الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الأخلاقية @ 9ـ الأدب في السلوك
· مسلكٌ خُلُقي ضروري للاجتماع الإنساني, فقده كثير من الناس, ألا وهو خُلُق الأدب.
· والأدب هو : صيانة النفس عمَّا لا يليق بها, واستعمال الخلق الجميل.
· وهو كالمصفاة ، يُصفِّي السلوك مما يشينهُ من القبائح والرزايا والمسالك الشائنة.
· والأدب مهمٌ في حياتنا، فمن تأدَّب بآداب الشرع صار من أهل محبَّة الله تعالى, ومن تهاون بالأدب عُوقب بحرمان السنن, ومن تهاون بالسنن عُوقب بحرمان الفرائض، وهكذا يتدرج من القبيح إلى ما هو أقبح.
· ولهذا يقول ابن المبارك: » نحن إلى قليل من الأدب ، أحوج منا إلى كثير من العلم «.
· ويقول ابن القيم: » أدب المرء عنوان سعادته وفلاحه, وقلَّة أدبه عنوان شقاوته وبواره «.
· ومن التوجيهات القرآنية في ذلك قوله تعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا(، فأمـرهــــم الله تعــــالى أن لا يتلفظوا بلفظة تحتمل سوء الأدب ، ومشابهة اليهود.
· وقولــه تعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (، وهذا أدب في طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وعدم التقدم عليهما في شيء.
· وقوله تعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ(، وهذا أدب في التحدث بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
· وقوله تعالى: ) وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا (، وهذا أدب اجتماعي في ردِّ السلام.
· ومن التوجيهات النبوية في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : » إنَّ أحبَّـكم إليَّ ، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة : أحسَنُـكم أخلاقاً, الموطَّؤن أكنافاً, الذين يألفــون ويُؤلفــون, وإنَّ أبعدكم مني مجلساً يوم القيامة : الثرثارون , المتشدِّقون المتفيهقون «، وهم المتوسعون في الكلام المتعمِّقون فيه, المتكبرون على عباد الله.
· ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: » إذا كنتم ثلاثة ، فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما ؛ فإن ذلك يُحزنه «.
· ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً : » من استعاذ بالله فأعيذوه ، ومن سأل بالله فأعطوه ، ومن دعاكم فأجيبوه ، ومن صنع لكم معروفاً فكافئوه «.
· ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً : » من حُسْن إسلام المرء تركُهُ ما لا يعنيه «.
· ويقول أيضاً : » من لا يشكر الناس لا يشكر الله «.
· وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعلى مراتب الأدب السلوكي ، فقد قال عنه مولاه في ليلة الإسراء والمعراج: ) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى(، فقد كان عليه الصلاة والسلام في غاية الأدب مع ربه في مقام قد تزيغ فيه الأبصار.
· وكان من أدبه عليه الصلاة والسلام أنه لا يواجه أحداً بما يكره, فقد كان يقول : »ما بـال أقــوام « ، ولما رأى على أحدهـــم لوناً في الملابس لا يعجبه قال : » لو قلتم لهذا يُزيل عنه هذه الصفرة «.
· وكان يكون عن يمينه الغلام الصغير فلا يتخطاه بالشراب حتى يستأذنهُ.
· وكان إذا دعا الرجل دعاه بأحبِّ الأسماء إليه, يُدخل السرور عليه.
· وكذلك أنبياء الله تعالى كانوا في أعلى مراتب الأدب, فهذا إبراهيم عليه السلام يقول عن فضل ربه عليه: ) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ* وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ(، فلم ينسب المرض إلى الله تعالى ، في حين نسب إليه الهداية والرزق.
· وهــذا موسى عليه السلام يقول يدعو: ) رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (، ولم يقل ربي أطعمني.
· وأيوب عليه السلام يقول كما حكى الله عنه : ) وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (، ولم يقل : اشفني.
· ويوسف عليه السلام يقول لإخوته ولوالديه: ) قَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ( ، ولم يقل من الجُبْ، تلطُّفاً منه بإخوته، فلا يذكِّرهم بجريمتهم.
· والصحابة كانوا هم أيضاً من أصحاب الأدب الرفيع , فقد سُئل العباس رضي الله عنه مرة : أنت أكبر أم النبي؟ فقال: » هو أكبر مني ، وأنا ولدت قبله «.
· وهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول: » ما بزقت عن يميني منذ أسلمت«.
· وعثمان رضي الله عنه يقول: » ما مسست ذَكَرِي بيميني منذ بايعت بها الرسول صلى الله عليه وسلم «.
· وعن أنس رضي الله عنه قال : » خرجت مع جرير بن عبد الله البجلي في سفر، فكان يخدِمني ، فقلت : لا تفعل, فقال : إني قد رأيت الأنصار تصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أليت أن لا أصحب أحداً منهم إلا خدمتُهُ «.
· ولما سئل ابن المبارك بحضور سفيان بن عُيينه ، قال : »إنا نُهينا أن نتكلَّم عند أكابر «.
· ولما دخل إسحاق الحربي على إسماعيل القاضي ، قام إسماعيل فأخذ نعله ومسح عنها الغبار، فقال إسحاق : » أعزك الله في الدنيا والآخرة «