الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الأخلاقية @ 11ـ خلق المسلم بين التواضع والكبر
· لا يشكُّ اثنان أن دين الإسلام قد حوى دستوراً كاملاً للأخلاق, يشمل الفرد والجماعة, فما من جانب من جوانب الحياة الإنسانية إلا وقد شمله الإسلام بتوجيهٍ خُلقي, يحثُّ على خلق, وينهى عن ضدِّه.
· وقد تواترت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والآثار بمدح خلق التواضع, وذمِّ خلق الكبر.
· وفي هذا يقول الله تعالى: ) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ (, ويقول: ) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (, ويقول: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ(, ويقول: ) وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا (.
· ويقول تعالى في ذم الكــبر: ) سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ(, ويقــــول : ) وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (.
· ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: » طوبى لمن تواضع في غير منقصة (يعني في غير معصية) وذلَّ في نفسه من غير مسألة, وأنفق مالاً جمعه في غير معصية«, ويقول أيضاً: »إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخـر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد «.
· وقال أيضاً: » ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله «, وقال: »من مات وهو بريء من الكبر والغلول والدَّين دخل الجنة «.
· ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في ذمِّ الكبر: » لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر «, وفي رواية: » من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر كبَّهُ الله لوجهه في النار «, وقال الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً: » بينما رجل يتبختر يمشي في برديه ، قد أعجبته نفسُهُ : فخسف الله به الأرض ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة «, وفي الحديث القدسي: »الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري ، من نازعني واحداً منهما ألقيته في جهنم «, وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: » لا يزال الرجل يذهب بنفسـه، حتى يُكتـب من الجبارين ، حتى يُصيبهُ ما أصابهم «.
· ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تواضعاً, وأبعدهم عن الكبر, فكان لا يرضى بقيام الناس له, ويجلس مع الفقراء, ويُجيب دعوتهم, ويسلِّم على النساء والأطفال, ويخدم أصحابه, ويتبع الجنازة, ويخصف نعله, ويخيط ثوبه, ولا يأنف من خدمة أهله, وربما سجد على الطين, وقد تأتي الجارية الصغيرة فتأخذ بيده فيطاوعها, وكان يقول: »اللهم أحيني مسكيناً ، وأمتني مسكيناً ، واحشرني في زمرة المساكين «.
· وكان السلف من الصحابة ومن جاء بعدهم على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في التواضع والحذر من الكبر, فهذا أبو بكر رضي الله عنه يقول: » وُلِّيت عليكم ولســــــت بخيركم«, وهذا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه على غناه لا يتميز عن مملوكه في ملابسه, وهذا أبو ذر رضي الله عنه يلبس كما يلبس مملوكه.
· وقد رُؤي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما في سوق دمشق وعليه قميص مرقوع, وقد حمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه القربة أمام الناس, وحمل أبو هريرة وعبد الله بن سلام رضي الله عنهما الحطب.
· » ركب مرة زيد بن ثابت دابته فأخذ عبد الله بن عباس بركابها, فقال : لا تفعل يا بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا, فقال زيد : أرني يدك , فأخذ يده فقبَّلها, ثم قال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم «.
· وكان أبو سليمان الداراني يقول: » لو أجمع الناس على أن يضعوني كاتضاعي عند نفسي لما قدروا عليه «، أي من شدة تواضعه.
· دخل عبد الله بن المبارك على أحد العباد يزوره, فلم يلتفت إليه ذلك العابد تكبُّراً, فخـرج عبد الله من عنده , فقيــــل له : هذا ابن المبارك, فخرج الرجل خلفـــه يهرول, فاعتـــذر إليه, فقال عبدالله يعظه: » إذا خرجت من منزلك ، فلا يقعنَّ بصرك على أحد إلا رأيت أنه خير منك «.
· قال الأحنف بن قيس: » عجباً لابن آدم يتكبر وقد خرج من مجرى البول مرتين «.
· رأى محمد بن واسع ولداً له يختال في مشْيتــه , فقال: » أتعرف من أنت ؟ أما أمُّك فقد اشتريتها بمائتي درهم, وأما أبوك فلا أكثر الله في المسلمين مثله «.
· وقال وهب بن منبه: » لما خلق الله جنة عدن نظر إليها فقال : أنت حرام على كلِّ متكبر «.
· قال المروذي: »لم أرَ الفقير في مجلسٍ أعزَّ منه في مجلس الإمام أحمد, كان مائلاً إليهم, مقصراً عن أهل الدنيا «.
· وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما إذا دعاه الصبيان إلى طعامهم جلس فأكل معهم من كِسَر الخبز, ثم أخذهم إلى بيته فأكرمهم.
· قال الفضيل: » من رأى لنفسه قيمة فليس له في التواضع نصيب «.
· اللهم إنا نعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق.
^ ^ ^
· إن حقيقة التواضع تتضمـن: خفض الجناح, وقبول الحق, وأن لا ترى لك على أحد فضلاً.
· وأما حقيقة الكبر: فهي تعظيم النفس, واحتقار الخلق ، ورد الحق.
· وأما أسباب الكبر فتأتي من جهة: العلم, والعمل, والنسب, والجمال, والمال, والقوة, وكثرة الأتباع.
· أما علاج الكبر فيكون: بمعرفة حقيقة النفس, ومعرفة أن الكبر من كبائر الذنوب, والتعرف على عقوبة المتكبرين , فإن إبليس خرج بسبب الكبر, مع التعرف على فضل التواضع, وممارسته والتدريب عليه، والتسليم للحق إذا ظهر وعدم ردِّه, وإكرام المسلمين, وإجابة دعوة الفقير, وخدمة المسلمين, ولبس المتواضع من الثياب، كلُّ ذلك يساعد ويعين على انتزاع خلق الكبر من النفس.