الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الأخلاقية @ 4ـ التقدم التقني الغربي وازمة الجوال
· لقد بثَّ الله في هذا الكون من أنواع العلوم والمعارف، وأسباب النهضة والتطور ما هو كثير وعظيم.
· ولقد زوَّد الله تعالى الإنسان بالقدرات المختلفة للتعامل مع هذا الكون ، وما فيه من العلوم والكنوز لعمارة الأرض وازدهارها.
· وما أنْ نزل الإنسان الأول على الأرض حتى بدأ يتفاعل مع ما فيها من العلوم ، ويُسخِّرها لخدمته ورفاهيته ، وتحقيق العبودية لله.
· ومازالت البشرية منذ آدم عليه السلام وحتى الآن في تقدم وتطور بصورة مستمرة ، شمل جميع مجالات الحياة الحيوية المختلفة.
· وقد كانت لأهل الإيمان عبر تاريخ الحياة الإنسانية أدوارُهُم المشهودة في تطوير الحياة ، وعمارة الأرض على النهج الحق.
· ولقد كان لأنبياء الله عليهم السلام ولأتباعهم أدوارُهُم المباركة في نهوض الحضارات ، وازدهار الحياة الإنسانية.
· ولم يكن التقدم الحضاري ليصفو لأهل الحق وحدهم حتى شاركهم الفرس والفراعنة واليونان والرومان والهنود وغيرهم.
· وقد كانت لهؤلاء جميعاً أدوارُهُم أيضاً في عمارة الأرض وإثارتها، إلا أنهم كانوا على غير هدىً من الله تعالى، فلم تغنِ عنهم عمارتهم شيئاً حتى هلكوا.
· ثم أخرج الله تعالى هذه الأمة الإسلامية بقيادة سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم لترث الأمم السابقة ، وعلومها ومعارفها وحضاراتها.
· فأعادت الأمة الإسلامية للعلوم والمعارف والحضارة صبغتها الربانية, وطهَّرتها من شوائب الشرك والوثنية والانحراف.
· وسارت الأمة المسلمة بالعلوم والمعارف : تطورها وتنميها وتستعين بها على عبادة ربها, فكان العلم عبادة, والمكتشفات شواهد لقدرة الله.
· حتى إذا دبَّ في الأمة داء الأمم من قبلها ، حين نست شيئاً مما ذكِّرت به من دينها, ووقع فيها الوهن والضعف, وورث دنياها غيرها.
· فإذا بالصليبي الأوروبي الذي عاش قرون الظلام يظهر من جديد؛ ليرث نتاج الأمة المسلمة الحضاري والعلمي ، وينحرف به بعيداً عن رحاب الله تعالى.
· إنها الجاهلية المقيتة ، بكل ضلالاتها تظهر من جديد ، ولكن في ثوب حضاري مزخرف وملوَّن.
· فإذا بالعلوم والمعارف العلمية تتعثر من جديد, وتُساق لخدمة الشيطان والهوى ؛ لتصبح المكتشفات العلمية : وسائل للصد عن سبيل الله، وتصبح العلوم أداة لهلاك الإنسان وعذابه.
· وبدأ الفتح العلمي على الغرب بظهور العلم التجريبي, وتطبيقاته التقنية والصناعية, فازدهرت الصناعات، وكثرت المنتجات.
· وشهدت البشرية المعاصرة من مظاهر التقدم في جميع مرافق ومجالات الحياة ما لم تشهد مثله عبر جميع مراحل الحياة الإنسانية السابقة.
· إلا أنه لم ترافق هذا التقدم العلمي منظومة من العقائد والقيم والمبادئ التي تضبط مساره ، وتحدد أهدافه ، وتربطه بالله تعالى.
· فكان التقدم العلمي في الغرب لا يزيد أهله إلا طغياناً وكفراً وبعداً عن الله تعالى, فعلى الرغم مما حملته علوم الغرب من فوائد للإنسان المعاصر ، في اتصالاته ومواصلاته وعلاجه وسكنه وملبسه, فقد حملت معها للإنسان أثقالاً ضخمة من المهالك والأمراض والتدمير والفساد الخُلُقي والاجتماعي.
· فلم تخلُ سمة الجاهلية عن أيِّ مُنتج أنتجه الغرب, حتى صبغ الحياة بطابعه الجاهلي, فهذه منتجاته صارخةً بذلك.
· ولئن كان تفوق الغرب التقني قد طال كلَّ ميدان من ميادين الحياة: فإنه قد برز أشدَّ ما يكون في مجال الاتصالات, التي بدأ تفوُّقها بالاستغناء عن السلك لتعم خدمتها في نقل المعلومات والصورة والصوت والحركة كلَّ أرجاء الدنيا, وفي حفظ المعلومات وتبويبها, واسترجاعها, ونقلها وإرسالها, كلُّ ذلك يتم في لحظات معدودة, عبر أقمار صناعية مركوزة في الفضاء الفسيح.
· لقد بدأت الاتصالات بالرسائل البرقية المشفَّرة, ثم بالراديو, ثم بالهاتف, ثم بالتلفزيون, ثم بالإنترنت, ثم تطورت الاتصالات في ظلِّ الاستغلال الاقتصادي الغربي والاستهلاك لتُتَوَّج بالهاتف الجوال ، وما أدراك ما الهاتف الجوال, إنه ذو الكاميرا الخفية الدقيقة, الذي أخذ يضرب في أخصِّ خصوصـــيات الإنســـان, فما هي إلا لحظة خيانة يُدار فيها مفتاح الجوال ليصبح الشخص الغافل القابع أمامه بصورته وصوته وانفعالاته وحركته مادة إعلامية للمستهلكين, فلا يستطيع أن يرد عن نفســه المتطفِّلين, ولا يستطيع أن يمحو ما تناثر من شخصه عبر الأثير، فلا اختيار مع هذا النوع من الجوال.
· أخي المسلم :ماذا نصنع بالنساء والبنات المخدرات في البيوت حين يُصبحن مادة إعلامية تتناقلها كاميرات الجوالات عبر شبكات الإنترنت ؟
· كيف يذهب نساؤنا للحفلات والاحتفالات والمناسبات والزيارات حين تنتشر هذه الجوالات في المجتمع ؟
· قد يقرر أحدُنا منع أهله وبناته من الخروج إلى المناسبات الاجتماعية، أو يُلزمهنَّ بالحجاب في مجامع النساء, ولكن ماذا يفعل مع الزائرات من النساء حين يزرن أهله في بيته, هل يفتِّشهنَّ قبل الدخول, أم يحجِّب زوجته وبناته في بيته ؟.
· هل يمنع الرجل زوجته وبناته فلا يخرجن ولا يُزرنَ حتى الموت، أم ماذا يفعل ؟.
· هل يضع على رأس زوجته بُرْجاً يشوِّش على حاملات الجوالات فلا يلتقطن لها صورة ؟.
· هل من المنطق الشرعي أن ندعو الله تعالى أن يُذهب الغيرة من قلوبنا على نسائنا فنرتاح أم ماذا نفعل ؟.
· أيها المسلمون : لقد جاءنا شيء لا قِبَلَ لنا به ، ولا نســـتطيع رده, ولا نـــدري ماذا يخبئ لنا الغرب من الفتـن ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
^ ^ ^
· أيها المسلمون : من يأمن على نفسه من العلماء والمشايخ والدعاة والعامة من أن تنشر صور نسائهم الغافلات المخدرات عبر شبكات الإنترنت من خلال الجوالات ؟.
· إن العقل ليطيش ويحار أمام هذه الفتنة العظيمة, ما هو القرار الذي يتخذه أحدُنا ؟ وهل يكون هذا هو بداية نزع الحجاب في بلادنا ؟ نعوذ بالله من ذلك .
· وهل سوف تصدر الفتاوى بعد ذلك للتهوين من هذه المسألة بعموم البلوى, فتُخرَّج هذه الأزمة فقهياً على هذا النحو ؟.
· إن الحل لا يكون بالمنع ، فكم من أشياء مُنعت في السابق ثُم فُسحت, وإنما الحل في التقوى التي تمنع صاحبها من الخيانة, ولكن أين التقوى اليوم ؟.