الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ تراجم وشخصيات @ 7ـ عثمان بن عفان الخليفة الراشد المظلوم
· لقد بعث الله عز وجل نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى والنور, واختار له من الجيل الأول أفضل الناس ، فربَّاهم وأدَّبَهم ، كأحسن ما يكون، حتى كانوا الجيل الفريد الذي لا مثيل له في الإنسانية.
· حتى إذا اكتملت الرسالة, وظهر الحق : اختار الله نبيه إلى جواره, فاستخلف الناس أبا بكر رضي الله عنه.
· فكان على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم, حتى إذا دنا أجلهُ أوصى بالخلافة إلى عمر, فكان عمر رضي الله عنه على سيرته مع شدة وقوة في الحق.
· فلما أُصيب عمر جعل الخلافة إلى ستة نفر من المهاجرين المبشرين بالجنة, فتنازل منهم ثلاثة وبقيَ : عثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم.
· فتنازل عبد الرحمن على أن يتولى اختيار أحدهما للخلافة ، فاستشار الناس ثلاثة أيام ، لم يطعم فيها النوم ، ثم اختار عثمان.
· فتولى عثمان أمر المسلمين اثني عشر عاماً, كانت الأعوام الستة الأولى منها كأفضل ما يكون.
· ثم بدت من عثمان رضي الله عنه اجتهادات في توزيع المال ، وتولية المناصب ، وقطع الأراضي ، وأمور أخرى كان له فيها اجتهاد وحق كثير ، وقد كان لغيره من الصحابة وجهات نظر أخرى تخالف عثمان.
· استغل بعض المغرضين وعلى رأسهم عبد الله بن سبأ ، ابن اليهودية هذه الظروف ، وأخذ يؤلِّب عليه الناس ، ويُثيرهم لانتقاده.
· أخذ جمعٌ من الغوغاء من أمصار مختلفة يفدون على عثمان يجادلونه ويناقشونه, وكان يردُّهم بأحسن الكلام ، رغم سوء أدبهم معه.
· حتى إذا أراد الله كرامته ، ورفع درجته: حاصره هؤلاء الناقمون في بيته ، ومنعوه الماء والطعام ، وهو ثابت على مبدئه.
· وكانت مطالب هؤلاء الناقمين أن يرجع عن اجتهاداته ، أو يخلع نفسه من الخلافة ، فأبى ذلك لمكانة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين أمره أن لا يخلع الخلافة إذا طلب ذلك المغرضون.
· ولما كان يوم الجريمة الشنعاء رأى في تلك الليلة في المنام رسول صلى الله عليه وسلم يقول له: » يا عثمان أفطر عندنا «، فأصبح يومها صائماً.
· فاقتحم بعض الفسقة عليه بيته وهو صائم يقرأ القرآن ، فذبحوه وقتلوا معه بعض غلمانه ، وضربوا زوجته.
· وكان رضي الله عنه قد أعلن في الناس أن : » من كانت لي عليه ولاية فلا يسلَّ سيفاً «, وقال لخدمه: »من أغمد سيفه فهو حر«، لا يريد أن يُسفك دمٌ بسببه.
· ولما أرادوا دفنه حمله أربعة رجال وامرأتان على باب ،ودفن سراً.
· ما رأت الأمة بعده خيراً حين قُتل مظلوماً ، حتى انتقم الله له فقتل بسبب هذه الفتنة تسعون ألفاً, وانتقم الله من قتلته ، واحداً بعد الآخر.
· أيها المسلمون : لقد قُتل هذا الخليفة الراشد وإنه ليقوم بالقرآن بكامله في ركعة واحدة عند المقام.
· وقد جمع الله له بنتي نبي ، ولم تكن لأحد من خلق الله قط, وكان من أشبه الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم , وكان أولُ مهاجر بأهله إلى الحبشة ثم المدينة.
· وكان من أشد الناس حياءً ،لا يُقابل أحداً بسوء, وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستحي منه ويقول : »ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة«.
· وكان رضي الله عنه من أكثر المسلمين صدقة: جهز جيش العسرة, وأنفق على المسلمين, واشترى بئر رومة ، وأشياء كثيرة ، حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم: »اللهم ارض عن عثمان«.
· وكان يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: »ما يضر عثمان ما عمل بعد اليوم« ، وذلك حين جهز جيش العسرة.
· وبايع عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان رغم أنه لم يحضرها ؛ فقد كان مبعوثاً إلى أهل مكة , واعتبره من البدريين رغم أنه لم يشارك فيها ؛ لأنه كان يُمرِّض بنت النبي صلى الله عليه وسلم .
· وكان يوم قتل أفضل إنسان يسير على الأرض.
· وكان الرخاء زمن خلافته عامَّاً ، والخيرات دارَّة, فُتحت في عهده أمصار كثيرة, وركب المسلمون في زمنه البحر, وجمع الناس على مصحف واحد.
· وكانت فيه رحمة وشفقة على الناس، إذا جلس على المنبر للخطبة عند الآذان يسأل الناس عن حالهم وأخبارهم ومرضاهم.
· وكان رضي الله عنه شديد الخوف من ربه, يقتص للناس من نفسه؛ فقد كان له عبد مملوك فقال له: » إني كنت عركتُ أُذنك ، فاقتصَّ مني ، فأخذ بأذنه ثم قال عثمان: أُشدد يا حبذا قصــــاص في الدنيا ، لا قصاص في الآخرة«.
· وكان من شدة خوفه من اليوم الآخر إذا وقف على القبر يبكي بكاءً شديداً, وكان يقول: »لو كنت بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير«.
· أيها المسلمون : هذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه ، حسنة من حسنات أبي بكر رضي الله عنه ، فقد أسلم على يديه , وتتلمذ في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم ، حين تربى على عينه.
· أيها المسلمون : لقد بلغ هذا الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه أعلى درجات الزهد والتواضع, فقد كان إذا قام من الليل يتولى وضـــــوءه بنفـــسه, فقيل له: لو أيقـظت بعض خدمك ، فيقول: »لا ، الليل لهم يستريحون فيه«.
· قال الحسن: »رأيت عثمان يقيل في المسجد وهو يومئذٍ خليفة ، يقوم وأثر الحصى في جنبه«.
· ويقول أيضاً: »رأيت عثمان نائماً في المسجد ورداؤه تحت رأسه ، فيجيء الرجل فيجلس إليه ، ثم يجيء الرجل فيجلس إليه ، كأنه أحدهم«، أي لا يتميَّز عن الناس في شيء.
· وقال أيضاً: »رأيت عثمان نائماً في المسجد في ملحفة ليس حوله أحد، وهو أمير المؤمنين«.
· وقال عبد الله بن شداد: »رأيت عثمان يوم الجمعة يخطب وهو يومئذ أمير المؤمنين ، وعليه ثوب قيمته أربعة دراهم أو خمسة دراهم«.
· وكان رضي الله عنه يطعم الناس طعام الإمارة الجيد, ثم يدخل بيته فيأكل الخل والزيت.
· أيها المسلمون : أمثل هذا الخليفة يُقتل ؟ ولكنَّها الفتنة إذا جاءت أعمت أهلها ، وأصمَّت آذانهم عن سماع الحق ، نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها ، وما بطن.