الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الروحية @ 13ـ مهالك الغافلين
· تكثر مشاغل الإنسان في هذه الحياة, وتتراكم عليه متطلبات العيش, وتتنوع حاجاته: فينشغل بها.
· فترى كثيراً من الناس يدورون في عجلة الحياة ومشاغلها وحاجاتها لا يُفيق أحدهم لنفسه, من شغل إلى شغل.
· فمن الناس من يعمل طول يومه لا يُفيق إلا في المساء لراحة بدنه, فما يلبث إلا قليلاً ثم يعود مرة أخرى لعمله.
· ومن الناس من لا يكون له شغلٌ، وإنما هي الهموم المتراكمة قد شغلته عن نفسه, فلا يُفيق منها, من همٍ إلى همٍ.
· ومن الناس من ليس له شغل جاد إنما هي التسلية, والتنزُّه والتفرج, ليس له همٌ إلا قتل الوقت باللهو واللعب.
· ومن الناس من ملأ وقته بالجريمة: من تعاطي المخدرات, أو ملاحقة الفتيات, أو العكوف على وسائل الإعلام المفسدة.
· فالكلُّ قد ملأ وقته بشيء ما, والكلُّ منشغل بما هو فيه, والغالب مقتنع بما هو فيه من الشغل.
· لقد نسيَ هؤلاء جميعاً أنهم يعيشون حالة الابتلاء والاختبار, يعيشون ضمن المهْلة التي أمهلهم الله تعالى.
· لقد غفل هؤلاء بمشاغل الحياة الدنيا عن الحقيقة الكبرى, حقيقة أنهم يعيشون في ابتلاء واختبار, كلُّ شيء قد سُجِّل عليهم ، في صحائف لا تغادر صغيرة ولا كبيرة .
· كما قال الله تعالى: ) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (.
· فأنت أيها المكلَّـف موقع نظر الله تعالى ورســـــــــله الكرام الكاتبـــــين, لا يخفى على الله من أمرك شيء, ) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (, ) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ (.
· نعم أيها المكلَّف أنت في المهْلة ، ينظر الله تعالى ماذا تصنع في خلْوتك حين تكون قد أحكمت إغلاق الأبواب والنوافذ.
· إنك تحت نظـــــر الله تعالى حين تكون في عملك ، تعطي الحقــوق أم تمنعها, إنك تحت نظره سبحانه وأنت في متْجرك تصدق في بيعك وشرائك ، أم تخون وتغش.
· إنك تحت نظر الله تعالى في بيتك مع أهلك وولدك, هل تعمل فيهم بأمر الله أم تخونهم ، وتهمل واجبك فيهم.
· أيها الإنسان لا يغرَّنك الشباب, فعمَّا قليل يذهب الشباب ويبدأ الشيب, وها هي المنايا تتخطف الشباب من بين ركام الحديد في حوادث السيارات القاسية المؤلمة.
· لا تغرنَّكَ صحة البدن, فها هي المستشفيات قد مُلئت بمن كان صحيحاً في بدنه مثلك, معافاً في جسده, ثم هو صريع المرض على الأسرَّة البيضاء.
· احذر أخي المسلم من أن تكون ممن يُقال له: ) لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (.
· احذر من أن تكون ممن يقول يوم القيامة: ) يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (.
· واعلم أن الله لا ينام, ولا ينبغي له أن ينام, وهو للظالمــين بالمرصاد: ) وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء (.
· أخي المسلم : إن الشخص الغافل هو أبعد ما يكون عن الله تعالى, وبقدر غفلته يكون بعده من الله تعالى ورحمته.
· لا تقل هذه اليقظةُ مطلوبةٌ من العلماء أو من المتدينين, بل هي مطلوبةٌ من كلِّ مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر, يرى أنه ملاقي الله يوماً ما، خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سفر فنزل ببعض الطريق, فمرَّ بهم راعي غنم, فقال له عمر : » بعني شاةً من هذه الغنم ؟ فقال: إني مملوك, فقال عمر: قل لسيِّدك أكلها الذئب, قال : فأين الله ؟ فبكى عمر, وأعجبه شأن المملوك ، فاشتراه وأعتقه وقال: أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة, وأرجو أن تُعتقك في الآخرة «.
^ ^ ^
· أخي المسلم : إن كثرة الغافلين ليست عذراً أن تكون منهم ؛ فإن الله تعالى يقول: ) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ(، فغالب الناس على غير هدى.
· فليس العجب فيمن هلك كيف هلك فما أسهل السقوط, ولكن العجب فيمن نجا كيف نجا, فما أصعب الصعود.
· أما يستحي أحدنا وهو قابع في غفلته يسبقه مدمن المخدرات, والمغني, والراقصة, والكافر حين منَّ الله عليهم بالهداية والاستقامة، بعد أن كانوا في الضلالة والغواية.
· ولقد رأينا في القديم والحديث من سفلة الناس ومن أراذلهم كيف انتشلهم الله تعالى بفضله ورحمته من الضلال إلى الهدى، ومن الظلمات إلى النور.
· أترضى أخي المسلم أن يسبقك مُدمن المخدرات بعد توبته إلى جنات النعيم, أترضى أن تسبقك الراقصة التائبة إلى الطاعات, فتأتي يوم القيامة بأكثر مما جئت به, أترضى أن يسبقك المفحِّط التائب وأنت قابع في مكان لا تتقدم.
· لا تقل هذا قضاء الله عليَّ لتتفلَّت من واجبك , فلو قدَّر الله عليك أن تكون من الأشـــقياء فالأولى لك أن تبكي على تعاستك حتى تلقى الله تعالى.
· يقول الله تعالى في الحديث القدسي: » يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها, فمن وجد خيراً فليحمد الله, ومن وجد غير ذلك فلا يومنَّ إلا نفسه «.
· اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك, ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم نعوذ بك من غنىً يطغينا, أو صحة تُلْهينا, ، اللهم نعوذ بك من الغفلة والغافلين, ومن الفجور والفاجرين, ومن الظلم والظالمين.