الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الأخلاقية @ 6ـ مقام الرحمة في الإسلام
· أينما نظر الباحث في دين الإسلام : وجد الرحمة عنصراً أساساً في كلِّ جانب من جوانب هذا الدين, لا تنفك عنه في أيِّ جزئية أو كلية.
· فالعبادات والمعاملات والحدود والعلاقات, لا يخرج شيء من ذلك عن الرحمة, بل وحتى النار, إنما خلقها الله لتخويف العباد وكفِّهم عن المعاصي.
· وفي فضل الرحمـــة والرحمــــاء يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: » الراحمون يرحمُهُمُ الرحمن, ارحموا أهــل الأرض يرحمكم من في السماء «.
· ويقول أيضاً: » ليس منا من لم يرحم صغيرنا, ويعرف شرف كبيرنا «.
· ويقول أيضاً: » المؤمن مألفةٌ, ولا خير فيمن لا يألفُ ولا يُؤلَف «.
· ويقول أيضاً: » إن أحبَّكم إليَّ أحاسِنُكُم أخلاقاً, الموطَّؤن أكنافاً, الذين يألفون ويُؤلفون «.
· وفي الجانب الآخر فقد ذم رسول الله صلى الله عليه وسلم قساة القلوب, الذين لا يعرفون الرحمة ولا الشــفقة على عبــاد الله فقال: » لا يرحمُ الله من لا يرحَمِ الناس «.
· وقال أيضاً: » لا تُنزع الرحمــة إلا من شـــــقي «, وقال أيضاً: » من لا يَرحم لا يُرحم «.
· ولما أنكر أحدهم تقبيل الصــغار قال الرسول صلى الله عليه وسلم: » أو أملكُ لكَ أن نزعَ اللهُ من قلبك الرحمة «.
· أيها المسلمون : ليس أحدٌ أرحم من الله تعالى, فقد خلق الخلق من العدم برحمته, ورزقهم وكلأهم برحمته, وأرسل إليهم الرسل برحمته, وهداهم إلى دينه وشرائعه برحمته, ثم هو يوم القيامة يُدخلهم الجنة برحمته.
· يقول الله تعالى: ) قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ (.
· ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن عظيم رحمة الله تعالى: » إن الله خلق يوم خلـق السماوات والأرضَ مائــةَ رحمة, كلُّ رحمة طباق ما بين السماء والأرض, فجعل منها في الأرض رحمة, فبها تعطف الوالدة على ولدها, والوحش والطير بعضها على بعض, فإذا كان يومُ القيامة أكملها بهذه الرحمة «.
· ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: » لما خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي«.
· ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن رحمة الله للعصاة من المؤمنين: » إن الله يُدني المؤمن ، فيضع عليه كنفه ويستُرُهُ ، فيقول: أتعرف ذنب كذا, أتعرف ذنب كذا, فيقول : أيْ رب, حتى إذا قرَّره بذنوبه ، ورأى في نفسه أنه هلك ، قال : سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم, فيُعطى كتاب حسناتـــــه «, فهذه رحمــة واسعة لا حدود لها بين العبد وربه ؛ ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: » لو تعلمون قدْر رحمة الله لاتَّكلْتم «، يعني لتركتم العمل ، معتمدين على سعة رحمة الله تعالى.
· أخذت امرأة من السَّبي ولداً فألصقته ببطنها وأرضعته ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم حين شاهد هذا الموقف العاطفي من هذه المرأة : » أترون هذه طارحة ولدها في النار ؟ قلنا : لا وهي تقدر على أن لا تطرَحَهُ ، فقال : للهُ أرحم بعباده من هذه بولدها «.
· ليس أحدٌ بعد الله تعالى أرحم بالعباد من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقد قال عنه ربُّهُ عزَّ وجـل: ) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ( ، وقال: ) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنت لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ (.
· وكان يقول عن نفسه عليه السلام: » أنا محمدٌ وأحمدٌ والمقفِّي – يعني المتَّبع للأنبياء – والحاشر – يعني الذي يُحشر الناس خلفه – ونبيُ التوبة, ونبيُ الرحمة «.
· ولما قيل له : اُدع على المشركين, قال: » إني لم أُبعث لعاناً ، وإنما بعثت رحمة «.
· وقد ثبت في مواقف كثيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رقيق القلب, ليس أحدٌ أرقَّ منه قلباً, ما أن يسمع أو يرى موقفاً مؤلماً إلا تفاعل معه ؛ فقد بكى لموت بعض أصحابه, ولمرضهم, ولموت ولده, وربما خفَّف الصلاة لبكاء الطفل وهكذا.
· وقد تجلَّت رحمته عليه الصلاة والسلام حين ردَّ مَلَكَ الجبال عن أن يطبق الجبال على أهل مكة بعد أن أخرجوه وآذوه.
· ولم تكن رحمته عليه السلام قاصرةً على الإنسان بل شملت حتى الحيوان فكان يقول: » في كل ذي كبدٍ رطبةٍ أجر «.
· وقد أنكر على أصحابه حين أحرقوا قرية نمل, وأنكر عليهم حين أخذوا فراخ طائر, ونهى عن نصب البهائم غرضاً للرمي, وأنكر على صاحب جمل إتعابه للجمل وقسوته عليه , وذكر بغياً من بغايا بني إسرائيل سقت كلباً فغفر الله لها.
· وهكذا أيها المسلمون إنها رحمة شاملة كاملة , شملت واستوعبت كلَّ شيء.
· اللهم اجعلنا من الرحماء, وجنِّبنا مسلك الأشقياء, واحشرنا في زمرة الأتقياء.
^ ^ ^
· لقد وصف الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالرحمة فقال: ) مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ (.
· وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بالرحمة لجميع الناس ويقول لأصحابه: » لن تؤمنوا حتى ترحموا, قالوا : كلُّنا رحيمٌ يا رسول الله, قال : إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه, ولكنها رحمةُ الناس, رحمةُ العامة «, وكان يقول: » حُرِّم على النار كلُ هينٍ لينٍ سهلٍ قريب من الناس «.
· ويقول أيضاً : » إن في الجنة غرفةً يُرى ظاهرها من باطنها, وباطنها من ظاهرها, فقال أبو موسى الأشعري : لمن هي يا رسول الله ؟ قال: لمن ألان الكلام, وأطعم الطعام, وبات لله قائماً والناس نيام «, وكان يقول: » الكلمة اللينة صدقة «