الصفحة الرئيسة @ المقال الشهري @ هروب الفتيات من البيوت


معلومات
تاريخ الإضافة: 2/1/1429
عدد القراء: 3820
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

 تطالعنا وسائل الإعلام من وقت لآخر بالحديث عن أزمة هروب بعض الفتيات من بيوتهن إلى جهات معلومة أو ربما مجهولة , بحيث يستقر في نفوسهن أن الهروب من بيت الوالدين والأقارب إلى أي جهة كانت أرحم من البقاء فيه .

    وفي ظل ازدياد أعداد الفتيات الهاربات تضطر الجهات المعنية إلى فتح دور رعاية خاصة بهن , فقد بلغت في المملكة العربية السعودية أربع مؤسسات تتولى شؤون هؤلاء الفتيات الثائرات .

    لا شك أنها أزمة قاسية حيث يتلبس الجنس اللطيف , من بنات الخامسة عشرة والسادسة عشرة ونحوها بسلوك عنيف كهذا , ويتخذن قرارا يعجز عنه أقوياء الشباب , إلا بعد جهد التفكير , وإمعان النظر , وحساب عواقب الأمور , ومع ذلك تقبل بعض الفتيات على هذا المسلك القاسي , مندفعات بعواطف جامحة , وضغوط جارفة , تدفعهن دفعا نحو الابتعاد عن البيوت التي نشأن فيها سنوات العمر الأولى .

    والأزمة كما يظهر يرجع سببها إلى أولياء الأمور من جهة , وإلى الفتيات من جهة أخرى , فأما الأزمة من جهة الأولياء فتأتي من :

1 -  قسوة المعاملة بغير حق ، والتي قد تصل إلى حد الإيذاء البدني الذي لا يطاق .

2 - شذوذ سلوكي شائن في خلق الولي , لا يصح معه بقاء الفتيات تحت سلطته .

3 – ضعف الأولياء عن القيام بضبط الأسرة، وتنظيم شؤونها .

4 – عجز الولي شبه الكامل عن القيام بالنفقة الواجبة .

5 – عضل الولي لبناته , ومنعهن من الزواج بالأكفاء .

  وأما الأزمة من جهة الفتيات فتأتي من :

1 ـ انخفاض درجة صبرهن على أوليائهن , لاسيما فيما يمكن الصبر عليه .

2 ـ عدم رغبة الفتيات في سماع عبارات المعاتبة من أوليائهن عند وقوعهن في الأخطاء .

3 ـ رغبة الفتيات الجامحة في أن يعاملن مثل إخوانهن الذكور , في دخولهم وخروجهم وانطلاقهم .

4 ـ عدم قدرة الفتاة على مواجهة أوليائها بفضيحتها السلوكية .

5 ـ الهروب من أجل الزواج بشخص لا يرغب فيه الولي .

6 ـ الرغبة في المغامرة والإثارة , ولو بسلوك عنيف كالهروب من البيت .

7 ـ الحلم بحياة أفضل خارج حدود الأسرة في كنف عاشق ولهان .

8 ـ الانضمام إلى فريق الداعرات الغاويات بهدف الكسب المالي .

     ولحل هذه المشكلة الاجتماعية يجب على الجميع من الأولياء ومن الفتيات أن يتقوا الله تعالى , وأن يقف كل شخص عند حدوده الشرعية , وأن يقوم بما أوجبه الله عليه من الفروض , فحق الأولياء البر والإحسان , والطاعة في المعروف ، وحق الفتيات الرحمة والشفقة ، والمعاملة الحسنة ، والنفقة بالمعروف , فإذا اختلت الأمور بينهما , وحصل المكروه ,  فإن الواجب على الأولياء تجاه الفتيات الهاربات مايلي :

1 ـ الوعظ والتذكير , والتحذير من غضب الله , حتى تقع الخشية في نفوسهن .

2 ـ قبول توبة التائبة , وإعادتها إلى كنف الأسرة , إذا غلب على ظنهم صدق توبتها .

3 ـ إعادة بنائها النفسي والخلقي , وتقديمها للمجتمع من جديد في ثوب صالح .

4 ـ إحاطتها بالرعاية والسلطة , حتى لا تقع من جديد في غواية أخرى .

5 ـ المسارعة في تزويجها , وربطها بالأسرة والأولاد .

 وأما واجب الفتيات تجاه الأولياء المنحرفين فهو على النحو التالي :

1 ـ عدم تمكين الفتاة لوليها , مهما كانت مرتبته الأسرية من إيذائها في دينها أو خلقها أو بدنها , بحيث تدفع عن نفسها بكل وسيلة مشروعة .

2 ـ توسيط الصالحين من محارمها بينها وبين أوليائها المعتدين , لتدفع عن نفسها وشرفها وذاتها .

3 ـ الانتقال إلى مسكن أحد الأقارب الآمنين , ولو أدى ذلك إلى غضب الولي .

4 ـ الاستقلال بالسكن ـ إن أمكن ذلك ـ بعيدا عن ظلم الولي , إذا كان ذلك يخفف من شدة الأزمة .

5 ـ اللجوء إلى أحدى مؤسسات الإيواء الرسمية في البلاد .

    إن الحديث فيما تقدم لا يعدو أن يكون حلا مؤقتا , وعلاجا موضِعيا , لمشكلة رئيسـة , إن الأزمة في أصلها تكمن في حجم الانحرافات الخلقية والسلوكية والفكرية التي يتعرض لها المجتمع المعاصر , حين لم تجد التربية الإسلامية  الصحيحة طريقها للنشء الجديد , فاقتصرنا على مجموعة من المناهج , وتوجيهات من الخطباء , ووسائل أخرى قاصرة لا ترقى لحجم الهجمة الثقافية التربوية الشرسة , التي تتعرض لها مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة , في ظل غياب الأمة المسلمة عن القيادة الثقافية , والريادة الحضارية , مما نتج عنه خروج أجيال من أبناء المسلمين –آباء وأبناء- لا يحملون من هويتهم الإسلامية إلا ما ينسبهم إلى آبائهم , وأما الأخلاق والسلوك , وربما المعتقدات : فأمور أخرى يصعب –في كثير من الأحيان- بل يستحيل نسبتها إلى أهل الإسلام , ولهذا كثيرا ما تتشابه صور السلوك الإجرامي عند بعض المنحرفين في المجتمعات الإسلامية مع أضرابهم في المجتمعات غير الإسلامية , حتى إنه ما من جريمة في المجتمعات الغربية _ أيا كانت _ إلا ووقع لها شبيه في إحدى المجتمعات الإسلامية المعاصرة , وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول : " ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل , حذو النعل بالنعل , حتى إذا كان منهم من أتى أمه علانية , ليكونن في أمتي من يصنع ذلك".