الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الأخلاقية @ 7ـ خلق المسلم بين الأمانة والخيانة
· إن المتأمل في هذا الدين, في أحكامه وآدابه وفروضه وواجباته يجد أن محور هذا الدين يقوم على الأمانة.
· فالأمانة هي الرابط الأساس بين المكلَّف وبين الأحكام والفروض التي كُلِّف بها.
· وكلُّ عملٍ يقوم به الإنسان يفتقر إلى الأمانة ، ابتداءً من إيمانه واعتقاده، وانتهاءً إلى كلِّ حكم ألزم الله به عباده.
· فالمكلَّف مُؤتمن على عقيدته بأن يصدق فيها, ويطابق ظاهرهُ باطنه, فلا نفاق ولا رياء ولا سمعة.
· وهو مكلَّف بالأمانة عند قيامه بالأحكام الشرعية لصحة العبادات, في نيته, وصحة طهارته, وسلامة صيامه, ونحوها من الأحكام التي تفتقر إلى الأمانة.
· فليس أحدٌ يطَّلع على عقيدة الإنسان وصحة عبادته إلا الله, فهي أمانة بين العبد وربه.
· ومن هنا ارتبطت الأمانة بالتقوى والخشية والصدق ؛ ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: » لا دين لمن لا أمانة له «, أي لا تقوى عنده ولا صدق.
· أيها المسلمون : إن الأمانة هي المعيار الصحيح لصدق الإيمان وصلاح القلب يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: » المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم «.
· ويقول عمر رضي الله عنه : » لا تنظروا إلى صيام أحد ولا صلاته, ولكن انظروا إلى صدق حديثه إذا حدَّث, وأمانته إذا ائتُمن, وورعه إذا أشفى «.
· فالأمانة سلوك شامل في كلِّ ما افترضه الله على العبد من العبادات والمعاملات, فقد قال عليه الصلاة والسلام: » إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة«, وقال: » من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطاً فما فوقه : كان غلولاً يأتي به يوم القيامة «.
· نقل رجل إلى سلمان الفارسي رضي الله عنه سلاماً من أخٍ له فقال سلمان: » أما إنك لو لم تفعل لكانت أمانة في عُنقك «.
· ولقد ورد التحذير الشديد من الخيانة فقد قال الله تعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُـونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (.
· وربط الرسول صلى الله عليه وسلم بين الخيانة والنفاق, فجعل الخيانة ثلث النفاق فقال: » آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتُمن خان «.
· ولم يسمح الرسول صلى الله عليه وسلم بالخيانة حتى مع الخائن فقال: » أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك, ولا تخنْ من خانك «.
· وحذَّر الرسول صلى الله عليه وسلم من يتولى شؤون المسلمين من الخيانة فقال: » ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت، وهو غاش لرعيته : إلا حرم الله عليه الجنة «.
· ومما يُنقل في هذا المقام أن معاوية رضي الله عنه استعمل على المغرب حسان بن النعمان بن المنذر ، فعمل فيهم عشرين سنة يُجاهد ويُدير البلاد بالعدل, فلما كان زمن الوليد بن عبد الملك عزله, فقدم من المغرب بأموال عظيمة وتحف وجواهر, فقال: »يا أمير المؤمنين إنما خرجت مجاهداً لله ، وليس مثلي من يخون «, ثم أعطاه الأموال ، وأبى أن يرجع إلى الولاية ، وكان يُسمَّى بالشيخ الأمين.
· ومما ينقل من أخبار الأمانة عن السلف الصالح: أن عبد الله بن المبارك استعار قلماً من رجل بالشام على أن يُعيده, فنسي حتى سافر إلى مرو, وما أن وصل إليها حتى وجد القلم في متاعه, فعاد إلى الشام وسلَّم القلم لصاحبه.
· ومن ألطف ما يُنقل من قصص الأمانة ما نقله ابن عقيل الحنبلي عن نفسه حين حجَّ فوجد في طريقه عقداً من لؤلؤ في خيط أحمر، فالتقطه من الأرض, فإذا بشيخ ينشده, ويكافئ من يأتي به بمائة دينار, فردَّه ابن عقيل ولم يقبل الدنانير . وبعد أشهر انتقل ابن عقيل إلى الشام ، ودخل حلب وهو فقير وجائع ، فصلى في مسجدها فقدَّمه الناس, وقالوا : إمامنا مات فصلِّ بنا شهر رمضان, فأُعجبوا به, وقالوا : لإمامنا بنت نزوجك إياها, فتزوجها, فأقام معها سنة ثم وضعت, وهي على فراش الموت في نفاسها، فتأملها فإذا في عنقها العقد في خيطه الأحمر, فقال لها : هذا له قصة, فعرَّفها الخبر ، فبكت وقالت: أنت هو والله, لقد كان أبي يبكي ويقول اللهم ارزق ابنتي مثل الذي ردَّ عليَّ العقد, وقد استجاب الله منه, ثم ماتت, يقول ابن عقيل: فأخذت العقد والميراث وعدت إلى بغداد . وهكذا جمع الله له بالأمانة خير الدنيا وثواب الآخرة.
· أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (.
^ ^ ^
· لقد أخبر الصادق الأمين أن الأمانة سوف تضيع في آخر الزمان, حتى لا يكاد يُوجد الشخص الأمين, وأن موازين الناس سوف تختل حتى يُخوَّنَ الأمين, ويُؤتمن الخائن, ويوسَّد الأمر إلى غير أهله, وكلُّ هذا حق إلا أنه لا يعني أن كثرة الخيانة في الناس تجعل الخيانة مباحة, فإن الله تعالى سائلٌ كلاً عما استرعاه, سائل الحاكم عن رعيته, والأب عن أسرته, والأم عن أولادها, والمعلم عن طلابه, والطالب عن واجبه, والمدير عن مرؤوسيه, فليس أحدٌ إلا وهو مسؤول, حتى إنه ليسأل الرجل عن خاصة نفسه ، فهو مؤتمن على عقيدته وجسمه وشبابه, فاتقوا الله في أنفسكم واحذروا الخيانة فإنها بئس البطانة, وأدُّوا الأمانة واتقوا الله في ذلك ما استطعتم.