الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية العبادية @ 6ـ نواقص العبودية
· لقد استقر عند أهل التوحيد ابتداءً من آدم عليه السلام إلى آخر مُوحِّدٍ على الأرض : أن الغاية العظمى والكبرى والنهائية من وجود الإنسان هي : تحقيق العبودية الخالصة لله تعالى.
· فليس لله غرض من الخلْق إلا تحقيق العبودية له وحده سبحانه وتعالى: ) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (.
· وأشرف مقامات العبد وأعلاها : أن يكون عابداً لله, ومن هنا كان السجود من العبد أشرف مقاماته, ولهذا كانت الصلاة أحبَّ العبادات للعُبَّاد, فقد كان يُحبُّها الرسول صلى الله عليه وسلم, ويكثر منها حتى تتفطَّر قدماه.
· ولقد كتب الله تعالى العبودية على كلِّ ما سواه من المخلوقات، مهما كان شرف مقامها, فالألوهية واحدة لا تتعدد, هي ألوهية الله تعالى, وأما العبودية فهي في كلِّ ما سوى الله جل جلاله.
· فليس في هذا الكون الفسيح شيء من أجرامه الكبيرة أو الصغيرة , العظيمة أو الحقيرة إلا وهي عابدة طائعة خاضعة لله.
· وليس في هذا الكون من دابة إلا وقد هداها الله إلى منهج عبادة تناسبها من: السجود والتقديس والتسبيح.
· ولم يخيِّر الله من المخلوقات إلا الثقلين: الجنَّ والإنس, حين زوَّدهم بالعقل ، وحرية الإدارة في أن يختاروا لأنفسهم ما شاءوا ، ضمن مشيئة الله تعالى .
· فمن اختار العبودية منهم كان من أشرف المخلوقات وأرفعها قدراً, ومن تمرَّد على العبودية كان أرذل المخلوقات وأحقرها.
· يقول الله تعالى: ) لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا (.
· أيها المسلمون: إن صور الخروج عن العبودية لله تعالى كثيرة,
إلا أن هناك صوراً قد تخفى على بعض الناس, وكثيراً ما تقع.
· من هذه الصور: اعتقاد بعض الناس أن جزءاً من حياة الإنسان
لا دخل لله تعالى فيه, كأن يقول: لا دخل للدين في الاقتصاد,
لا دخل للدين في السياسة, لا دخل للدين في الاجتماع, لا دخل للدين في التربية وهكذا, وقد نسيَ هؤلاء أن الدين هو الوحي, وهو إرادة الله من عباده.
· فإذا لم يحكم الله الاقتصاد والسياسة والتربية والاجتماع: فإن آلهة أخرى سوف تحكم من دون الله, وعندها يكون الخروج عن العبودية.
· إن الذي يريد أن يُقصي الدين عن بعض أجزاء الحياة فليخرج عن ملك الله تعالى فلا يتنفس من هوائـــــه ، ولا يشــــــرب من مائه ، ولا يسكن في أرضه.
· إن كلَّ ما في هذا الكون هو من مخلوقات الله, بمعنى أنه المالكُ لها, وهذا يستلزم أن يكون وحده هو المتصرف فيها دون سواه.
· ) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (.
· فإذا كان هو سبحانه خالق كلِّ شيء فليس للمخلوقات خيار سوى أن تعبده بكمال الخضوع والذل دون اعتراض أو تمرد.
· ومن صور الخروج عن العبودية: رفض بعض الوحي, كرفض آية من القرآن, أو حديث صحيح من السنة, بمعنى أنه لم يعد عند الشخص احترام أو تعظيم للنصِّ الشرعي, فيرده برأيه كما يرد كلام الناس.
· ولابد أن نفرِّق بين من ينظر إلى النص الشرعي ويحاول فهمه مجتهداً في ذلك, وبين من يرده ابتداءً ويعترض عليه.
· وفي أمثال هؤلاء يقول الله عز وجل: ) فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (.
· إن مما يجب أن يُعرف أن النصَّ الشرعي هو إرادة الله الشرعية من عباده, فمن آمن به وعمل به فقد قام بالعبودية لله تعالى, ومن رفضه فقد خرج عنها ليعبد الشيطان, أو هواه, أو آلهة أخرى.
^ ^ ^
· أيها المسلمون: إن الاعتقاد بأن جزءاً من الحياة لا دخل لله فيه هو فكرة نصرانية, حين حصر النصارى سلطان الله في الكنيسة دون باقي الحياة.
· والمسلم يعتقد أن الحياة بأكملها, جزئياتهــا وكلياتها لله تعالى وحده: ) قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِـي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِــينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(, فليس شيء في الكون إلا وهو لله تعالى وحده, ومن زعم غير ذلك فقد خرج عن العبودية.
· والمسلم لا يخرج عن العبودية إلا بالرِّدة فقط, فإن المعصية لا تخرج المسلم عن العبودية مادام يعتقد بحرمة معصيته وخطئه.
· وإنما يخرج من العبودية حين يستحل المعصية, ويستبيح ما حرَّم الله, أو يُحرِّم ما أحل الله.
· أيها المسلمون : إن العباد بين اثنين لا ثالث لهما: إما أن يحكمهم الله تعالى بشريعته, وإما أن تحكمهم آلهة أخرى, فإما حكم الله وإما حكم الطاغوت, والاشتراك بينهما مرفوض ؛ فإن دين الله تعالى لا يقبل الشِّرْكة, فهو أغنى الشركاء عن الشرك.
· والمسلم حين يعبد الله ينتظم مع باقي المخلوقات في هذا الكون ويتناغم معها, وحين يخرج عن العبودية يشذُّ عن نظام الكون ويفارق باقي المخلوقات.
· هذه صورة العبودية الحقة لله تعالى لمن أراد أن يكون عابداً له سبحانه وتعالى.