الصفحة الرئيسة @ المقال الشهري @ التربية على تحمُّل المسئولية الاقتصادية


معلومات
تاريخ الإضافة: 1/12/1434
عدد القراء: 4580
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

مقال شهر ذي الحجة 1434هـ

التربية على تحمُّل المسئولية الاقتصادية

           الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيِّد المرسلين ، نبينا وسيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد .. فإن التكاليف الشرعية مسئوليات منوطة بالإنسان ، فما إن يبلغ الإنسان الحلم ، أو يتمَّ الخامسة عشرة من عمره ، حتى يغدو مسئولاً عن قائمة من الفروض والواجبات والمسئوليات الشرعية ، التي تدخله عالم الكبار البالغين ، وتُؤهِّله للانطلاق في الحياة ، كما انطلق آباؤه من قبل ، وكما هي سنَّة الحياة البشرية .  

          ولما كانت التكاليف الشرعية مسئوليات المكلَّفين ، فإن الطفل لا يُولد عارفاً بالمسئولية ، ولا واعياً لها ، فهي ليست معارف فطرية أوَّليَّة يجدها الطفل في نفسه ، دون أن يُبتدأ بها في الوسط الاجتماعي ، فهي علوم ومسالك ومهام ، يتلقاها الطفل من المربين من حوله ، على نهج التدرُّج التربوي ، الذي يأتي أصلاً أصيلاً في منهج التربية الإسلامية ، فيتناول الصغير خطوة خطوة ، فيعالجه بالتلقين تارة ، وبالتدريب تارة ، وبالإيحاء تارة أخرى .

         وقد لاحظ المربون أن أفضل وقت لتدريب الطفل على تحمُّل المسئولية ، هو عندما يُقبل عليها بنفسه ، وذلك حينما يشعر المربي الفطن أن الطفل قد أصبح مستعدًّا لتلقي التدريب على تحمُّل بعض المسئوليات ، فعندها يبادره ببعضها ، متدرِّجاً في ذلك ، ومبتدئاً معه بصغار المسئوليات قبل كبارها ، وبالأسهل منها قبل الأصعب ، وباليسير قبل العسير ، وبالواجب – الذي هو صائر إليه - قبل المستحب ، وبالفرض اللازم قبل النفل ، على أن يحذر المربي من الإفراط في تحميل الطفل المسئوليات ، حتى وإن أبدى قبولاً لذلك ، فهذا قد لا يكون دائماً في صالحه خشية السآمة والملل ؛ إذ هو كائن غير مكلَّف ، فيحتاج إلى أن يعيش شيئاً من حياته مرفَّهاً دون تكاليف ، لا سيما في المرحلة ما قبل تمام السابعة من عمره ؛ لأن الصلاة – وهي أعظم الفروض – لا يُدعى إليها الطفل إلا في السابعة ، فما دونها من الفروض والواجبات أولى بالتأخير .

          ولما كانت المسئوليات والتكاليف الشرعية كثيرة ؛ فإن ما يحقِّق منها – بصورة مباشرة - مقاصد الشريعة الخمسة مقدَّم على غيرها ؛ فحفظ الدين بعقائده وعباداته ، وحفظ النفس بحماية الذات البشرية ، وحفظ العقل بقواه المدركة الفاعلة ، وحفظ النسل باستمراره وضبطه ، وحفظ المال بحمايته وتنميته وتوزيعه ، فكلُّ مقصد من هذه المقاصد الخمسة قد كفلتها الرسالة الخاتمة بجمع من الأحكام التشريعية من : واجبات ، ومستحبات ، ومباحات ، ومكروهات ، ومحرمات ، فالمكلَّفون مخاطبون وملزمون بهذه الأحكام : اعتقاداً وعملاً ، وأما الصغار - دون سن البلوغ – فهم غير مخاطبين بها من جهة التكليف ، وإنما يخاطبون بها من جهة المعرفة والتمرين ؛ لأن التكاليف الشرعية – في نظام الإسلام التربوي – لا تنحطُّ على المكلَّف مرة واحدة عند بلوغه ، وإنما يتلقَّاها قبل ذلك - شيئاً فشيئاً - بالتعليم والتدريب ، عن طريق مؤسسات المجتمع التربوية ، فما إن يبلغ مبلغ الرجال حتى يكون قد وعيَ لها ، ومرن عليها .

           ومن خلال التجربة الواقعية : يُلاحظ الناظر انخفاض درجة اهتمام المنهج المدرسي بمقصد حفظ المال ، ضمن ما يُعرف بالتربية الاقتصادية ، في مقابل اهتمام المنهج بمقصد حفظ الدين ؛ بتعليم العقائد والعبادات ، رغم التصاق القضية المالية بمصالح الطلاب المباشرة ، وارتباطهم بها منذ الطفولة ، وتصريح الشرع الحنيف بضبط ذلك من جهتهم ، بابتلائهم للوقوف على معرفة ضبطهم ، قبل تمكينهم من حقوقهم المالية .

          ولا يكفي في هذه القضية مجرَّد الحديث في المنهج المدرسي عن بعض أحكام الزكاة وأنصبتها ، دون تناول المسألة الاقتصادية بشيء من شمول الوعي المعرفي ، من الوجهة التربوية .

            وليس في هذه اللَّفتة - نحو المسألة الاقتصادية - تقليل من أهمية التربية على المقاصد الأخرى ، وإنما هي محاولة لإدماج المسألة الاقتصادية ضمن اهتمامات المنهج المدرسي بصورة أساسية ؛ بحيث تنال جميع المقاصد الخمسة حظَّها المناسب من المنهج ، فتقدَّم للطلبة في جرعات علمية وتدريبية ، عبر سنوات التعليم العام ، فيخرج الطالب مؤسَّساً – بصورة عامة - من جهة المقاصد ، ثم يترك – بعد ذلك - للمرحلة الجامعية أبواب التفصيل والتوسُّع .

          ويمكن هنا وضع قائمة علمية للأفكار الرئيسة في المسألة الاقتصادية ومسئولياتها ، مما يقترح تعليمه للطلبة من الأطفال والبالغين ، وتدريبهم عليه في مراحل التعليم العام ، مما يعدُّ تأسيساً لهم في هذا المجال الحيوي ، بحيث تصاغ هذه الأفكار المقترحة من جديد ، ضمن قوالب تربوية وعملية تناسب الصغار والمراهقين والشباب ، حسب المرحلة التعليمية ، وذلك على النحو الآتي :

أولاً : عناصر التربية الاقتصادية لطفل التعليم العام :

1)   ربط جميع الأنشطة الاقتصادية بالغاية الربانية في نهج العبودية لله تعالى .

2)   التعرُّف على شيء من أحكام المال ، وما يتعلَّق به من الحقوق الشرعية .

3)   الوعي بأهمية الثروة الاقتصادية ؛ لكونها أساس النهضة التنموية .

4)   التعرُّف على عناصر القضية الاقتصادية : الكسب ، والإنفاق ، والاستثمار ،  والادخار .

5)   التربية على ذم البخل والبخلاء ، وتقبيح صنيع المانعين للحقوق المالية .

6)   تدريب الطفل على النفقة على نفسه ، والإسهام بالنفقة الرمزيَّة في عمل الخير .

7)   التعرُّف على مهارات حفظ المال ، من خلال : رعايته ، وتنميته ، واستثماره .

8)   التنفير من مسالك الإسراف والتبذير ، وسوء التدبير المالي .

9)   الوعي بقانون الاقتصاد : وهو التوازن بين الدخل والإنفاق .

10)  الاهتمام بالادخار في أصغر وحداته المالية ؛ باعتباره الفرق بين الدخل والإنفاق .

11)  الوعي بحق العيش الطيب ضمن حياة اقتصادية كريمة .

12)  التعريف بحقوق الطفل المالية على : الأسرة ، والمجتمع ، والدولة .

13)  الوعي بحق الطفل في التفرُّغ للتعلُّم ، واكتساب المعرفة ، والمهارات العلمية .

14)  الوقوف على شيء من المظالم الاقتصادية الواقعة على ضعفاء المجتمع .

15) الوعي بحقِّ الأنثى في ترك الكسب ؛ لأن نفقتها على من يعولها .

16)  تخصيص الإناث بمزيد رعاية ووعي اقتصادي ، باعتبارهن أكبر وأكثر المستهلكين .

ثانياً : عناصر التربية الاقتصادية لشاب التعليم العام :              

1)   ذم البطالة والفراغ في كلِّ صورهما ؛ لكونهما أشر الشر في حقِّ الشباب .

2)   الحرص على تعلُّم أنواع مهارات الكسب المالي المشروع .

3)   التربية على احترام حرف السوق اليدويَّة بكلِّ أنواعها المشروعة .

4)    التدريب على حرفة من حرف سوق العمل المشروعة ، والسعي في إتقان أدائها .

5)   التشجيع على خوض أسواق العمل ، لا سيما في فترات الإجازات الصيفية .

6)   احترام برامج التدريب المهني الخاصَّة بتأهيل الشباب لأسواق العمل .

7)   الوعي بأهمية مشاركة الكبار في حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والأسرية الجادة .