الصفحة الرئيسة @ المقال الشهري @ ما هي أسباب سقوط العالم الإسلامي
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد فإن طرح مثل هذا السؤال لا يستهجن ، بل هو من الواجبات التي لا بد أن تتكرر على مسامع المسلمين في وقت غفلتهم لعلهم يستيقظون لواقعهم، ويراجعون دينهم.
أما أسباب سقوط العالم الإسلامي فإن الحديث عنها يطول، فالأسباب كثيرة ومتعددة، إلا أنه يمكن إجمالها بصورة مختصرة في أن الأمة لم تعمل بدينها الحق ظاهراً وباطناً كما أمر الله تعالى، فما آلت إليه أحوالها هو نتيجة طبيعية وحتمية لتفريطها في دينها الصحيح الذي منَّ الله به عليها، وأتحفها به دون سائر الأمم الأخرى.
ثم إن واقع الأمة المعاصر المحفوف بالتخلف والانهزام والتبعية: يُعتبر من أعظم وأقوى الأدلة على صحة دين الإسلام، وسلامته من التحريف، وكماله وجماله، فلو قدر أن تفوَّق المسلمون، وحصل لهم التقدم الحضاري المنشود وهم على تفريطهم هذا في دينهم: لكان ذلك أعظم دليل على فساد دينهم وتحريفه وضياعه، ولشابهوا -في وضعهم هذا- حال النصارى الذين ما تقدموا، ولا حصل لهم التفوق الحضاري المادي إلا بعد نبذهم وإعراضهم عن دينهم المحرف إلى المادية والإلحاد، ضمن سنة الله تعالى فيمن نسي دينه، وأعرض عنه رافضاً له: أن يفتح عليه أبواب كل شيء.
إن أمة الإسلام ما دام أنها تعلن أنها مسلمة، في الوقت الذي لا تطبق فيه إسلامها بصورة صحيحة، فلن نتوقع لها أيَّ تقدم حضاري صحيح متفوق -مهما حاولت- حتى تراجع دينها، وتأخذه بقوة، وتعمل به ظاهراً في سلوكها، وباطناً في معتقداتها، أوحين تنبذه بالكلية جهاراً دون مواربة، وتعلن بوضوح أنها أمة ليست إسلامية، وتفعل بدينها ما فعله النصارى بدينهم، فعندئذٍ يجري على أمة الإسلام ما جرى على النصارى حين نبذوا دينهم فتقدموا، حيث تجري عليهم سنة الله التي لا تتخلف: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} [الأنعام:44] فيحصل لهم التقدم الحضاري المادي بقدر جهدهم، ولكن لن تفوتهم سنة الله في أمثالهم وأشباههم: {حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً} [الأنعام:44].
إن مسلك النفاق المذموم لا يمكن أن يكون مصدراً لعزة المسلمين، فإن المنافق لا يكون سيداً أبداً، فقد ضرب الله على المنافقين الذل والصغار إلى يوم القيامة، حتى وإن ظهر للمنافقين شيء من السلطان فهو في ذل وهوان لا ينفك عنه، وإلا فكيف يعز الله من عصاه؟
وأمة الإسلام اليوم -للأسف- تسلك مسلك النفاق، فتعلن أنها مسلمة، وأنها متمسكة بدينها، في الوقت الذي تخالف دينها بصورة صارخة واضحة، فهذا المسلك لا يمكن معه الخروج من أزمات المسلمين المتلاحقة، بل سوف تبقى الأمة تعيش في حلقات مفرغة من المحاولات اليائسة للخروج من أزماتها، يلاحقها الإخفاق من كل مكان، حتى تراجع دينها، وتأخذه بقوة، إيماناً واعتقاداً، وعملاً وتطبيقاً، وعندها تبشر بنصر الله تعالى وتمكينه، وفتح الله عليها من كنوز السماوات والأرض -كما وعد- ويلهمها مخارج جديدة، وأسباباً مبتكرة لتجاوز أزماتها، والخروج من اختناقاتها: إلى النهضة الحضارية الشاملة.