الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الإيمانية @ 16ـ مصيبة الموت وحال السلف
· حقيقة كبيرة, ومسألة عظيمة: حارت فيها العقول, وطاشت فيها الأذهان, وعَجَزَت أمامها الأفهام، وانقطعت عندها المدارك،
لا يعرف أحدٌ من الأحياء حقيقتها.
· إنها حقيقة الموت, إنها مصيبة الموت, لا يعرفها على الحقيقة إلا من ذاقها, لا يعرف الناس من الموت إلا أنه يذهب بالحياة، ويُهلك الأبدان.
· أيها المسلمون: إن الموت خطر عظيم، وفتنة وذهول وهول, وتجربة فريدة لا يعرفها الأحياء، ولكن لابد لهم منها، في يوم قادم.
· قال الله تعالى: ) كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ (, وقال أيضاً : ) أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ (.
· لقد فعل الموت فعله في نفوس السلف, فقد كان يقلِّلُ الكثير, ويُكثِّر القليل, وينغِّص الفرح, ويُسلِّي الحزين.
· رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة جنازة فقام لها, فقالوا: إنها جنازة يهودية, فقال: » إن الموت فزع، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا «.
· وقد كان السلف يهابون الموت، وليس ذلك لحبِّ الدنيا، ولكن لهول المطلع, وخوف الفتنة, وعدم الثبات عند السؤال .
· لما احتُضــر أبو هريرة رضي الله عنه بكى ، فقيـل: ما يُبكيــك؟ فقال: » ما أبكي على دنياكم هذه ، ولكن على بُعْد سفري وقلَّة زادي, فإني أمسـيت في صعود ومهبطـه إلى جنة أو نـار, فلا أدري إلى أيهما يُؤخــذ بي «.
· ولما حضر الموت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بكى، فقيل:
ما يبكيك ؟ فقال: » تذكَّرت سعد بن معاذ، وضغْطَةَ القبر «.
· وهذا إبراهيم النخعي لما حضره الموت بكى، فقيل: ما يبكيك ؟ قال: » انتظر ملك الموت، لا أدري بالجنة يبشرني أم بالنار «.
· أيها المسلمون : لقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ذكر الموت, حتى لا ينسى الإنسان ما أمامه, فتستهلكه الحياة الدنيا ، وتَشْغَله عن الحقيقة ، فكان يقول: » أكثروا من ذكر هاذم اللذات ، فإنه ما ذكرَهُ أحد في ضيق إلا وسَّعه, ولا ذكرهُ في سعة إلا ضيَّقها عليه «.
· ولما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكيس الناس، وأحزم الناس قال: » أكثرُهم ذكراً للموت, وأكثرهم استعداداً للموت, أولئك الأكياس, ذهبوا بشرف الدنيا، وكرامة الآخرة «.
· وكان السلف يأخذون بنصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكثرون ذكر الموت، حتى قال قبيصةُ عن سفيان الثوري: »ما جلست مع سفيان الثوري مجلساً إلا ذكر الموت, وما رأيت أحداً كان أكثر ذكراً للموت منه «.
· وكان سعيد بن جُبير يقول: » لو فارق ذكر الموت قلبي لخشيتُ أن يفسد عليَّ قلبي «.
· وكان ذكر الموت عند السلف يفعل فعله فيهم؛ فقد قال الحسن البصري : » فضح الموت الدنيا ، فلم يترك فيها لذي لبِّ فرحاً «.
· وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: » من أكثر من ذكر الموت : قَلَّ فرحُهُ ، وقلَّ حسدُهُ «.
· ولهذا كان بعض السلف إذا ذكر الموت اضطرب, فقد كان
· وكان الحسن بن صالح إذا قيل له صف لنا غسْل الميت لا يستطيع من كثرة البكاء.
· وكان الإمام أحمد بن حنبل إذا ذكر الموت خنقته العبرة, وكان يقول: » الخوف يمنعني الطعام والشراب «.
· قام
· أيها الإخوة : هذا حال السلف فما هو حال الخلف, بل ما حالنا مع الموت والاستعداد له؟
· قصَّةٌ من الواقع: كان لنا صديق صالح يتبرع بإدخال أقاربه وأصدقائه قبورَهُم, وكان يُكثر من ذلك رغبة في الخير ورقَّة القلب، وفي ذات يوم شاركَه أحد أقاربه في إدخال ميت لهم قبره, فقال له قريبهُ يداعبه في هذا الموقف المؤثِّر: » كم تأخذ على الرأس «؟
· أيها الإخوة : إن الذي لا تهزُّهُ آيات القرآن ولا خبر الموت فلو تناطحت أمامه الجبال، وتراقصت بين يديه، فإنَّه لن يتأثَّر بشيء ، حتى يحضرهُ ملك الموت.
· أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ) حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (.
^ ^ ^
· أيها المسلمون : الموت حقيقة لابد منها, وأمر لازم لكلِّ حي لا مفرَّ منه, فلماذا الغفلة والتسويف والتناسي .
· فماذا ينتظر أبناء الستين والسبعين ؟ بل ماذا ينتظر أبناء الأربعين والشباب ؟ فإن الموت لا يميِّز بين صغير ولا كبير.
· الدنيا عَرَضٌ زائل كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: » ما الدنيا في الآخرة إلا مثلُ ما يجعل أحدُكم إصبَعَهُ في اليم فلينظر بم يرجع «.
· أيها المسلمون : لابد من الصبر عند نزول الموت ، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: » المؤمن بخير على كلِّ حال، تُنزع نفسُهُ من بين جنبيه وهو يحمَدُ الله عز وجل «.
· وإذا نزل الموت ببعض أهله أو أحبابه كان الصبر عند الصدمة الأولى, والرضى بقضاء الله وقدره.
· وذكر المصيبة بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم : يخفِّف المُصاب؛ فإن مصيبتنا فيه أعظم المصائب.
· وأما شق الجيوب والجزع والسخط فإن ذلك من أمر الجاهلية الممنوع.