الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية العبادية @ 15ـ أهمية الشريعة الإسلامية وتاريخها
· لقد جرت سنة المولى عز وجل في جميع المخلوقات أن جعل نظام هدايتها مركَّباً فيها, في شكل غرائز تهتدي بها، وتعرف مصالحها فلا تضل.
· أما الإنسان فقد جعل الله نظام هدايته وحياً تشريعياً ، يُنزلُهُ على أنبيائه الكرام, ليكونوا مبشرين ومنذرين.
· فمازال الله تعالى منذ أنزل آدم وزوجه إلى الأرض وهو يكلأُ البشرية بوحيه المبارك ، وشرائعه العظيمة هداية للناس.
· فما زالت الشرائع السماوية تواكب تقدم البشرية وتطورها بما يُصلحها, ويحفظها من الانحراف عن الجادة المستقيمة.
· ولما وصلت البشرية إلى درجة من النضج لأن تكون أمة واحدة: أنزل المولى عز وجل الشريعة المحمدية الخاتمة, فكانت اللبنة الأخيرة في البناء الإنساني الكبير.
· وقد تميزت هذه الشريعة المباركة الخاتمة بجمع من المميزات منها:
· اليسر ورفع الحرج : فليس فيها ضيق يدخل الحرج على الناس.
· الواقعيـة : بحيث تتعامل مع حياة الناس القائمة، وفطرتهم السوية فلا تخالف ذلك.
· التدرج : فقد ساقت هذه الشريعة الجماعة المسلمة بالتدرج شيئاً فشيئاً حتى بلغت بهم أعلى درجات الكمال الممكن.
· الشمول : فليس شيء من جوانب الشخصية الإنسانية ، شؤون الحياة إلا شملته الشريعة.
· المرونة والعمومية والتطور الذاتي : فليس شيء من مستجدات الحياة المستقبلية إلا حوته.
· أيها المسلمون : لقد مرَّ التشريع الإسلامي بمراحل متعددة ، بدأت بنزول الوحي حتى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم , رست فيها قواعد الشريعة بالقرآن والسنة.
· فتلقى الصحابة هذه الشريعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم, واستوعبوها على تفاوت بينهم, بين مُكثر ومُقل, على قدر ما حباهم الله من الملكات والأفهام.
· ثم انتشر الصحابة في الأمصار بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتحين ومعلِّمين, فتلقى منهم العلم التشريعي نجباء التابعين.
· فتأسست في كلِّ مصر من الأمصار مدارسُ علمية تحمل علوم التشريع الإسلامي, فتُعلِّمُها وتعملُ بها, وتستنبط وتجتهد.
· حتى إذا انتشرت المعارف وكثرت الأقوال: قَيَّض الله لهذه العلوم الشرعية من يجمعها ويدوِّنها ويبوبها ويرتِّبها.
· فظهر أئمة الفقه الإسلامي من أهل النظر والاجتهاد المطلق والمستقل, ينظرون في الأقوال ويرجِّحون ويجتهدون.
· ووضعوا لجميع العلوم الشرعية : قواعد وأصولاً وضوابط للاستنباط والترجيح والاجتهاد والفهم.
· حتى انتهى علم الشريعة إلى أربعة أئمة, لا يعرف التاريخ لهم مثيلاً فيمن جاء بعدهم: الإمام أبي حنيفة, والإمام مالك ، والإمام الشافعي ، والإمام أحمد.
· فسار الفقهاء من بعد هؤلاء الأربعة على نهجهم, يجتهدون ويستنبطون للمستجدات في ضوء أصولهم وقواعدهم التي وضعوها، وضوابطهم التي أسَّسوها.
· حتى إذا مرَّ على التشريع الإسلامي دهرٌ من الزمان ظهرت طبقة من الفقهاء تمنع الاجتهاد, وتغلق بابه خوفاً من أن يدخله الجهلة وأنصاف المتعلمين, وكذلك هيبة منهم أن يقدِموا على الاجتهاد فيقعوا في الخطأ فيأثمون ويُلامون, فتأخَّر الفقه الإسلامي بعض الشيء بسبب ذلك.
· ومع كلِّ هذا فقد بقيَ التشريع الإسلامي هو المهيمن على حياة المسلمين حتى نهاية الدولة العثمانية, وعند بداية الهجمة الاستعمارية الأوروبية.
· ولقد كان من نتائج الاستعمار الأوروبي المؤلمة : إقصاء الشريعة الإسلامية عن الحياة في غالب بلاد المسلمين عدا الجزيرة العربية، مع حصر التشريع في الأحوال الشخصية.
· وهذا الوضع عطَّل الشريعة من جديد عن مواكبة التقدم للمســتجدات الطارئـــة على حياة الناس, فالشريعــــة لا تعمل إلا بالتفاعل معها.
· ورغم اندحار المستعمر الأوروبي ، وخروجه من بلاد المسلمين فقد بقيت الشريعة الإسلامية حبيسة الكتب والمراجع ، لا دخل لها في حياة الناس المعاصرة ، حين حلَّت محلَّها القوانين الوضعية المستمدة من بلاد المستعمر الغربي.
· أيها المسلمون : إن من الإجحاف بالشريعة الإسلامية أن تقارن بالقانون الوضعي, فكيف يكون تشريع الخالق كتشريع المخلوق ؟.
· ومع هذا فإن الشريعة وضعها العليم الخـبير لصالح عباده, لا ظلم, ولا حيف, ولا هوى, منزَّهة عن النقص والجهل وكلِّ خطأ.
· الشريعة صالحة لكلِّ زمان ومكان ولكلِّ الناس, والقانون محدود بالزمان والمكان والفئة.
· الشريعة تتناول كلَّ شؤون الإنسان في الدنيا والآخرة, والقانون الوضعي خاص بالمعاملات المدنية للحياة الدنيا.
· الشريعة تُلزم أتباعها بالعمل بها عبادة وديانة, وأمَّا القانون فإنما تفرضُهُ السلطة على أتباعها.
· أيها المسلمون: إن الإنسان العاقل ليتلمَّس رحمة الله ولطفه في كلِّ جزئية من جزئيات هذا الكون صغيرها وكبيرها, أيُعقل بعد هذا اللطف والرحمة منه سبحانه وتعالى أن يُلزمنا بشريعة تضرُّنا, أو تفسد حالنا ؟ إن هذا لا يمكن أن يكون من اللطيف الخبير !!
^ ^ ^
· أيها المسلمون : إن من الحقائق التي لا تقبل الجدل: أن الشريعة الإسلامية واجبٌ تطبيقها والعمل بها, وليس لأحد كائناً من كان أن يخرج عنها.
· ثم إن تخلُّف التشريع الإسلامي عن مجاراة كثير من قضايا هذا العصر راجع إلى تقصير المسلمين في التعامل مع شريعتهم ، والتفاعل معها.
· والشريعة أيها المسلمون متطورة متجدِّدة ، ولكن ضمن ثوابت شرعية لا تقبل التغيير أو التجديد, فمن الأحكام ما يقبل الاجتهاد، ومنها ما لا يقبل الاجتهاد .
· إن هذه الشريعة المباركة لا تعطي ثمارها حين تعمل مجزَّأة ، وإنما تعمل وتؤتي ثمارها حين تعمل ككل.
· أيها المسلمون : إن اجتهادات الأئمة الفقهاء المستنبطة من الكتاب والسنة هي من الدين لابد من احترامها وتقدير أهلها, حتى وإن لم تصل إلى درجة العصمة التي هي للنص الشرعي ، فاجتهاداتهم مرتبطة بالنصوص ، ومستنبطة منها – في الجملة – والخطأ الذي يقع بالاجتهاد خطأ معفوٌ عنه ، لا يشين العلماء المجتهدين في شيء، وفي الوقت نفسه لا يسوِّغ للمقلِّد الاتباع في مسألة تبين له خطؤها.