الصفحة الرئيسة @ المقال الشهري @ أهمية تربية الفتاة المسلمة


معلومات
تاريخ الإضافة: 3/12/1427
عدد القراء: 9325
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

إن إعداد المرأة المسلمة وفق تصورات الإسلام ومفاهيمه ومبادئه، وتزويدها بالعلم النافع، وتربيتها على العمل الصالح، مسؤولية المجتمع المسلم، الذي يؤمن بالإسلام منهجاً متكاملاً للحياة، والمرأة المسلمة تمثل نصف المجتمع المسلم تقريباً، والاهتمام بتربيتها لا يقل أهمية عن الاهتمام بالرجال أو الأطفال، فهي مربية النشء، ومسؤولياتها في المجتمع المسلم تُعد من أهم وأخطر المسؤوليات، فبقدر إيمانها وتمسكها بالمنهج الإسلامي يكون انضباط سلوكها في الحياة، وبناء عليه يكون حجم إنتاجها في ميدان التربية والتعليم ناجحاً، ومحققاً لآمال الأمة وتطلعاتها.

وتُعد مرحلة الفتوة والشباب في سن المرأة من أهم مراحل حياتها، فهي مرحلة الإنتاج، والعطاء ، والنماء في جميع ميادين الحياة، فالشباب أخصب مراحل البشرية التي تشمل جميع جوانب النشاط الإنساني، فعنصر الشباب في أية أمة يعتبر المصدر الأساسي لنهضة هذه الأمة ومعقد آمالها، والدرع الواقي الذي تعتمد عليه في الدفاع عن كيانها، والذود عن حياضها، وفي تحقيق أهدافها، وشباب أية أمة يمكن أن يعتبر المرآة الصادقة التي تعكس واقع تلك الأمة، ومدى نهضتها وتقدمها، والدليل الذي يمكن أن يعتمد عليه في التنبؤ بمستقبلها، يقول الشيخ محمد قطب: "إن مرحلة الشباب الباكر أشد حاجة إلى الرعاية لأنها مرحلة تكوِّن الثمرة المؤدية إلى النضج، وما لم تتعهد الثمرة فإن جهد الغرس كله يمكن أن يضيع".

ومما يشير إلى أهمية هذه المرحلة في حياة الإنسان: أنها مرحلة بداية تكليف الإنسان، فقد أجمع العلماء على أن بلوغ الحلم بداية التكليف، وقد نصَّ رسول الله r على ذلك فقال: ((رُفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل))، فدل الحديث على أن بداية التكليف هي بداية مرحلة الشباب وبلوغ الحلم، مما يؤكد أهمية هذه المرحلة وخطورتها » .

كما أن مرحلة الشباب والفتوة قد خُصَّت بمزيد سؤال يوم القيامة دون المراحل الأخرى من عمر الإنسان، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسئل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم)).

والفتاة المسلمة اليوم مستهدفة من أعداء الإسلام الذين يتربصون بها لإفسادها، ومن ثم إفساد الجيل الذي تشرف على تربيته، فيخرجون من الأفكار الجديدة، والدعاوى الفاتنة ما يغرون به الفتاة؛ لتنخلع من ثوب الإسلام، وتنفك عن شريعة القرآن. وقد حذَّر رسول الله r من خطر فساد المرأة، وأنه من أضر الفتن فقال: ((ما تركت بعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء))، وقال أيضاً: )) إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء (( ، فهاتان الروايتان توضحان خطورة انحراف المرأة عن السلوك الإسلامي، وأنها تكون بانحرافها  فتنة للرجال تفعل فيهم فعل المفتونين بالدنيا.

وقد جاء في توصية للمؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي ما نصه: "يوصي المؤتمر بوضع نظام مبني على أسس علمية مدروسة لتعليم البنات يقوم على استقلال الدراسة في كل مراحل التعليم ويُراعى فيه ما يناسب طبيعة المرأة وما يحتاج إليه المجتمع من خدمات نسوية ويحقق ما يهدف إليه الإسلام من المحافظة على الفطرة السوية لكل من الرجل والمرأة والمحافظة على الأسرة والأخلاق الفاضلة ويعمل على مراعاة التخصصات الوظيفية الفطرية، في ذات الوقت الذي يسعى فيه على نشر التعليم بين النساء على أوسع نطاق لأن طلب العلم فريضة على المسلمين كافة رجالاً ونساءً"، وهذه التوصية تأتي لتدلل على ضرورة إعادة النظر في وضع منهج إعداد الفتاة المسلمة وفق نظام الإسلام التربوي الذي يراعي طبيعتها وحاجاتها، لاسيما في هذا العصر الذي أصبحت فيه مشكلة الانحرافات الخلقية تشكل خطراً محدقاً بالأمة.

ويقول أحد الباحثين من خلال بحث طويل بلغ خمسة أجزاء في مجال المرأة: "وبعد هذا العرض الموجز لنتائج الدراسة أحب أن أؤكد أننا ما زلنا بحاجة للقيام بعديد من الدراسات العلمية إذا  شئنا إعادة تحرير المرأة المسلمة، وإعادة تنظيم مجتمعنا على أساس متين".

ولما كان للإسلام منهجه المتميز الذي تتربى عليه الفتاة المسلمة، فقد أوضحه الله U في كتابه العزيز، وبينه رسول الله r في سنته المطهرة، ومارسه في واقع حياته كما جاء في سيرته العطرة، وأشار إليه بعض علماء الإسلام في مؤلفاتهم.

وقد برز للناس -في العصر الحديث- من الأفكار والمعتقدات والتصورات المنحرفة حول تربية الفتاة وإعدادها ما يُعد سبباً رئيساً في خروج فئات من الفتيات لا يعرفن من الإسلام إلا اسمه، وليس لهن من الثقافة الإسلامية وعلومها ما يُميَّزن به بين الخير والشر، وليس لديهن من التقوى والإيمان ما يعصمهن من الانحراف الخلقي، والوقوع في المخالفات والمنكرات.

كما أن غياب الوعي الإسلامي الصحيح في المجتمع المسلم بدور الفتاة بصورة خاصة، والمرأة المسلمة بصورة عامة أبرز انحرافات كبيرة في سياسة توجيه الفتاة نحو دورها الفعَّال في المجتمع حتى أصبحت مشاركاتها الرسمية في الغناء والموسيقى، وفي مجال السينما والتمثيل، والمشاركات الرياضية الدولية تعد تفوقاً وإبداعاً تستحق عليه التقدير، وتجد من أبناء المجتمع المسلم من يؤيدها على ذلك، كما أن الحجاب -الذي يعد من أهم خصوصيات الفتاة- أصبح نبذة شعار المرأة المتحضرة المعاصرة، إلى غير ذلك من الانحرافات والضلالات التي أصابت كثيراً من الإناث في هذا العصر .

لذا تبدو هناك حاجة ملحة إلى وضع التصورات الإسلامية لإعداد الفتاة المسلمة إعداداً يتناسب مع المتغيرات الاجتماعية الحديثة، التي تُعد من أعظم أسباب انحراف كثير من النساء، ولا شك أن غياب هذه التصورات الصحيحة حول تربية الفتاة يُعيق عمل كثير من المربين الذين يرغبون في تربية بناتهم تربية إسلامية في ضوء الكتاب والسنة؛ لذا يجب على المتخصصين بالدرجة الأولى أن يقوموا بواجبهم العلمي في تحقيق هذه المقاصد الحسنة، ودعم هذا المجال التربوي الحيوي الهام.