الصفحة الرئيسة @ المقال الشهري @ الكفاءة في السن بين الزوجين
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد ... فقد اقتضت إرادة الله تعالى أن يتكاثر النوع الإنساني من خلال التزاوج بين الذكور والإناث ، فركَّب في الجنسين جمعاً من الحاجات الملحة : النفسية والعاطفية والجسدية، التي يستحيل إشباعها بغير الامتزاج الكامل بين ذكر وأنثى، ضمن زواج شرعي ، يحقق لكل منهما حاجته ، ويريح نفسه ، ويشبع رغبته : (هنَّ لباس لكم وأنتم لباسٌ لهنَّ ) ، فيكون من ثمرة ذلك الذرية التي يستمر بها النسل، وتعمر بها الحياة ، ويتحقق من ذلك المقصد الأسمى من مشروعية النكاح .
ولما كانت العلاقة بين الزوجين في غاية العمق والتداخل ؛ بحيث يتخطى كل منهما حواجز النفس والعادة والطبع ليدخل في عمق صاحبه ، ضمن مسافة يستحيل وقوعها بين اثنين من البشر ، بل ولا يجوز ذلك مطلقاً ، مهما كانت متانة العلاقة بينهما، لما كان الأمر كذلك ، جاء الحافز المحرك لهذا التداخل : غريزة قوية وعنيفة ، يصعب تجاهلها ، أو محاولة إخمادها ، حتى إن الرجل الكبير الهرم – رغم معاناته الصحية وعجزه الجنسي – قد يتطلع – في بعض الأحيان- إلى زواج جديد ، يعيده إلى سابق عهده ، ويجدد نشاطه ، وربما تطلَّع إلى بكر دون العشرين ، معتقداً قدرته عليها ، وربما هام بنفسه يتغنى بجماله وقد سقط حاجباه على عينيه ، وانحنى ظهره ، وتجعَّد جلده ، وربما صدر شيء من هذا السلوك الصبياني من بعض القواعد من النساء ، فتتبرج وتخرج عن وقارها ، وتظهر في غير ثوبها ، فتتطلع إلى الشاب من الرجال ، ممن امتلأ حيوية ونشاطاً، ولولا الطبيعة السلبية المتحفِّزة عند النساء لوجد المجتمع العجب من بعض النساء المتشبِّبات .
إن الدافع المحرك لمثل هذه السلوكيات الغريبة في غالبه نفسي وليس بعضوي ؛ فإن النفس الإنسانية لا تشيخ ، ولا يطالها الشيب ، فلا تزال عبر الســنين متوقِّدة متجدِّدة ، ما يزيدها العمر إلا توقُّداً وتجدُّداً ، حتى وإن عجز البدن عن مجاراتها ، وهذا يدل على حجم الدافع الفطري المركب في الجنسين نحو بعضهما البعض ، ووفور قوته ، وشدَّة عنفه .
ولعل هذا ما يفسر ميل بعض الشيوخ في أواخر حياتهم إلى الزواج من الفتيات الصغيرات ، رغم عجز بعضهم الكلي أو الجزئي ، ولا يُنكر – في بعض الحالات –وجود شيوخ في نشاط الشباب ، إلا أن هذا يبقى نادراً ، فالدافع هنا في غالبه نفسي ، فلا تزال النفس الإنسانية شابة في طلب الدنيا ، متطلِّعة إلى مزيد من ملذاتها ، مهما طعنت في السن .
وبناء على ما تقدم من التأصيل النفسي لميل بعض كبار السن للزواج بالفتيات الصغيرات ، ممن قد يصغرهم بعشرات السنين ، فهذه بعض المسائل التي لا بد من مراعاتها في مناقشة هذا الموضوع ، وأخذها في الاعتبار :
ضرورة التفريق بين مشروعية عقد الأب لابنته قبل بلوغها ، وبين زفافها لزوجها قبل أن تكون صالحة للدخول بها ، فالعقد جائز بالإجماع - لاسيما إذا أقرته الفتاة بعد بلوغها- وإنما الممنوع تمكين زوجها منها قبل أن تتأهل صحياً للوطء ؛ فكثيراً ما يحقق العقد المبكر مصلحة مستقبلية للفتاة ، لاسيما إذا حضر الكفء ، فقد يفوتها ولا يعود ، خاصة عند فتيات القبائل المحبوسات لأقاربهن ، فإذا فاتها قريبها ربما تعطلت فلا يتقدم لها أحد من خارج الأقارب ، فلو عُقد لها قبل بلوغها إذا حضر الكفء ، ثمَّ زُفَّت إليه بعد البلوغ : تحققت مصلحتها .
رضا الفتاة البكر بالزواج معتبر شرعاً ، إلا أن يزوجها أبوها ، فله أن ينظر ويختار لها الكفء ، لأنه أدرى بمصلحتها ، كما أن عضْلها عن الكفء المرضي في دينه وخلقه ممنوع شرعاً ، وتصرفات الولي في حق موليَّته مرتبطة بتحقيق مصالحها ، وعدم الإضرار بها ، وإلا نُقلت عنه الولاية - أياً كان - إلى غيره من عصبتها .
الأصل في الأولياء الأمانة وعدم التهمة ، لاسيما الآباء والأجداد ، لما يقع في نفوسهم من العطف الفطري ، والحرص على مصالح أولادهم ؛ ولهذا غالباً ما تُحمل تصرفاتهم على البراءة من المقاصد الرديئة ، حتى يثبت يقيناً غير هذا .
القدرة على الجماع عند الجنسين غالباً ما تسبق القدرة على التناسل بزمن يسير ، فالبلوغ ليس شرطاً في إمكانية حصول الجماع والتلذذ عند المقاربين للبلوغ من الجنسين ، حتى وإن لم يترتب على ذلك حمل ، ومع ذلك فإن استمتاع الزوج بزوجته مشروط بالسلامة ، وعدم الإضرار بها ، صغيرة كانت أو كبيرة ، ضعيفة أو قوية ، وإلا ضمن ما أتلفه منها ، والضرر الذي يمكن أن يصدر من الزوج ليس مقصوراً على الشيوخ وحدهم ، بل هو من بعض الشباب أقرب ؛ لكمالهم الجسمي ، وامتلائهم الشهواني .
إن توسع وسائل الإعلام في حديثها عن زواج القصَّر ، ووصفه بالاغتصاب للطفولة ، والإجرام في حق الصغيرات : فيه تجاوز مفرط للشريعة وللواقع ، فأما تجاوزهم للشريعة : فقد أجمع العلماء على جواز نكاح الكبير من الصغيرة حتى وإن لم تكن بالغة ، أما الدخول بها فلا يحصل حتى تصلح لذلك ، وأما تجاوز وسائل الإعلام في وصف الحقيقة الواقعية لزواج الصغيرات ، من جهة حجمها ومن جهة طبيعتها ، فعلى الرغم من وجود بعض التجاوزات الواقعية المؤلمة التي تُنقل من هنا وهناك ، إلا أن المجتمع – في القديم والحديث – لم يعرف هذا التهويل والإثارة ، فقد رصد حالات كثيرة ناجحة من زواج الصغيرات بمن يكبرهن كثيراً ، وهذا راجع إلى تفهم الرجل العاقل لطبيعة الفتاة الصغيرة ، ومراعاته لحالها ، وتلطُّفه بها ، ولو قُدِّر عقد مقارنة بين حجم وقائع التجاوزات الخاطئة في دخول الرجل الكبير بالفتاة الصغيرة ، وما قد يلحقها من الضرر الجسدي ، وبين حجم ونوع الأخطاء والتجاوزات الطبية التي يقع فيها بعض الأطباء بسبب الإهمال أو الجرأة أو الجهل ، لكان الفارق في غاية الاتساع.
أذن الله تعالى للرجل أن ينكح ما طاب له من النساء كما قال تعالى : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) ، والبكر أطيب النساء ؛ فقد رغَّب الرسول صلى الله عليه وسلم في نكاحها فقال : ( هلا جارية تُلاعبها وتُلاعبك ) ، وقال أيضاً : (عليكم بالأبكار)، وبوَّب المحدِّثون : ( باب استحباب البكر ) ، وهذا عام يدخل فيه الشيوخ كما يدخل فيه الشباب ، وتخصيص ذلك بالشباب دون الشيوخ تحكم بلا دليل ، ومازال الرجال – أبد الدهر- يحبون أن يكونوا الأوائل في حياة نسائهم .
تشير بعض الدراسات النفسية إلى استحسان الجنسين لشيء من العنف الجنسي بين الزوجين ، باعتباره نوعاً من الإثارة والتشويق ، ودرجة من التلذذ والاستمتاع الطبيعي المشروع ، ما لم يخرج ذلك إلى حدِّ الممارسات السَّادية المرَضية الشاذة .
لقد ارتبطت طبيعة المرأة الجنسية بمكابدة الآلام ومعاناتها ، حتى أصبحت جزءًا من فطرتها ، لا تنفك عنها ؛ فالحيض ، وفضُّ البكارة ، والحمل ، والولادة ، والنفاس ، كلُّها أنشطة جنسية قد مُلئة بالألم والمعاناة ، فشيء من معاناة الدخول بالبكر لا تخرج عن هذه الطبيعة ، بل وحتى الكبيرة من النساء ، المكتملة البنية : تعاني في بعض الأحيان آلاماً من مجرد الجماع المعتاد ، فالألم جزء من طبيعة المرأة المكوِّن لشخصيتها الأنثوية .
تشير العديد من الدراسات الميدانية إلى أن الأطفال يراهقون مبكرين في هذا العصر ، وتظهر عندهم علامات البلوغ أسرع من ذي قبل ، وهذا يرجع إلى واقع الانفتاح الثقافي ، والإثارة الجنسية من خلال الصور والمعلومات ، وتوسيع دائرة الاحتكاك بين الجنسين ، التي تعمل في مجموعها - مع وفرة الغذاء المشبَّع بالهرمونات- على تقديم سن البلوغ بعض الشيء عند الجنسين ، وهذا من شأنه – كما هو مفروض – تقديم سن الزواج وليس تأخيره .
التقارب في السن بين الزوجين مستحسن ، وهو من أسباب الألفة بينهما ، وسهولة التفاهم ، وقد نُقل عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، حين بلغه أن فتاة شابة زُوِّجت شيخاً كبيراً فقتلته ، فقال : ( يا أيها الناس اتقوا الله ، ولينكح الرجل لُمَته من النساء ، ولتنكح المرأة لُمَتَها من الرجال ) ؛ يعني أن يتزوج كل منهما الأنسب له ، والأشبه به لدوام الألفة والمحبة ، إلا أن الفارق في السن بينهما - سواء كان في صالح الرجل أو المرأة – لا يُعد بالضرورة مؤشر تعاسة للأسرة ؛ فإن قدْراً من العطف الأبوي ، المتدفق من الأكبر منهما نحو الآخر يحتاجه الإنسان – ذكراً كان أو أنثى - ويحقق من خلاله درجة من الاستقرار والسكون ، لاسيما وأن الكبير من الزوجين أحرص على بقاء الحياة الزوجية واستمرارها ، وأقدر على التنازل عن بعض حقوقه في سبيل استقرار الأسرة ، في حين أن غالب وقائع الطلاق المعاصرة تصدر عن زوجين شابين في سن متقاربة ؛ فقد سُجِّلت في المحاكم الشرعية نسب طلاق مرتفعة لأزواج في سن الشباب ، وفي السنوات الأولى من حياتهم ، وهذا يدل على أن التقارب في السن بين الزوجين ليس شرطاً ضرورياً للسعادة الزوجية واستقرار الأسرة .
تُعد الفتاة البكر الحسناء مورداً مالياً لبعض الأسر المحتاجة ، من خلال المبالغة في مهرها ، فربما استغلت بعض الأسر فتياتها المستحسنات في فكِّ أزماتها الاقتصادية ، وهذا جائز ما دام يتم برضا الفتاة وطيب نفسها ، بل إن بعض الفتيات المعوزات يفضِّلن الشيخ الغني على الشاب الفقير ؛ إذ إن بعضهن ليس لهن همٌ إلا أن يعشن مرفَّهات في بحبوحة من العيش ، لا يتطلَّعن لأكثر من ذلك، وربما تطلَّع بعضهن إلى الشهرة والجاه ، من خلال الاقتران بالوجهاء وكبراء المجتمع والمشاهير ، حتى وإن كانوا في سن متقدمة ، وهذا في الجملة يدل على أن مقاصد الفتيات من النكاح مختلفة ، وليست متَّحدة في اتجاه واحد .
مشكلة تجاوز بعض الأسر في زفِّ فتياتهن قبل أن يكن صالحات للدخول بهن لا تزال محدودة ، لم تصل حدَّ الظاهرة الاجتماعية ، ومع ذلك توسع الإعلام وأفرط في الحديث عنها ، وحفَّز الجهات المعنية لاستصدار الفتاوى الشرعية ، والقرارات الإدارية للمنع منها ، في حين لم يعط المجتمع أزمة العنوسة - التي بلغت حدَّ الظاهرة الاجتماعية المؤرِّقة – حقَّها من الرعاية الاهتمام ، فعلى الرغم من توافر العديد من الفتاوى الشرعية في حق العنوسة وخطرها ، إلا أن القرارات الإدارية ، وآلياتها العملية للحدِّ من هذه الظاهرة لا تزال بدائية الأداء، ومحدودة الأثر ، لم ترق بعد إلى مستوى الأزمة ، وتداعياتها الاجتماعية الخطيرة .
لم يرافق حديث وسائل الإعلام عن مشكلة زواج القاصرات : حديثٌ آخر أهم وأولى ، وهو الحديث عن أهمية الزواج المبكر للفتيان والفتيات البالغين ، فقد عجَّ المجتمع بالعلاقات المشبوهة بين الجنسين ، من طلاب وطالبات المرحلتين الإعدادية والثانوية ، فضلاً عن المرحلة الجامعية ، فقد تواترت حالات الخلوات بينهم ، وتكررت حوادث الهروب من بعضهم ، وتهاون غالبهم في الحديث العاطفي عبر الجوالات وشبكات الإنترنت ، ولا يخطئ الناظر في الأسواق والمتنزَّهات مشاهد الثورة العاطفية بين المراهقين والمراهقات ، التي بلغت حداً يصعب حلُّه إلا من خلال إشاعة الزواج المبكر ، والتوعية الاجتماعية بالآثار السلبية للعزوف عن الزواج .
إن من أسباب مسارعة بعض الأسر في تزويج فتياتهم من شيوخ يكبرنهن بمراحل هو حرصهم على مصلحة بناتهم ، ومحاولة تأمين مستقبلهن حين تأخَّر تأهيل الشباب للزواج ، الذي يهدد الفتيات بالعنوسة ، فالشاب – ضمن طبيعة أنظمة التعليم المعاصرة – يحتاج إلى سنوات من التعليم والمهارات والتدريب حتى يتأهل للزواج بتوفير متطلباته ، والقيام بالنفقة على الأسرة ، في حين لا تحتاج الفتاة لأكثر من البلوغ ، وشيء يسير من المهارات والمفاهيم لتصبح جاهزة للزواج ، فالفتاة بذلك تتأهل للزواج قبل الفتى بسنوات ، وانتظارها له حتى يتأهل : يعطِّل مصالحها ، وهذا الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي فرضته طبيعة المجتمعات الحضارية الحديثة وضع الأسرة المعاصرة بين قرارين : إما الانتظار المحفوف بخطر العنوسة ، وإما الرضا بكبير السن الراغب والمؤهل للزواج .
إن إلزام المجتمع بسن محددة للزواج ، ومحاسبة المتجاوزين له : فيه مخالفة لما أقرته الشريعة عبر سنوات طويلة ، وأجمع عليه المسلمون ، ومع ذلك فلن يعوز صاحب القرار استصدار فتوى تجيز ذلك ليبني عليها قراره الإلزامي ، إلا أن القرار – مهما كان قوياً وصارماً - لن يحل المشكلة من جذورها ، فقد سُبقنا في مجتمعات مجاورة لمثل هذه القوانين ، ومع ذلك فالتجاوزات الاجتماعية كثيرة يصعب إيقافها ، كما أن العقوبات المترتبة على هذه التجاوزات تقع تبعاتها في الغالب على الفتاة الصغيرة وأولادها ، كما أن مثل هذا القانون يفوِّت على بعض الفتيات المحتاجات مصالحة اقتصادية في الانتفاع من الزواج بكبير السن ، الذي قد يغدق عليها من ماله وحنانه ما لا تجده – في كثير من الأحيان - عند الشاب ، فلو صدق المجتمع في حرصه على الفتيات الفقيرات من استغلال كبار السن : لعملوا على إغناء الأسر الفقيرة وسدِّ حاجاتها ، فلا تضطر – تحت ضغط الحاجة والعوز – إلى أن تتاجر ببناتها .
إن الاتفاق على سن محددة للزواج في غاية الصعوبة ؛ لأن أقل البلوغ عشر سنوات عند الذكور ، وتسع سنوات عند الإناث ، والبلوغ إيذانٌ بالقدرة على التناسل ، وما زالت الثديَّات تتناسل حين تبلغ ، ولهذا تنطلق من الجنسين عند البلوغ أشواق ورغبات جامحة نحو الجنس الآخر ، فينشغل الذهن ، وتتعطش النفس ، ويميل الطبع إلى الزواج ، فإذا أُعيقت مسيرة هذه الرغبات الفطرية نحو الجنس المغاير بتعطيل أسباب الزواج : تحولت الميول الشهوانية إلى نفس الجنس، في صور من الإعجاب والاستلطاف والالتصاق ، وربما لما هو أبعد من هذا من مظاهر الشذوذ التي تفاقمت أخبارها في المجتمع ، فلو قُدِّر أن تحدد سن الزواج بالخامسة عشرة مثلاً ، ورغب شاب بالغ في الرابعة عشرة في الزواج من فتاة بالغة صحيحة في الثالثة عشرة ، بموافقة الأسرتين ورضاهما ، فبأي حق يُمنع مثل هذا النكاح ، وقد انعقد إجماع العلماء على جوازه ؟ ومن المعلوم أن اختيار الحاكم يرفع الخلاف فيما تنازع فيه الفقهاء ، أما ما أجمعوا عليه فلا تجوز مخالفته من أي أحد كان ، كما أن تصرفات الحاكم مقيدة بما يحقق المصلحة الشرعية ، فأي مصلحة تتحقق بتأخير سن الزواج في زمن كثرت فيه الفتن ، وتوسعت فيه دائرة الفساد ، وكثرت مجالات الاحتكاك بين الجنسين ؟ خاصة وأن الزواج المبكر يحقق مصلحة الشرع في حفظ النسل واستمراره ، ومن تراه يتحمَّل إثم الراغبين في الزواج عندما يقعون في الفواحش تحت وطأة إلحاح الغريزة ، حينما يمنعهم القانون من الزواج الشرعي بحجة السن القانوني ؟!
وبناء على ما تقدم في مناقشة هذه المسألة الاجتماعية الشائكة: تجدر الإشارة إلى بعض المقترحات والتوصيات التي يمكن أن تعين في اتخاذ القرار المناسب :
تجنب تقنين الزواج بسن معينة لمخالفته للإجماع ، وعدم جدواه لحل المشكلة .
إعطاء المأذونين الشرعيين فرصة أوسع للنظر والاجتهاد في تحقيق مصالح الفتيات الصغيرات من زواجهن بكبار السن .
الرجوع بحالات الزواج الشاذة والغريبة والنادرة إلى المحكمة الشرعية لدراستها والفصل فيها ، باعتبارها حالة فردية خاصة .
تمكين الفتيات من التظلم لدى المحاكم الشرعية ، وتسهيل آليات بلوغ دعاواهن إلى جهة الاختصاص دون حرج .
تمكين الفتيات المتزوجات من حقهن المشروع في الخلع إذا رغبن في ذلك .
تحذير المجتمع من عضل فتياتهم عن الزواج بالأكفاء خارج نطاق العائلة .
توعية المواطنين بأهمية تقارب الزوجين في السن من أجل مزيد من التفاهم والألفة بينهما .
هذا والله تعالى ولي التوفيق
د.عدنان حسن باحارث
متخصص تربوي في شؤون الأسرة
ولما كانت العلاقة بين الزوجين في غاية العمق والتداخل ؛ بحيث يتخطى كل منهما حواجز النفس والعادة والطبع ليدخل في عمق صاحبه ، ضمن مسافة يستحيل وقوعها بين اثنين من البشر ، بل ولا يجوز ذلك مطلقاً ، مهما كانت متانة العلاقة بينهما، لما كان الأمر كذلك ، جاء الحافز المحرك لهذا التداخل : غريزة قوية وعنيفة ، يصعب تجاهلها ، أو محاولة إخمادها ، حتى إن الرجل الكبير الهرم – رغم معاناته الصحية وعجزه الجنسي – قد يتطلع – في بعض الأحيان- إلى زواج جديد ، يعيده إلى سابق عهده ، ويجدد نشاطه ، وربما تطلَّع إلى بكر دون العشرين ، معتقداً قدرته عليها ، وربما هام بنفسه يتغنى بجماله وقد سقط حاجباه على عينيه ، وانحنى ظهره ، وتجعَّد جلده ، وربما صدر شيء من هذا السلوك الصبياني من بعض القواعد من النساء ، فتتبرج وتخرج عن وقارها ، وتظهر في غير ثوبها ، فتتطلع إلى الشاب من الرجال ، ممن امتلأ حيوية ونشاطاً، ولولا الطبيعة السلبية المتحفِّزة عند النساء لوجد المجتمع العجب من بعض النساء المتشبِّبات .
إن الدافع المحرك لمثل هذه السلوكيات الغريبة في غالبه نفسي وليس بعضوي ؛ فإن النفس الإنسانية لا تشيخ ، ولا يطالها الشيب ، فلا تزال عبر الســنين متوقِّدة متجدِّدة ، ما يزيدها العمر إلا توقُّداً وتجدُّداً ، حتى وإن عجز البدن عن مجاراتها ، وهذا يدل على حجم الدافع الفطري المركب في الجنسين نحو بعضهما البعض ، ووفور قوته ، وشدَّة عنفه .
ولعل هذا ما يفسر ميل بعض الشيوخ في أواخر حياتهم إلى الزواج من الفتيات الصغيرات ، رغم عجز بعضهم الكلي أو الجزئي ، ولا يُنكر – في بعض الحالات –وجود شيوخ في نشاط الشباب ، إلا أن هذا يبقى نادراً ، فالدافع هنا في غالبه نفسي ، فلا تزال النفس الإنسانية شابة في طلب الدنيا ، متطلِّعة إلى مزيد من ملذاتها ، مهما طعنت في السن .
وبناء على ما تقدم من التأصيل النفسي لميل بعض كبار السن للزواج بالفتيات الصغيرات ، ممن قد يصغرهم بعشرات السنين ، فهذه بعض المسائل التي لا بد من مراعاتها في مناقشة هذا الموضوع ، وأخذها في الاعتبار :
ضرورة التفريق بين مشروعية عقد الأب لابنته قبل بلوغها ، وبين زفافها لزوجها قبل أن تكون صالحة للدخول بها ، فالعقد جائز بالإجماع - لاسيما إذا أقرته الفتاة بعد بلوغها- وإنما الممنوع تمكين زوجها منها قبل أن تتأهل صحياً للوطء ؛ فكثيراً ما يحقق العقد المبكر مصلحة مستقبلية للفتاة ، لاسيما إذا حضر الكفء ، فقد يفوتها ولا يعود ، خاصة عند فتيات القبائل المحبوسات لأقاربهن ، فإذا فاتها قريبها ربما تعطلت فلا يتقدم لها أحد من خارج الأقارب ، فلو عُقد لها قبل بلوغها إذا حضر الكفء ، ثمَّ زُفَّت إليه بعد البلوغ : تحققت مصلحتها .
رضا الفتاة البكر بالزواج معتبر شرعاً ، إلا أن يزوجها أبوها ، فله أن ينظر ويختار لها الكفء ، لأنه أدرى بمصلحتها ، كما أن عضْلها عن الكفء المرضي في دينه وخلقه ممنوع شرعاً ، وتصرفات الولي في حق موليَّته مرتبطة بتحقيق مصالحها ، وعدم الإضرار بها ، وإلا نُقلت عنه الولاية - أياً كان - إلى غيره من عصبتها .
الأصل في الأولياء الأمانة وعدم التهمة ، لاسيما الآباء والأجداد ، لما يقع في نفوسهم من العطف الفطري ، والحرص على مصالح أولادهم ؛ ولهذا غالباً ما تُحمل تصرفاتهم على البراءة من المقاصد الرديئة ، حتى يثبت يقيناً غير هذا .
القدرة على الجماع عند الجنسين غالباً ما تسبق القدرة على التناسل بزمن يسير ، فالبلوغ ليس شرطاً في إمكانية حصول الجماع والتلذذ عند المقاربين للبلوغ من الجنسين ، حتى وإن لم يترتب على ذلك حمل ، ومع ذلك فإن استمتاع الزوج بزوجته مشروط بالسلامة ، وعدم الإضرار بها ، صغيرة كانت أو كبيرة ، ضعيفة أو قوية ، وإلا ضمن ما أتلفه منها ، والضرر الذي يمكن أن يصدر من الزوج ليس مقصوراً على الشيوخ وحدهم ، بل هو من بعض الشباب أقرب ؛ لكمالهم الجسمي ، وامتلائهم الشهواني .
إن توسع وسائل الإعلام في حديثها عن زواج القصَّر ، ووصفه بالاغتصاب للطفولة ، والإجرام في حق الصغيرات : فيه تجاوز مفرط للشريعة وللواقع ، فأما تجاوزهم للشريعة : فقد أجمع العلماء على جواز نكاح الكبير من الصغيرة حتى وإن لم تكن بالغة ، أما الدخول بها فلا يحصل حتى تصلح لذلك ، وأما تجاوز وسائل الإعلام في وصف الحقيقة الواقعية لزواج الصغيرات ، من جهة حجمها ومن جهة طبيعتها ، فعلى الرغم من وجود بعض التجاوزات الواقعية المؤلمة التي تُنقل من هنا وهناك ، إلا أن المجتمع – في القديم والحديث – لم يعرف هذا التهويل والإثارة ، فقد رصد حالات كثيرة ناجحة من زواج الصغيرات بمن يكبرهن كثيراً ، وهذا راجع إلى تفهم الرجل العاقل لطبيعة الفتاة الصغيرة ، ومراعاته لحالها ، وتلطُّفه بها ، ولو قُدِّر عقد مقارنة بين حجم وقائع التجاوزات الخاطئة في دخول الرجل الكبير بالفتاة الصغيرة ، وما قد يلحقها من الضرر الجسدي ، وبين حجم ونوع الأخطاء والتجاوزات الطبية التي يقع فيها بعض الأطباء بسبب الإهمال أو الجرأة أو الجهل ، لكان الفارق في غاية الاتساع.
أذن الله تعالى للرجل أن ينكح ما طاب له من النساء كما قال تعالى : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) ، والبكر أطيب النساء ؛ فقد رغَّب الرسول صلى الله عليه وسلم في نكاحها فقال : ( هلا جارية تُلاعبها وتُلاعبك ) ، وقال أيضاً : (عليكم بالأبكار)، وبوَّب المحدِّثون : ( باب استحباب البكر ) ، وهذا عام يدخل فيه الشيوخ كما يدخل فيه الشباب ، وتخصيص ذلك بالشباب دون الشيوخ تحكم بلا دليل ، ومازال الرجال – أبد الدهر- يحبون أن يكونوا الأوائل في حياة نسائهم .
تشير بعض الدراسات النفسية إلى استحسان الجنسين لشيء من العنف الجنسي بين الزوجين ، باعتباره نوعاً من الإثارة والتشويق ، ودرجة من التلذذ والاستمتاع الطبيعي المشروع ، ما لم يخرج ذلك إلى حدِّ الممارسات السَّادية المرَضية الشاذة .
لقد ارتبطت طبيعة المرأة الجنسية بمكابدة الآلام ومعاناتها ، حتى أصبحت جزءًا من فطرتها ، لا تنفك عنها ؛ فالحيض ، وفضُّ البكارة ، والحمل ، والولادة ، والنفاس ، كلُّها أنشطة جنسية قد مُلئة بالألم والمعاناة ، فشيء من معاناة الدخول بالبكر لا تخرج عن هذه الطبيعة ، بل وحتى الكبيرة من النساء ، المكتملة البنية : تعاني في بعض الأحيان آلاماً من مجرد الجماع المعتاد ، فالألم جزء من طبيعة المرأة المكوِّن لشخصيتها الأنثوية .
تشير العديد من الدراسات الميدانية إلى أن الأطفال يراهقون مبكرين في هذا العصر ، وتظهر عندهم علامات البلوغ أسرع من ذي قبل ، وهذا يرجع إلى واقع الانفتاح الثقافي ، والإثارة الجنسية من خلال الصور والمعلومات ، وتوسيع دائرة الاحتكاك بين الجنسين ، التي تعمل في مجموعها - مع وفرة الغذاء المشبَّع بالهرمونات- على تقديم سن البلوغ بعض الشيء عند الجنسين ، وهذا من شأنه – كما هو مفروض – تقديم سن الزواج وليس تأخيره .
التقارب في السن بين الزوجين مستحسن ، وهو من أسباب الألفة بينهما ، وسهولة التفاهم ، وقد نُقل عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، حين بلغه أن فتاة شابة زُوِّجت شيخاً كبيراً فقتلته ، فقال : ( يا أيها الناس اتقوا الله ، ولينكح الرجل لُمَته من النساء ، ولتنكح المرأة لُمَتَها من الرجال ) ؛ يعني أن يتزوج كل منهما الأنسب له ، والأشبه به لدوام الألفة والمحبة ، إلا أن الفارق في السن بينهما - سواء كان في صالح الرجل أو المرأة – لا يُعد بالضرورة مؤشر تعاسة للأسرة ؛ فإن قدْراً من العطف الأبوي ، المتدفق من الأكبر منهما نحو الآخر يحتاجه الإنسان – ذكراً كان أو أنثى - ويحقق من خلاله درجة من الاستقرار والسكون ، لاسيما وأن الكبير من الزوجين أحرص على بقاء الحياة الزوجية واستمرارها ، وأقدر على التنازل عن بعض حقوقه في سبيل استقرار الأسرة ، في حين أن غالب وقائع الطلاق المعاصرة تصدر عن زوجين شابين في سن متقاربة ؛ فقد سُجِّلت في المحاكم الشرعية نسب طلاق مرتفعة لأزواج في سن الشباب ، وفي السنوات الأولى من حياتهم ، وهذا يدل على أن التقارب في السن بين الزوجين ليس شرطاً ضرورياً للسعادة الزوجية واستقرار الأسرة .
تُعد الفتاة البكر الحسناء مورداً مالياً لبعض الأسر المحتاجة ، من خلال المبالغة في مهرها ، فربما استغلت بعض الأسر فتياتها المستحسنات في فكِّ أزماتها الاقتصادية ، وهذا جائز ما دام يتم برضا الفتاة وطيب نفسها ، بل إن بعض الفتيات المعوزات يفضِّلن الشيخ الغني على الشاب الفقير ؛ إذ إن بعضهن ليس لهن همٌ إلا أن يعشن مرفَّهات في بحبوحة من العيش ، لا يتطلَّعن لأكثر من ذلك، وربما تطلَّع بعضهن إلى الشهرة والجاه ، من خلال الاقتران بالوجهاء وكبراء المجتمع والمشاهير ، حتى وإن كانوا في سن متقدمة ، وهذا في الجملة يدل على أن مقاصد الفتيات من النكاح مختلفة ، وليست متَّحدة في اتجاه واحد .
مشكلة تجاوز بعض الأسر في زفِّ فتياتهن قبل أن يكن صالحات للدخول بهن لا تزال محدودة ، لم تصل حدَّ الظاهرة الاجتماعية ، ومع ذلك توسع الإعلام وأفرط في الحديث عنها ، وحفَّز الجهات المعنية لاستصدار الفتاوى الشرعية ، والقرارات الإدارية للمنع منها ، في حين لم يعط المجتمع أزمة العنوسة - التي بلغت حدَّ الظاهرة الاجتماعية المؤرِّقة – حقَّها من الرعاية الاهتمام ، فعلى الرغم من توافر العديد من الفتاوى الشرعية في حق العنوسة وخطرها ، إلا أن القرارات الإدارية ، وآلياتها العملية للحدِّ من هذه الظاهرة لا تزال بدائية الأداء، ومحدودة الأثر ، لم ترق بعد إلى مستوى الأزمة ، وتداعياتها الاجتماعية الخطيرة .
لم يرافق حديث وسائل الإعلام عن مشكلة زواج القاصرات : حديثٌ آخر أهم وأولى ، وهو الحديث عن أهمية الزواج المبكر للفتيان والفتيات البالغين ، فقد عجَّ المجتمع بالعلاقات المشبوهة بين الجنسين ، من طلاب وطالبات المرحلتين الإعدادية والثانوية ، فضلاً عن المرحلة الجامعية ، فقد تواترت حالات الخلوات بينهم ، وتكررت حوادث الهروب من بعضهم ، وتهاون غالبهم في الحديث العاطفي عبر الجوالات وشبكات الإنترنت ، ولا يخطئ الناظر في الأسواق والمتنزَّهات مشاهد الثورة العاطفية بين المراهقين والمراهقات ، التي بلغت حداً يصعب حلُّه إلا من خلال إشاعة الزواج المبكر ، والتوعية الاجتماعية بالآثار السلبية للعزوف عن الزواج .
إن من أسباب مسارعة بعض الأسر في تزويج فتياتهم من شيوخ يكبرنهن بمراحل هو حرصهم على مصلحة بناتهم ، ومحاولة تأمين مستقبلهن حين تأخَّر تأهيل الشباب للزواج ، الذي يهدد الفتيات بالعنوسة ، فالشاب – ضمن طبيعة أنظمة التعليم المعاصرة – يحتاج إلى سنوات من التعليم والمهارات والتدريب حتى يتأهل للزواج بتوفير متطلباته ، والقيام بالنفقة على الأسرة ، في حين لا تحتاج الفتاة لأكثر من البلوغ ، وشيء يسير من المهارات والمفاهيم لتصبح جاهزة للزواج ، فالفتاة بذلك تتأهل للزواج قبل الفتى بسنوات ، وانتظارها له حتى يتأهل : يعطِّل مصالحها ، وهذا الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي فرضته طبيعة المجتمعات الحضارية الحديثة وضع الأسرة المعاصرة بين قرارين : إما الانتظار المحفوف بخطر العنوسة ، وإما الرضا بكبير السن الراغب والمؤهل للزواج .
إن إلزام المجتمع بسن محددة للزواج ، ومحاسبة المتجاوزين له : فيه مخالفة لما أقرته الشريعة عبر سنوات طويلة ، وأجمع عليه المسلمون ، ومع ذلك فلن يعوز صاحب القرار استصدار فتوى تجيز ذلك ليبني عليها قراره الإلزامي ، إلا أن القرار – مهما كان قوياً وصارماً - لن يحل المشكلة من جذورها ، فقد سُبقنا في مجتمعات مجاورة لمثل هذه القوانين ، ومع ذلك فالتجاوزات الاجتماعية كثيرة يصعب إيقافها ، كما أن العقوبات المترتبة على هذه التجاوزات تقع تبعاتها في الغالب على الفتاة الصغيرة وأولادها ، كما أن مثل هذا القانون يفوِّت على بعض الفتيات المحتاجات مصالحة اقتصادية في الانتفاع من الزواج بكبير السن ، الذي قد يغدق عليها من ماله وحنانه ما لا تجده – في كثير من الأحيان - عند الشاب ، فلو صدق المجتمع في حرصه على الفتيات الفقيرات من استغلال كبار السن : لعملوا على إغناء الأسر الفقيرة وسدِّ حاجاتها ، فلا تضطر – تحت ضغط الحاجة والعوز – إلى أن تتاجر ببناتها .
إن الاتفاق على سن محددة للزواج في غاية الصعوبة ؛ لأن أقل البلوغ عشر سنوات عند الذكور ، وتسع سنوات عند الإناث ، والبلوغ إيذانٌ بالقدرة على التناسل ، وما زالت الثديَّات تتناسل حين تبلغ ، ولهذا تنطلق من الجنسين عند البلوغ أشواق ورغبات جامحة نحو الجنس الآخر ، فينشغل الذهن ، وتتعطش النفس ، ويميل الطبع إلى الزواج ، فإذا أُعيقت مسيرة هذه الرغبات الفطرية نحو الجنس المغاير بتعطيل أسباب الزواج : تحولت الميول الشهوانية إلى نفس الجنس، في صور من الإعجاب والاستلطاف والالتصاق ، وربما لما هو أبعد من هذا من مظاهر الشذوذ التي تفاقمت أخبارها في المجتمع ، فلو قُدِّر أن تحدد سن الزواج بالخامسة عشرة مثلاً ، ورغب شاب بالغ في الرابعة عشرة في الزواج من فتاة بالغة صحيحة في الثالثة عشرة ، بموافقة الأسرتين ورضاهما ، فبأي حق يُمنع مثل هذا النكاح ، وقد انعقد إجماع العلماء على جوازه ؟ ومن المعلوم أن اختيار الحاكم يرفع الخلاف فيما تنازع فيه الفقهاء ، أما ما أجمعوا عليه فلا تجوز مخالفته من أي أحد كان ، كما أن تصرفات الحاكم مقيدة بما يحقق المصلحة الشرعية ، فأي مصلحة تتحقق بتأخير سن الزواج في زمن كثرت فيه الفتن ، وتوسعت فيه دائرة الفساد ، وكثرت مجالات الاحتكاك بين الجنسين ؟ خاصة وأن الزواج المبكر يحقق مصلحة الشرع في حفظ النسل واستمراره ، ومن تراه يتحمَّل إثم الراغبين في الزواج عندما يقعون في الفواحش تحت وطأة إلحاح الغريزة ، حينما يمنعهم القانون من الزواج الشرعي بحجة السن القانوني ؟!
وبناء على ما تقدم في مناقشة هذه المسألة الاجتماعية الشائكة: تجدر الإشارة إلى بعض المقترحات والتوصيات التي يمكن أن تعين في اتخاذ القرار المناسب :
تجنب تقنين الزواج بسن معينة لمخالفته للإجماع ، وعدم جدواه لحل المشكلة .
إعطاء المأذونين الشرعيين فرصة أوسع للنظر والاجتهاد في تحقيق مصالح الفتيات الصغيرات من زواجهن بكبار السن .
الرجوع بحالات الزواج الشاذة والغريبة والنادرة إلى المحكمة الشرعية لدراستها والفصل فيها ، باعتبارها حالة فردية خاصة .
تمكين الفتيات من التظلم لدى المحاكم الشرعية ، وتسهيل آليات بلوغ دعاواهن إلى جهة الاختصاص دون حرج .
تمكين الفتيات المتزوجات من حقهن المشروع في الخلع إذا رغبن في ذلك .
تحذير المجتمع من عضل فتياتهم عن الزواج بالأكفاء خارج نطاق العائلة .
توعية المواطنين بأهمية تقارب الزوجين في السن من أجل مزيد من التفاهم والألفة بينهما .
هذا والله تعالى ولي التوفيق
د.عدنان حسن باحارث
متخصص تربوي في شؤون الأسرة