الصفحة الرئيسة @ المقال الشهري @ عودة السينما في السعودية


معلومات
تاريخ الإضافة: 1/1/1430
عدد القراء: 3837
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

مقال شهر محرم 1430هـ

عودة السينما في السعودية

        السينما وسيلة من وسائل الإعلام المشهورة والقديمة ، قد عرفتها المجتمعات منذ زمن طويل , وما تزال حتى اليوم - رغم انتشار وسائل الإعلام الأخرى- تجد لها محبين وروّاداً لما تحمله من الجو الاجتماعي العام , والعروض الجديدة , إضافة إلى اعتبارها عند بعض الأسر أسلوباً من أساليب الترفيه العائلي والتنزه العام .

      وقد انتشرت بصورة سرية في فترة سابقة مواقع للعرض السينمائي في بعض الأحوشة والفنادق في المملكة ، لاسيما في المنطقة الغربية, وذلك قبل الانفتاح الإعلامي الكبير بدخول البث المباشر عبر أطباق الاستقبال ( الدشات ) , فكان العرض غالباً ما يتم بطرقة بدائية وسرية , ولا تخلو بعض العروض من مداهمات الهيئة , لاسيما العروض السيئة لأفلام غير اللائقة أخلاقياً , ومع ذلك كانت العروض قائمة في ذلك الوقت بكل حال , إضافة إلى محلات تأجير الأفلام السينمائية, التي كانت تعمل هي الأخرى بصورة شبه سرية , فما لبث هذا الوضع طويلاً - بعد العولمة الثقافية والانفتاح الإعلامي الكبير الذي يعيشه العالم - حتى استغنى الناس عن هذه القاعات السرية بمئات القنوات في بيوتهم, إضافة إلى محلات تـأجير أفلام الفيديو المنتشرة في كل مكان ، فانطلق غالب أفراد المجتمع يستمتعون بهذه الوسائل الإعلامية الجديدة دون رقيب يعكّر عليهم حرية اختياراتهم ، إلا ما يكون من تأنيب ضمير المسلم في نفسه, والوازع الديني في قلبه.

      ومن هنا فإن الحديث عن البدء في فتح دور للسينما في السعودية هو في الحقيقة عودة إلى ما كان عليه الوضع في السابق ، ولكن هذه المرة بغطاء شرعي , وترحيب اجتماعي, ومباركة رسمية , فلن تعوز المتحمسين للسينما في مجتمعنا الفتوى الشرعية, ولن يعدموا جمهوراً مشجعاً , وكذلك لن يُحرموا تصريحاً رسمياً , فوضعنا الاجتماعي في الغالب مهيأ لمثل هذا .

      ولكن السؤال الذي يطرح نفسه علينا : ما الذي تغير في نفوسنا , واستجد في شريعتنا , وطرأ على أصحاب القرار : حين تقبلنا الآن فكرة فتح دور للسينما في بلادنا بعد أن كنا في السابق نمنع من ذلك , ونصادر الأجهزة والأفلام , ونعاقب المخالفين ؟ هل هو فهم جديد للشريعة لم نكن نعرفه من قبل ؟ أم هو وعي اجتماعي بضرورة السينما للرقي الحضاري ؟ أم هي صبغة جديدة انصبغت بها نفوسها في هذا العصر حتى ما عدنا نمتنع عن شيء ؟

       إن أقل الناس ذوقاً , وأضعفهم إحساساً يعرف أن دور السينما تحمل شراً كثيراً ؛ فهي لن تأت بجديد غير ما هو معروف ومتداول من البرامج والعروض ، إلا أنها – مع ذلك – أقل شراً مما تحمله بعض القنوات الفضائية التي فقدت الأدب , فلم تعد تستحيي مما تعرض .

       ثم إن ما يُتوقع عرضه في هذه الدور السينمائية من أفلام لن يختلف كثيراً عما تبثه القنوات السعودية الرسمية من مسلسلات وتمثيليات وعروض ترفيهية , فكلاهما – في بعض الأحيان – تعرض ممنوعات شرعية , لا تزال المؤسسة الدينية في بلادنا تنهى عنها ولا ترتضيها .

       إن المشكلة في بلاد الحرمين الشريفين أنها تريد أن تحيا بصورة طبيعية غير شاذة مع العالم من حولها باعتبارها دولة دينية , تعبّر عن التطبيق الواقعي لمقتضيات الشرعية الإسلامية , في وقت تنكّب فيه غالب العالم الإسلامي عن تطبيق الشريعة إلا في حدود ضيقة , مما أوقع الدولة في شيء من الحرج , بين ما تصرح به المؤسسة الدينية الرسمية من الممنوعات الإعلامية , وبين مسايرة المجتمعات الأخرى : العربية والإسلامية والعالمية .

      إن التناقض في بعض الأنظمة والممارسات أزمة يعاني منها مجتمعنا اليوم, فلم نعد نثق كثيراً في بعض القرارات التي تمنع أموراً وأشياء معينة لاعتبارات دينية ، ثم ما تلبث طويلاً حتى تُنسخ هذه القرارات بهدوء دون تبرير , حتى اعتدنا في المجتمع السعودي أن الممنوعات لا تلبث كثيراً حتى تصبح مسموحات , مثل ما حصل قريباً مع جوال الكاميرا ؛ حين مُنع بيعه في أول الأمر فقال قائلنا : انتظروا لا تستعجلوا بشرائه من السوق السوداء فإن الفسْح قادم , وكذلك ما حصل من قبل بشأن بيع الدشات , وآلات العزف الموسيقي , وتجارة التتن ( الدخان ), فقد كان كل ذلك يُمنع ويُصادر , ويُغرّم أصحابها ويعاتبون , ثم ما لبث الحال أن تغيّر تماماً , وأعجب من هذا أن تصرح بعض وسائل الإعلام والصحف المحلية بالحديث عن (أسعار الفائدة البنكية) في ارتفاعها وانخفاضها ومقدارها ، في بلاد يُجمع علماؤه على تحريم الربا بكل صوره، وترفض المحاكم  فيه النظر في الدعاوى المتعلقة به .

      إن تساؤلاً قد يرد إذا سُمح بعودة دور السينما إلى البلاد بصورة رسمية وهو : ما شأن الذين عُوقبوا وغُرّموا في زمن التحريم الشرعي، هل يحق لهم في زمن الإباحة الشرعية أن يستردوا حقوقهم المالية، واعتباراتهم الشخصية ؟ فإذا قُدّر أن تحقق لهؤلاء مطالبهم برد حقوقهم : فلا نستبعد أن يطالب أيضاً ورثة الذين تضرر آباؤهم في السابق  بمنع استيراد وبيع التتن والآلات الموسيقية حين كان كل ذلك ممنوعاً قبل بزوغ فجر الفقه الشرعي الجديد ، ولهذا فالنصيحة عدم فتح هذا الباب الذي سوف يفتح أبواباً كثيرة !!