الصفحة الرئيسة @ المقال الشهري @ الحاجة إلى انطلاقة تربوية أصيلة لبناء الشخصية الإسلامية
تتعرض الأمة الإسلامية المعاصرة لهجمة صليبية وإلحادية عارمة، تستهدف هوية الأمة الاعتقادية، وأخلاقها، وتراثها، ومقومات حياتها الاقتصادية والسياسية، وتعمل على إفساد كل ما هو روحي، وأخلاقي، ووصفه بالرجعية والتخلف، وطرده بالكلية من واقع الحياة العملية، حتى أصبح لهذه الهجمة من النجاح، والنتائج -على مختلف الأصعدة- ما يفوق أثر الحروب الصليبية الماضية بشراستها، وعنفها. وتحقق لإمام المنصِّرين في العصر الحديث "زويمر" ما كان يهدف إليه بقوله لزملائه: "إنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام: ليصبح مخلوقاً لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها". فخرجت فئات من أبناء المسلمين على الشكل الذي رسمه هذا المنصِّر، فظهر منهم من يطعن في الدين، ويعتبره سبب تخلف المسلمين الحضاري، بل سعت فئات من الشباب من الجنسين -بسبب هذه الهجمة- إلى مذاهب ضالة يلتمسون فيها الحل لمشكلاتهم المختلفة، فتبنت فئة منهم الاشتراكية الشرقية، وتبنَّت مجموعات أخرى العلمانية الغربية، بل وصل الحال ببعض الشباب إلى تبني مذهب عبادة الشيطان، الذي تنهدم معه العقيدة الإسلامية من أصولها، وهكذا حتى خرجت أجيال من أبناء المسلمين ولا صلة لها بالإسلام إلا من جهة الانتساب بالاسم فحسب.
إن هذا الوضع المتردي، الذي شمل انحرافه كل جوانب الإنسان -الروحية والمادية- لا يمكن أن يصلح من جديد إلا بإعادة البناء التربوي من أسسه المتصدِّعة، وأصوله التي ضعفت؛ ليقوم البناء قوياً، على أساس متين، يستمد أصوله من نظام الإسلام الشامل المتكامل، المتمثل في الوحيين القرآن والسنة.
إن من أكثر المشكلات التي تواجه "ميدان التربية في أي بلد هو فقدان هذا الميدان للقاعدة الأساسية التي تتمثل بالأسس الفكرية والأطر الفلسفية المنبثقة من فلسفة المجتمع"، فما زالت المجتمعات المعاصرة تجتهد في اختيار أسسها، وتعديلها، واستبدالها بغيرها حتى أصبح البناء التربوي للمجتمعات المعاصرة هشاً رقيقاً؛ لعدم ثبات أصوله واستقرارها، في حين لا ينطبق هذا الوصف على أصول الإسلام، والأسس التي قام عليها بناؤه التربوي من حيث الثبات، والاستقرار، والعصمة من الخطأ التي استمدها من طبيعته الربانية.
إن اية محاولة لتطبيق نهج تربوي على الأمة الإسلامية مستمد من اجتهادات بشرية تتعارض مع روح التربية الإسلامية ومقاصدها: فإنما هو في الحقيقة أداة سلخ لهوية الأمة ومبادئها، وحصرها في حدود الحياة الدنيا وزينتها، وإغفال للدور الحقيقي المنشود من العملية التربوية الإسلامية الهادفة إلى مساعدة الإنسان على القيام بالتكاليف الربانية على المنهج الذي ارتضاه الله U .
إن الواجب الذي يفرضه الانتساب الصحيح على الأمة المسلمة: يُحتَّم على منهج التربية أن يكون رباني النزعة والأصول، بحيث يسعى للكشف عن الأسس والمسلمات الاعتقادية، والتاريخية والاجتماعية، والثقافية، والسياسية للمجتمع المسلم، في ضوء الوحي المعصوم: ليبني منها -ممتزجة- أسساً متينة وفق جوانب التربية الإسلامية، ليكوِّن من مجموعها الشخصية الإسلامية كما صورها القرآن الكريم والسنة المطهرة.