في شأن الدواب.

·    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ) تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (.

^   ^   ^

·    أيها المسلون : كان عمر لا يقرِّب ولا يُعيِّن إلا الصالحين, وقد فتح الباب للجميع بأن يعظوه وينبِّهوه إذا أخطأ ، حتى قال لرئيس الحرس: »إذا رأيتني قد ملت عن الحق فضع يدك في تلبابي (يعني ثيابي) ثم هزني ، ثم قل لي: يا عمر ماذا تصنع«.

·    وكان مع ذلك عظيم التواضع ، لا يرى نفسه شيئاً, فقد عرض عليه بعض الناس أ ن يُقبر في الموضع الرابع في حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه , فقال لهم: » لأن يعذِّبني الله بكل عذاب إلا النار أحبُّ إليَّ من أن يعلم الله أني أرى أني لذلك أهل«.

·    ومن عجائب خُلُقه أنَّه دخل المسجد في الليل وكان الظلام شديداً ، فداس قدم رجل نائم ، فقام النائم مُنزعجاً مغضباً ، فقال : » أنت حمار ؟ فقال عمر : لا ، فقال الذي مع عمر :  كيف تتركه يقول لك هذا ؟ فقال : لقد سألني : أنت حمار ؟ فقلت : لا « .

·    لما حضرته الوفاة :  أخرج من كان عنده من أهله , فقد رأى خلقاً ليسوا بإنس ولا جن , ثم أخذ يقرأ: ) تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ  (، يردِّدها وقد توجَّه إلى القبلة وأغمض عينيه حتى قُبض.

·    لقد كانت الخلافة زينة للناس , يتزيَّنون بها ،  ولكن في شأن عمر يختلف الأمر ، فقد كان هو زينة للخلافة ، تزيَّنت به .

·          لقد ضرب المثل: للغني في زهده , وللحاكم في عدله , وللعالم في ورعه , وللشريف في تواضعه.

·          هذا عمــر بن عبد العزيـز ثمـرة من ثمرات هذا الدين الذي أكرمكم الله به.