الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ تربية الشباب @ 2ـ أزمة الشباب في المجتمع المعاصر
تُعد مرحلة الشباب من عُمر الإنسان أهم مراحل حياته, ففيها العطاء, والإنتاج, والبناء.
وقد ثبت من خلال الواقع أن نهضة الدول وتقدمها تقوم على أكتاف الشباب, وقوتهم وحيويتهم.
والشباب هم فئة الإبداع والتجديد والتطوير, في حين يميل الشيوخ عادة إلى الرتابة، وعدم التجديد ، والإبقاء على القديم.
ولهذا يتقبَّل الشباب في العادة الأفكار الجديدة, وربما الغريبة أيضاً، ويستهويهم التغيير، وأفكار التطوير.
ولهذا يُلاحظ أن الشباب أكثر فئات المجتمع تقبلاً للاستهواء والانقياد للجديد، والتقليد للآخرين.
وهذا ما نلاحظه في كثير من الشباب من الانقياد للتقليعات الجديدة, والملابس الغريبة, والقصات الشاذة.
وفي الوقت نفسه يعتبر الشباب أكثر الفئات قبولاً للخير, واستجابة للحق ، وحماساً للدعوة والعمل الصالح.
وقد كان أكثر المستجيبين لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة هم الشــــباب، ولهذا يقـــول الرسول صلى الله عليه وسلم: » أطاعني الشباب وخالفني الشيوخ «.
ولهذا استثمر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الطبيعة الخيِّرة عند الشباب في حسن توجيههم إلى الخير والحق والدعوة إلى الله.
ولكن الواقع المعاصر على المستوى المحلي والعالمي يشهد بانحرافات هائلة في الشباب , ومفاسد يقعون فيها لا حصر لها, حتى اقترن وصف الشباب بالضياع, والمخدرات, والعقوق, والتمرد, وسوء الأدب, والاندفاع, والفساد في الأرض.
وما ذلك إلا لسوء التربية التي تتحمَّلها جميع مؤسسات المجتمع المقصِّرة: الأسرة, والمدرسة, والمسجد, والإعلام, وغيرها.
أيها المسلمون : إن الشباب المعاصر يعاني أزمات حادَّة قاسية ، تكاد تكون مستديمة لا تنقطع ، يمرُّ بها غالب الشباب المعاصر.
إن كثيراً من الشباب يعاني جفافاً روحياً قاتلاً, لا يعرف كيف يزكِّي روحه, ولا يعرف كيف يتمتَّعُ بالاطمئنان والاستقرار النفسي.
إن كثيراً من الشباب يعاني اختلالاً في الاتزان النفسي, واضطراباً في السلوك ، بسبب واقع الحياة الاجتماعية المعاصرة.
إن الشباب لا يعرف كيف يحلُّ مشكلة التناقض السلوكي في المجتمع, بين ما يسمع من الخير ، وبين الواقع التطبيقي.
لقد فقد الشباب القدوة الصالحة الكاملة التي تملأ العين إذا نظر, وتملأ النفس إذا احتك بها وعاشرها.
لقد فقد الشباب القدوة في كثير من المربين, من : الآباء والمعلمين والعلماء.
إن الشباب يعاني تهميشاً اجتماعياً, لقد عجز عن الاستقلال بنفسه, وعجز عن الزواج, وعجز عن أن يجد عملاً مناسباً يدرُّ عليه مالاً.
إن الشباب يعاني ضغطاً ثقافياً عالمياً متسلِّطاً ، عن طريق وسائل الإعلام المختلفة ، لا يعرف كيف يواجهه ، وكيف يتعامل معه ؟
إن الشباب يعاني تخلفاً حضارياً في أمته، لا يعرف كيف يساعدها، ويخلِّصها منه.
إن الشباب يعاني من الفراغ القاتل حين لا يجد نشاطاً صالحاً يصرف طاقته فيه.
إن الشباب يعاني المنبوذية الاجتماعية حين لا يجد صدوراً رحبة تستمع إليه, ولا يجد حباً صادقاً من المربين.
إن الشباب يعاني جهلاً كبيراً في مهارات الحياة العلمية والعملية, ويفقد الخبرة التي تؤهله للعمل.
إن الشباب يعاني جهلاً بالدين في كثير من المسائل العقدية والفقهية, مما قد يُوقعه في كثير من الانحرافات والأخطاء.
إن هذه المشكلات والمعاناة المختلفة التي يعيشها غالب الشباب المعاصر هي المسؤولة عن انحرافاتهم المختلفة تجاه الجرائم السلوكية والأخلاقية ، وكذلك تجاه التطرف الديني المقيت.
^ ^ ^
إن واجبات المؤسسات التربوية المختلفة أن لا تُوقع الشباب في مثل هذه الانحرافات بتقصيرها, فإن الشباب حين ينحرف فإن انحرافه مؤلم وعنيف, وردُّه نحو الاستقامة عسير, وصدق من قال: » الوقاية خير من العلاج «.
إن مما يجب أن يعرفه الشباب أن انحرافات المجتمع من حولهم ليست عذراً له في انحرافاته وأخطائه, فهو مكلَّف شرعاً, فقد أجمع العلماء على أن من بلغ الحلم فهو مكلَّف بالكتاب والسنة، ومسؤول عن تصرفاته ، ومحاسب شرعاً عن أعماله ومقاصده.
ولهذا خصَّ الإسلام مرحلة الشباب بمزيد سؤال فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: » لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسئل عن خمس: عن عمره فيما أفناه, وعن شبابه فيما أبلاه, وعن ماله من أين اكتســــــبه وفيما أنفقه, وماذا عمل فيما علم«.
ومن هنا فلابد للشاب أن يسعى بنفسه نحو العلم النافع, والبحث عن الصواب من الأقوال, والتمييز بين الخير والشر.
ولابد أن يعمل بما علم من الخير والصواب, وأن ينفع نفسه وأهله ومجتمعه, وأن يسعى بالإصلاح لا بالفساد.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (.