الصفحة الرئيسة @ المقال الشهري @ دور المرأة في العملية التنموية
عدد القراء: 3612
مقال شهر جمادى الآخرة 1433هـ
دور المرأة في العملية التنموية
الحمد لله ، والصلاة والسلام على خير خلق الله ، نبينا وحبيبنا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد.. فإن العملية التنموية - بأبعادها المختلفة والمتنوعة – تشغل أذهان المفكرين والسياسيين والاقتصاديين ، وما تزال المسألة التنموية محطَّ اهتمام المجتمعات عامة ، ومجتمعات العالم الثالث خاصة ، لا سيما في هذا العصر الذي تبوأ فيه الاقتصاد موقع الصدارة بين عناصر القوة والتأثير .
ويأتي العنصر البشري ليحوز الموقع الأهم والأكبر في العملية التنموية ؛ فالإنسان هو الأساس في جهود التنمية : عطاؤه الفكري ، وإبداعه العلمي ، وأداؤه العملي ، فرغم أن فئة الشباب تحتل بؤرة التنمية ، ومركز النهضة ، فيشاركون رجال المجتمع في القيام بأعباء النهضة ، والاضطلاع بمسؤوليات التنمية ، إلا أن العنصر النسائي يبقى هو العنصر الأهم والأعظم والأخطر ، فما تزال أدوار النساء منذ أول الدهر هي الأكبر في العملية الاقتصادية ؛ إذ عليهن تقوم مهمة صناعة الإنسان : إنجابه ورعايته ، وهما مهمتان ضروريتان لا تقدَّران بثمن ، وقد جاء في الحديث النبوي ما يشير إلى هذه المكانة التي قد يغفل عنها الناس ، بل ربما غفلت عنها المرأة نفسها ، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن للمرأة في حملها إلى وضعها إلى فصالها من الأجر كالمتشحِّط في سبيل الله ، فإن هلكت فيما بين ذلك فلها أجر شهيد ) .
والخلافة في الأرض - التي كُلِّف بها الإنسان - لا تتحقق على الوجه الذي أحبه الله لعباده إلا بأمرين لابد منهما معاً :
الأمر الأول : وجود الإنسان بتكثير نوعه ، وإعداده للحياة ، وهذه مهمة أنثوية بالدرجة الأولى ، لا تُنازع فيها المرأة ؛ فدورها في هذه المهمة مركزي ، في حين يتراجع دور الرجل فيها ليكون جزئياً محدوداً.
الأمر الثاني : عمارة الأرض بإصلاحها ورعايتها ، وهذه مهمة ذكورية بالدرجة الأولى ، ودور الرجل فيها مركزي ، في حين يبقى دور المرأة فيها جزئي ، يشبه دور الرجل الجزئي في العملية التناسلية والتربوية .
ولما كانت الطبيعة الفطرية في العملية التناسلية قد منحت المرأة – بإذن الله - الإنفراد – شبه الكامل - بمهمة تكثير النوع ، من خلال أجهزة عضوية ، لا يُتصور الاستغناء عنها بحال ؛ فإن هذه الطبيعة نفسها لم تمنح الرجل – في مقابل ما منحت المرأة - حق الإنفراد بمهمة العمارة ، فعلى الرغم من تأهُّل الرجل : جسمياً ، وعقلياً ، ونفسياً ، لمهمة الضرب في الأرض وإثارتها ، وتحمُّل أعباء معاناة العمارة ومشاقِّها ؛ إلا أنه لا يملك أجهزة عضوية محددة تمنحه حق الإنفراد وحده بمهمة العمارة كحال المرأة حين انفردت بالمهمة التناسلية .
وهذا الوضع الفطري سمح للمرأة بالتسرُّب إلى ميدان الرجل ، ومنازعته سلطانه ، في حين يعجز الرجل بالفطرة ويستحيل عليه التسرُّب إلى ميدان المرأة ، فما يزال مكانها في العملية التناسلية شاغراً لها وحدها ، تشغله متى شاءت .
وعلى الرغم من هذا الواقع الطبيعي الذي تمكَّنت فيه المرأة من العملية التناسلية ، إلا أن الرجل – في مقابل هذا- تمكَّن هو من المرأة بذاتها ، مستغلاً لها حين تسرَّبت- مختارة أو مكرهة- إلى ميدانه ؛ فما تزال المرأة خادمته في الفندق ، ونادمته في الملهى ، وسكرتيرته في المكتب ، ومسوِّقة منتجاته في السوق ، ورقيقه عند غُلْمته .
ولهذا تشير الإحصاءات العالمية إلى توافر أعداد النساء العاملات بصورة كبيرة في المهن الخدَمية ، وفي القطاعات المحدودة الدخل ، وفي الوظائف المؤقتة ، وهو واقعٌ استغلاليٌ واضح في حق المرأة .
وبناء على هذا الواقع العلمي لا تُنصح المرأة بالانخراط في العمل المؤسسي في القطاع الخاص ، الذي يخضع لأنظمة إدارية صارمة ، وأداء ميدانية ممنهج ، وَفق معايير رأسمالية جشعة ، هدفها الأوحد هو تحقيق الربح المالي ، فلا يحترم – في انطلاقته المادية المسعورة- خصوصية المرأة وحاجاتها ، ولا يراعي طبيعتها الفطرية ، ولا يحترم – في كثير من الأحوال – إنسانيتها ، ولهذا كثيراً مال تميل النساء العاملات في دول الخليج خاصة إلى العمل في القطاع الحكومي ؛ لكونه ألطف بالمرأة في مراعاة طبيعتها ، وأضمن لحقوقها المالية والإدارية .
ولعل أعظم وأوسع ميدان تنموي يمكن للمرأة المشاركة فيه ، دون عوائق ، ولا استغلال ، ولا مظالم ، ولا حرمان : هو ميدان الصناعات والإنتاج المنزلي ، الذي لا يخضع لأنظمة إدارية قاهرة ، ولا لآليات رقابية صارمة ، وهذا باب واسع من مجالات العمل والإنتاج ، يصعب حدُّه بنوع أو مجال ، بدءاً من صناعة الأطعمة ، وانتهاء بصناعة الإلكترونيات وقطع الغيار الصغيرة ، ضمن ما يسمى بالمشروعات الصغيرة .
وقد كان هذا النوع من الصناعات هو الأساس إلى عهد قريب قبل الثورة الصناعية ، ويمكن إحياؤه من جديد بتطوير الآلة المنزلية لتنافس آلة المصنع ، إضافة إلى أساليب العمل عن بعد ، التي تتيح للنساء فرصاً كثيرة للعمل والكسب .
وأما قطاع الثروة الزراعية ، وما يلحق بها من الثروة الحيوانية الداجنة ؛ فهذا أرحب ميادين المرأة منذ أحقاب الزمان ، تعمل فيه لحساب نفسها في حقل أهلها ، وما تزال النساء هن الأساس في هذا القطاع التنموي ، لا سيما وأن غالب النساء في العالم لا يزلن يسكن الأرياف .
