الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الاجتماعية @ 2ـ مشكلة الطلاق وآثاره الخطيرة
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله الذي خلقَ الزوجينِ الذَّكر والأنثى, وجعلَ بينهما مودةً ورحمة, وجعل ذلك من آياته العظيمة, الدالةِ على كمال عظمته وقدرته, أحمده وأستعينه وأستغفره, وأعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هاديَ له, وأشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلِّه, ولو كره المشركون. أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله, وارجو اللـهَ واليومَ الآخرَ, ولا تعثوا في الأرض مفسدين, ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(.
لقد امتنَّ الله عز وجل على عباده المؤمنين, بأن خلقَ لهم من أنفسِهِم أزواجاً ليسكنوا إليها, وجعلَ بينهم من المحبة والعطف والمودة, ما تدومُ به العشرةُ, وينقضي به الوطرُ, ويحصلُ به الولدُ, ويبقى النَّوعُ الإنساني على هذه الأرض, يخلفُ بعضهُم بعضاً، وفي هذا يقول الله عـــز وجــــــل: ) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّـتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَــلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (.
وقد وصف الله عز وجل هذه الألفةَ, والمودةَ التي تحصلُ بين الزوجين, وما ينشأُ عن هذه المشاعرِ الفياضةِ من وحدةِ الأرواحِ, وكمال الامتزاج البدني والعاطفي, وصفها عز وجل باللباس, فقال سبحانه وتعالى: ) هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّـهُنَّ (, إن هذا من أبْلغ الوصف لحقيقةِ الرابطةِ الزوجيةِ, فاللباس من صفته أنه يقي صاحبَهُ المكروهَ من برد وحر, ويستُرُهُ عن أعينِ ا لناسِ, كما أنه لا يصلح لغير صاحبه.
أيها الإخوة الكرام: إن الإنسان كثيراً ما يغفُلُ عن النعمِ, والبركاتِ التي يتفضلُ الله بها على عباده, ولا يتفكَّرُ فيها, فسبحان من خلق كلاً من الزوجين موافقاً للآخر, ملبياً لحاجاته الجسمية والنفسية والعقلية, وسبحان من أودعَ فيهما هذه العواطفَ والمشاعر, وجعل هذه الصلة بين الزوجين سكناً للنفسِ والأعصاب, وراحةً للجسم والقلب, واستقراراً للحياة والمعاش, وأُنْساً للأرواح والضمائر.
نعم إنها بحقٍ من أعظمِ النعمِ والفضائلِ الربانيةِ على عباده, ولكنَّ هذه النعمة الربانية, والمنحةَ الإلهية, لا يمكن أن تُؤتي ثمارَهَا من الأُنس والسعادة, والمودةِ والرحمة, إلا إذا انتهجَ كلٌ من الزوجين المنهج الذي رَسَمَهُ هذا الدينُ للعلاقاتِ الزوجية, فقام كل منهما بواجباته تجاه الآخر. وهنا فقط تنعُمُ الأسرةُ بالسعادة, والطمأنينة, وينشأُ في هذه الألفةِ الذريةُ الطيبةُ بعيداً عن العقد, والصدمات النفسية المؤلمة.
أيها المسلمون: إنَّ هذه النعمةَ التي تقدَّم وصفُها يمكِنُ أن تنقلب نقمةً وجحيماً لا يُطاق, فيعاني الزوجان, آلام الصدود والحرمان, ووحشةَ القلوبِ والأرواح, ونفرةَ النفوس والأبدانِ, وتبدأ الأسرةُ في خوضِ معاركَ من الصراعات والخلافات, فالكُلُّ يُطالبُ بحقوقه ويُعرضُ عن واجباته, فالزوجُ يُعرضُ عن زوجته, ويُسمعُهَا ما تكره, وهي الأخرى تهجرُ فِراشه, وترد عليه بقسوة, ولا تبالي بغضبه.
إنَّ هذه الآلامَ والأحزانَ, يمكنُ أن تكـــونَ نَتَاجَ إعراض الزوجـين أو أحدِهِما عن نهج هدي القرآنِ والسنةِ, الذي يضبط العلاقاتِ الأسرية, وَفْقَ منهجه العـظيم الـمحْكـــم, الذي تولـى الله عزَّ وجل وضعه لعباده المؤمنين, فجعله قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة.
وإن المتأمل في القرآن الكريم يجدُ أنَّ اللهَ عز وجل قد فصَّلَ في أحكام الأسرة, والعلاقات الزوجية تفصيلاً دقيقاً لم يفصِّلْهُ في الصلاة والزكاة والصيام. وما ذلك إلا ليعلمَ كلٌ من الزوجين أن الذي يحكم بينهما, ويضعُ ضوابطَ نظام الحياة الزوجية إنما هو الله جل جلاله. فلا يحق لأحد الزوجين الإعراضُ عن أمر الله سبحانه وتعالى بأي حجة من الحجج, قال الله عز وجل: ) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا (.
أيها الإخوة: إنَّ دوامَ الألفةِ والمحبةِ بين الزوجين, واستقرارَ الأسرة في كل حين, قد لا يكون من طبيعة الحياة الزوجية, فالخلاف والنزاع, لابد أن يحصلَ بين الزوجين, ثم تعودُ الحياةُ بعد ذلك إلى مجراها الطبيعي, ولعل هذا مما يُلطِّفُ الحياة الزوجية, ويجدد روحَهَا.
ولكنَّ الخطرَ, المخالِفَ للطبيعة الأسرية المستقرة, أن تدومَ هذه الخلافاتُ, وتزدادُ هذه المنازعات, وتكثر الاحتكاكات بين العشيريْن حتى تكون سمة الأسرة, وطبيعتها. وهنا تكونُ الأسرةُ قد خرجت عن كونها أُنْساً, واستقراراً ورحمة, وأصبحت بؤساً, وشقاءً وعنتاً.
أيها الإخوة: قد يتحملُ الرجلُ, وقد تتحمل المرأةُ هذه المعاناةَ الطويلة, ويعيش كلٌ منهما يكابدُ أحزانَهُ, وآلامَهُ, بعيداً عن علمِ الأولاد, فيتصنَّعُ كلٌ منهما للآخر, حتى لا يتأثرَ الأولادُ بمشاكلهما. ولكن إذا استمر الوضعُ على هذا الحال, ودامَ النزاعُ بينهما, فإنه لا يلبث طويلاً حتى يظهرَ للأولاد من وقتِ لآخرَ في صورة شتائم, أو إعراض, أو هجر, أو تركٍ للمنزل. وربما امتدَّ بهما الخلاف والنزاع, فأخذ كلُّ واحدٍ منهما يُعبِّرُ عن آلامه وأحزانه وشكواه أمام الأطفال, فيكشفُ كلُّ منهما عيوبَ صاحبه, وربما ساقَ الأبَ شدةُ الخلافِ أن يتناولَ زوجته بالضرب أمامَ أولادها, وهنا يكونُ الأبُ قد عرَّضَ أولادهُ إلى خطرٍ عظيم, وصدمةٍ نفسيةٍ قوية, قد تسوقُ بعضَهم إلى الانزواء, وفقدان الثقة بالناس, والإعراض عن المجتمع, وربما الهروبِ من الأسرة, والانضمامِ إلى عصاباتِ الأحداث, فقد ثبت أن أكثرَ الأولادِ المشاغبين, والذين يقعون تحت طائلةِ العقاب, يأتون من أسرٍ مفكَّكَةٍ يكثرُ فيها النزاعُ بين الزوجين.
وقد يستمر الشقاق بينهما حتى ينتهي بالطلاق, فيلقي الرجلُ على زوجته وهو غاضب: الطلاق بالثلاثة, أو ربما طلقها ألفَ طلقةٍ, دون علمٍ, أو روية.
إنَّ الطلاقَ أيها الإخوة ليس هو دائماً العلاجَ الصحيحَ للمشكلات الأسرية, بل إنَّ الصبرَ, والحكمةَ, وأخذَ الأمور بالروية, والتغافل عن الزلات, والتنازل بين العشيريْن, هو الحلُّ الصحيح. فقد يكون قرارُ الطلاق, أكثرَ شراً من بقاء الحياة الأسرية مع النزاع, وقد يكون هو الحلَّ الصحيح للأسرة المفكَّكَةِ المملوءة بالمشكلات، يقول الله عز وجل: ) وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْـمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا(، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يفرِك مؤمنٌ مؤمنةً (أي لا يبغض مؤمنٌ مؤمنةً) إن كره منها خُلُقاً رضيَ منها آخر», فلابد أيها الإخوة, أن يكون في الزوجة شيءٌ من خيرٍ يقابلُ ما فيها من سوء. ولعل الله عز وجل أن يرزقَ منها ولداً صالحاً يعوِّضُ الأبَ سوء خلقِ الأم؛ فقد رُويَ أن رجلاً كان له ولدٌ كثيرُ البرِّ به, فعجبَ الناسُ من ذلك, وسألوه عن سبب كثرة برِّ ذلك الولد به, فقال: لقد صبرتُ على سوءِ خلقِ أمِّهِ سنينَ طويلة, فرزقنيَ اللهُ منها, وعوَّضني هذا الولدَ الصالح.
أيها الإخوة الكرام: إنَّ أبغضَ الحلال عند الله الطلاق, وما أحلَّ الله شيئاً أبغضَ إليه من الطلاق، في حين أن أحبَّ شيء إلى إبليس عليه لعنة الله هو الطلاق, فإن أحبَّ أعوانهِ إليه, وأقرَبَهُم منه منزلةً, من ينجحُ في التفريــق بين العشــيريْن، فعلى الزوج أن لا يلجأَ إلى الطلاق إلا بعد أن ييأسَ من إمكانية دوامِ الحياةِ الأسريةِ, وبعد أن يأخذَ بالأسباب الصحيحةِ للعلاجِ, وأهمُها أن يقوم هو بواجبه تجاه زوجته وأسرته, وأن يكون قدوةً صالحةً لهم. وبعد ذلك يطالبُ بحقوقه, فإن أبت المرأةُ إلا العصيان، فعليه بالوعظ والتذكير بالله, والتخويف من غضبه, فإن عَجَزَ فعليه بالهجر, فلا يجامِعُها, ولا يضاحِكُها, ويُعرضُ عنها, على أن يكون هجْرُهُ في البيت. فإن أبت فعليه أن يضربَهَا ضرْباً غيرَ مبرِّحٍ, إن كان من النوع الذي يضرب, وإلا أشعرَ أهلها بذلك ليتدخَّلوا بالإصلاح.
فإن عَجَزَ مع كلِّ ذلك، ونَفِدَ صبرُهُ ألقى على زوجته طلقةً واحدةً, في طهرٍ لما يُجَامِعْها فيه أو أن تكون حاملاً, ويُشْــهدُ على ذلك. وعلى الرجـــل أن لا يُخرجها من البيت, ولا يجوزُ لها أن تخرجَ, بل تقضي عدتها في بيت الزوج فهي لا تزالُ زوجته, يرثها وترثُهُ, وله حقُ إرجـاعهــا دون إذنها, أو إذن وليِّها, مع الإشهاد على ذلك. يقول الله عز وجل: ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُـوهُنَّ لِعِدَّتِـهِنَّ وَأَحْصُــــوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّـهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِـهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيـِّـنَةٍ وَتِلْكَ حُـدُودُ اللَّـهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّـهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّـهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (. إن الحكمة في عدم خروج المرأة من بيت زوجها بعدَ الطلاقِ الرجعي : احتمالُ رجوع الزوجِ إلى صوابه, وندمِهِ على الطلاق, فيُرجعُ زوجتَهُ وتعودُ الحياةُ إلى الأسرة من جديد. أما ما اعتاده أكثرُ النساء عندما تسمعُ بطلاقها لا ترفعُ إلى فمها كوبَ ماءٍ إلا في بيت أهلها, فإن هذا من الخطأ الواضح, بل عليها البقاء في بيت الزوجية تلبسُ, وتتزيَّنُ لزوجها لعلهُ أن يراجِعَهَا.
أيها الإخوة الكرام: هذا هو الطلاقُ في الإسلام, وليسَ هو التلاعبُ الذي يفعَلُهُ بعضُ الناس, فيطلقُ بالثلاثةِ, ويطلقُ في أثناء الحيض, ويُطلق في طهر جامعها فيه, وربما يحلفُ بالطلاق, فقد رُويَ أن رجلاً طلَّق زوجته بالثلاثة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: « أيُلعب بكتاب الله وأنا بين أظهُرِكُم ».
أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله وكفى والصلاة والسلام على النبي الكريم المجْتبى, وعلى آله وصحبه أجمعين, أيها المسلمون: لقد وصفَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم طبيعةَ تكوينِ المرأةِ النفسي, وأنه من الصعوبة بمكان استقامَتُها على منهج واحد في الحياة, فقال عليه الصلاة والسلام: « إنما المرأةُ كالضلع, إن أقمتها كسرتَها, وإن استمتعتَ بها استمتعت بها وفيها عوج », وفي رواية أخرى قال عليه الصلاة والسلام: « إنَّ المرأةَ خُلقتْ من ضلع, لن تستقيمَ لكَ على طريقة, فإن استمتعت بها استمتعت وفيها عوج, وإن ذهبت تُقيمُها كسرتها, وكسرُها طلاقُها ».
إنَّ إحاطةَ الرجل, ومعرفته بطبيعة النساء, وما يجري عليهنَّ من أمور الحيض, والحمل، والنفاس, وطبيعة تكوينهنَّ النفسي: يجعلُ الرجلَ أكثرَ اتزاناً, وصبراً في تعامله معهن, فهن لا يستقمن على وتيرةٍ واحدةٍ, كما أن عواطفهُنَّ, ومشاعرهُنَّ تتقلَّبُ بصورة كبيرة وسريعة, كما أن بلوغهنَّ منزلة العقل الكامل, وحسنَ التدبير نادرٌ جداً, فقد رُويَ عنه عليه الصلاة والسلام أنه كَمُلَ من الرجال كثير, ولم يكمُل من النســاء إلا أربع.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعاني في بعض الأحيان من زوجاتِهِِ وهنَّ الطاهراتُ الطيبات, حتى كان عليه الصلاة والسلام يضطرُّ إلى هجرهن, فقد هجرهُنَّ شهراً كاملاً, وهَجَرَ بعضهنَّ أربعينَ يوماً, وهجرَ زينبَ بنتَ جحشٍ ثلاثةَ أشهر. وربما غضبت عليه إحداهنَّ فيصبرُ عليها, وربما هجرتهُ إحداهن فيصبرُ عليها. وقد روت السيدةُ عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها مرة: « إني لأعلمُ إذا كنتِ عني راضية, وإذا كنتِ عليَّ غضبى, قالت: فقلت: ومن أينَ تعرفُ ذلك ؟ قال: أمَّا إذا كنتِ عني راضية, فإنك تقولين: لا وربِّ محمد, وإذا كنت غضبى قلت: لا وربِّ إبراهيم, قالت: نعم يا رسول الله, والله ما أهجرُ إلا اسمك » .
أيها الإخوة: إذا كان هذا وضْعَ بيتِ النبوة, ووضعَ زوجاتِهِ الكريمات, فكيف بغيرهن, فلابد من مراعاةِ هذه الأحوال, وأخذِ الأمور بالروية، والمداراة, والصبر, فإن الله وَعَدَ الصابرين بالأجرِ الكريم والثوابِ يومَ القيامة, ) إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (.
ومن أعجــب ما يُروى عن رسـول الله صلى الله عليه وسـلم، وما لاقاه من بعضِ نسائهِ, أنه كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته عائشة رضي الله عنها خلاف, فأدخلا بينهما أبا بكر رضي الله عنه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة تتكلَّمينَ أو أتكلَّمُ؟ فقالت: بل تكلَّم أنت, ولا تقل إلا حقاً, فلطمها أبو بكرٍ حتى دَمِيَ فوها, وقال: يا عدوةَ نفسها, أوَ يقولُ غيرَ الحق ؟ فاستجارت برسول الله صلى الله عليه وسلم وقعدت خلف ظهره, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: » لم ندْعُك لهذا, ولا أردنا منك هذا «.
لقد ضربَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المثلَ الأعلى للأزواج الذين يرغبون في إقامة حياةٍ أسريةٍ سعيدةٍ, فما أعجبَ صبرَهُ, وحكمتهُ, صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه صلاةً دائمة, وسلَّم تسليماً كثيراً.
ربنا هب لنا من أزواجِنَا وذريَّاتِنا قرة أعين, واجعلنا للمتقين إماماً. اللهم أصلح ذات بيننا, وألِّف بين قلوبنا, واهدنا سبل السلام, وأخرجنا من الظلمات إلى النور, برحمتِكَ يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك, وتحوُّلِ عافيتك, وفجاءَةِ نقمتك, وجميع سخطك, اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, واجعل اللهم ولايتنا في من خافك, واتقاك, واتبع هداك طالباً رضاك يا ربَّ العالمين.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظُكُم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه الكثيرة يزدكم, ولذكر الله أكــبر، والله يعلمُ ما تصنعون.