الصفحة الرئيسة @ المقال الشهري @ طريقة تدريس مادة الفقه


معلومات
تاريخ الإضافة: 30/1/1443
عدد القراء: 1763
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

مقال الشهور محرم وصفر وربيع الأول 3441هـ

طريقة تدريس مادة الفقه

       تطلق كلمة الفقه لغة على مطلق الفهم، والبعض يخصه بالأمور الخفية المعنوية غير المحسوسات، وفي القديم أطلق الفقه على كل ماله علاقة بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام في جميع الميادين، ثم أطلق الفقه بعد ذلك على العلم بالأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، ويعرفه الإمام الشافعي رحمه الله فيقول: " هو العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية ".

        ومما تقدم يتضح أن الفقه الإسلامي يُعنى بالجوانب العملية التطبيقية، والممارسة الواقعية للأحكام، والتوجيهات الدينية، فهو حياة الناس، ومعاملاتهم، وهو عبادتهم من: الصلاة والزكاة والصيام والحج، وهو كل ما يتعلق بالحركة اليومية للفرد المسلم.

ومن هنا تتضح أهمية هذا العلم، وضرورة تدريسه، وتقديمه للطلاب لينشأوا على مفاهيمه وآدابه، ويعلموا كيف يؤدون عباداتهم لله عز وجل على النهج الذي يرتضيه الله سبحانه وتعالى.

وقد كان الأمر محسوماً في عهد النبوة، فما من قضية تعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يسمع بها، أو يشاهدها إلا ويفتي فيها بما يوحيه الله إليه، ثم سار الصحابة من بعده على ضوء ما أفتى وبين، فإذا عرض لهم أمر جديد لم يجدوه في كتاب الله، ولا في السنة اجتهدوا رأيهم وأفتوا بما يفتح الله عليهم به.

ثم تتابع الناس ينهلون من الكتاب والسنة وطرائق المتقدمين، ويحكمون على المستجدات بما يفتح الله عليهم، ولما كثر الخوض وانتشر العلم ووقع الخطأ وضع العلماء قواعد وأصولاً للاستنباط والفهم، وأطلقوا عليها (( أصول الفقه ))، وكان أول من دوَّن في هذا المجال الإمام الشافعي رحمه الله، ولا يعني ذلك أن هذا العلم كان مجهولاً للسابقين، وإنما كان فضل الإمام الشافعي في تناوله لعلم أصول الفقه بالكتابة.

ثم انتهى علم الفقه ومدارسه المتبوعة إلى الأئمة الأربعة: الإمام أبي حنيفة النعمان والإمام مالك بن أنس والإمام محمد بن إدريس الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، رحمهم الله جميعاً، وأصبح هؤلاء الأعلام رموز علم الفقه، وأقطاب الفتيا، وأئمة الناس وقدوتهم في الأحكام الفقهية، وتعلقت الأحكام الفقهية بمذاهب هؤلاء الأربعة حتى أصبح من الضروري لمن أراد التفقه في الدين أن يتعلم طرقهم، ويعرف مناهجهم، ويدرسها؛ لتكمل له آلة العلم والاجتهاد.

أهداف تدريس الفقه:

يمكن إجمال أهداف تدريس الفقه الإسلامي كما يلي:

1-التعريف بالأحكام الشرعية بالأدلة والحجج النقلية والعقلية.

2-إظهار خصائص وعظمة التشريع الإسلامي مقارنة بالتشريعات الوضعية.

3-بيان واقعية التشريعات الإسلامية، واتصالها الوثيق بحياة الناس.

4-إظهار الحكمة من التشريعات والأوامر الدينية.

5-التشجيع على تطبيق الأحكام والتشريعات بعد العلم بها.

6-تحقيق الخضوع والرضا بالأحكام والتشريعات الإسلامية.

7-المحافظة على النشء من الانزلاق في المبادئ والتصورات المنحرفة الدخيلة، باعتزازهم بكمال وجمال ما عندهم من الفقه الإسلامي.

8-بيان تجدد هذا الدين، وصلاحه لكل زمان ومكان.

9-الاطلاع على تاريخ التشريع الإسلامي، وعظم الإنتاج الفقهي، والتراث الإسلامي عند المسلمين، وضخامة مكتبتهم العلمية.

10-إبراز عظمة العقلية الإسلامية وتفوقها من خلال بيان مذاهب الأئمة ونظراتهم الفقهية المختلفة.

11-تحقيق مبدأ الأدب والتقدير للعلماء السابقين، واحترام آرائهم، وتقدير مجهوداتهم.

12-تصحيح الأخطاء والتصورات الفقهية التي يمارسها النشء في عباداتهم وسلوكهم.

13-تدريب الطلاب على طرق الاستنباط، واستخراج الأحكام من الأدلة التشريعية.

14-تعريف الطلاب بالآيات والأحاديث المتعلقة بالأحكام الشرعية لتحقيق مبدأ الربط بين جوانب مواد التربية الإسلامية.

التمهيد لدرس الفقه:

يراعي المعلم في تمهيده لدرس الفقه مراحل الطلاب التعليمية وقدراتهم الاستيعابية للمعلومات التي يلقيها عليهم. فطلاب المراحل الأولى يعرض عليهم الفقه على قول واحد في المسألة، فهم لا يملكون القدرة على استيعاب المسائل المختلفة والمتنوعة، ولا يملكون القدرة على التوفيق بينها، إلى جانب أنهم لا يدركون طبيعة الخلاف الفقهي، وجواز وقوعه.

أما طلاب المراحل المتقدمة فإنه يمكن أن يعرض عليهم في المسألة الواحدة أكثر من قول، وذلك بعد أن يكونوا قد أدركوا مبدأ الخلاف الفقهي، وجواز وقوعه، فإنهم إن لم يدركوا ذلك وقعت في نفوسهم خلخلة عظيمة، إذ لا يدركون عظمة هذا الدين وكمال تشريعاته، واختلاف نظرات الناس، وقدراتهم على الاستنباط، واحتمال النص لأكثر من حكم في المسألة الواحدة؛ فيقع بسبب ذلك بغض لأئمة الإسلام، وكره لطرائقهم، إذ يقول المتعلم في نفسه أليس هذا القرآن بين أيدينا، وهذه السنة أيضاً بين أيدينا، فلم إذاً الاختلاف ؟ لماذا لا نكون جميعاً على مذهب واحد وطريقة واحدة ؟ وهذا كثيراً ما يصدر خاصة من الطلاب المراهقين.

    وهنا لا بد للمعلم أن يقرب إلى أذهانهم أسباب الخلاف الفقهي، وحتمية وقوعه، ويدلل عليه من القرآن والسنة، وواقع حياة الصحابة، والتابعين، وكيف أنهم أقروه، بل وألَّف بعضهم في الاختلافات المذهبية، واعتبرها البعض رحمة بالأمة، فهذا الإمام محمد بن عبدالرحمن الدمشقي العثماني الشافعي المتوفى في القرن الثامن الهجري يؤلف كتاباً بعنوان " رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ".

      ويؤلف قبله شيخ الإسلام أحمد بن تيمية كتابه المشهور: " رفع الملام عن الأئمة الأعلام "، وغيرهما كثير، كلها تبيِّن طرائق الأئمة المختلفة في إصدار الفتوى، وشروطهم، وقواعد استنباطهم، مما لا يدع مجالاً لأحد للاعتراض عليهم، أو تسفيههم، بل يدفعه إلى النظر الصحيح في حسن اختيار الأقوال الراجحة من الأقوال المرجوحة.

    ويمكن للمعلم أن يضرب للطلاب مثلاً من واقع العهد النبوي، ففي قصة قتال بني قريظة، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا يصلي أحد العصر إلى في بني قريظة: يعد مثالاً جامعاً نافعاً، موضحاً لهذه القضية أفضل توضيح.

    ويحاول المعلم في أول الأمر أن يعرض عليهم الأمر النبوي، ويقول لهم لو كنتم في ذلك الموقف ماذا كان أحدكم يعمل؟ ثم يسأل كل من يجيبه بجواب عن أدلته، فإنهم بالتأكيد سوف يختلفون في ذلك على القولين المشهورين، ويستدل أحد الفريقين بأهمية أداء الصلاة في وقتها، والفريق الآخر بضرورة طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.

    وهنا يبين لهم كامل القصة، وأن الصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا على نفس القولين، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام أقر الفريقين على اجتهادهما، ولم يعنف أحدهما.

ويمكن للمعلم أن يستعين في ذلك ببعض الكتب الحديثة المؤلفة في هذا الموضوع ككتاب: " موقف الأمة من اختلاف الأئمة "، للشيخ عطية محمد سالم، وكتاب: " دراسات في الاختلافات الفقهية "، للدكتور محمد أبو الفتح البيانوني وغيرهما..

وبالإضافة إلى ما تقدم في عموم تمهيد المعلم لدروس الفقه: أن يشعر طلابه بأهمية دراسة الفقه من خلال تجسيد الحكمة من الموضوع، وبيان حاجاتهم إليه، وبيان صلته بحياتهم التي يعيشونها، وذلك ليزداد إقبالهم على العلم، والرغبة فيه.

ويراعي المعلم فروق السن بين الطلاب، ففي درس الوضوء - مثلاً - للصغار يكتفي بتعليمهم أركانه وطريقته، ويبين أنه طهارة للأعضاء الظاهرة من الأوساخ والقاذورات، أما مع الكبار فإنه يزيد على ذلك بأن الوضوء مطهرة للظاهر والباطن، وأنه استعداد للوقوف بين يدي الله تبارك وتعالى في الصلاة التي توصل العبد بربه، وأنها تسمو بالعبد إلى مدارج القبول، والشفافية والروحانية، وترفعه فوق الشهوات والنزوات الساقطة الرخيصة، كما أنها تذهب بذنوبه مع كل قطرة من قطرات الماء الساقطة من المتوضئ.

ويراعي المعلم أن سير عجلة الفقه في العصور المتأخرة بطيء جداً، فكثير من القضايا المعاصرة لم تعالج فقهياً بعد، مما يسوق الشباب إلى الاعتقاد بانتهاء هذا الدين، وأنه لا ينفع لزماننا، وهنا على المعلم أن يبين في هذا المجال ما يكون رداً نافعاً لإقناع الشباب، كما يراعي حاجة الشباب إلى الكتب الفقهية الميسرة، إذ إن الكتب القديمة أُلِّفت وعُرضت لتناسب الكبار دون الصغار، وهذا يتطلب من المعلم جهداً مضاعفاً لتدارك هذا النقص ومعالجته.

خطوات تدريس الفقه:

ترتبط دراسة الجوانب الفقهية، وما يتعلق بها من أحكام بالعقيدة ومقتضياتها؛ فالعبادات، والمعاملات، وغيرهما ترتبط بإيمان المسلم، ومدى اعتقاده وتمسكه بالشريعة وأحكامها، فالقرآن والسنة يصفان المؤمن بأنه يقيم الصلاة، ويؤدي الزكاة، ويصوم، ويقوم بالعبادات، قال الله تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٍ } [الأنفال:2-4]. فلا ينبغي للمعلم عند تناوله قضايا الفقه والأحكام أن يعالجها بعيداً عن المعتقدات الإيمانية، فإن كل مسألة جاء بها الدين - واجبة أو مستحبة أو محرمة أو مكروهة - إنما هي إيمان واعتقاد، فهي لم تكتسب الحكم من وجوب، أو ندب، أو كراهة ونحوها إلا من خلال الوحي المبارك، الذي هو صلب معتقد المسلم، وقاعدة إيمانه ويقينه، فلا بد من الربط الوثيق بين العقيدة والأحكام الفقهية.

ومن أهم ثمرات هذا الربط: الوصول بالتلاميذ إلى مبدأ التسليم لله عز وجل في جميع ما شرع، فهموا الحكمة من التشريع أم لم يفهموها، خاصة في هذا العصر الذي كثر فيه الجدل، والاعتراض على جوانب كثيرة من الأحكام الشرعية.

ويراعي المعلم أيضاً عند تدريسه أن يتجنب البدء بالتعريفات الفقهية، بل يجعلها مرحلة أخرى، وذلك لأن التعريفات عبارة عن مفاهيم محدَّدة مستخلصة من الأمثلة الكثيرة، بل الأفضل البدء بالأمثلة التي يمكن أن يدركها الطلاب ثم بعد ذلك يعرض عليهم التعريف، وقد أدركوه من خلال الأمثلة.

ويتنبه المعلم في دروسه الفقهية ألا يبدأ بعرض الحكمة من التشريع قبل أن يبيِّن التشريع نفسه؛ لأن معرفة الحكمة واستخلاصها من التشريع عملية أعمق بكثير من مجرد معرفة التشريع نفسه؛ فعلى سبيل المثال لا يمكن للطلاب أن يتصوروا مبدأ المساواة بين الناس في الحج إلا بعد أن يعرفوا الأحكام المتعلقة بالحج كاللباس، والاجتماع في مكان واحد، وتساوي الجميع في المناسك ونحو هذا، لهذا لا بد من مراعاة ذلك.

وحول المصطلحات القديمة خاصة ما يتعلق بالأوزان والمسافات، فعلى المدرس أن يراعي فهم التلاميذ لهذه المصطلحات، فيقربها لهم بالمقاييس الحديثة، مبيناً أن منهج السلف كان منهجاً دقيقاً، بعيداً كل البعد عن الفوضى، والتسيب، مراعياً أيضاً تيسير بعض هذه المصطلحات والتعبيرات الفقهية، مركزاً على القضايا والأحكام المعاصرة، والتي تمس حياة الناس والمجتمع مباشرة، ويكن الاستعانة في هذا الباب بما ألفه بعض الفقهاء المعاصرين من تبسيط الموازين والمكاييل والمسافات، وفق ما يقابلها من المقاييس الحديثة.

وقبل الدخول في الدرس لا بد أن يكون المعلم قد ألمَّ بموضوع درسه، وحضره في كراسه الخاص، وراجعه قبل الدخول إلى الفصل، وعند البدء يحاول أن يدخل في موضوعه من خلال سؤال الطلاب عن ذلك الموضوع، ليعرف ما لديهم من معلومات حوله، أو يحاول أن يناقشهم مناقشة قصيرة يصل من خلالها إلى عنوان درسه، أو يدخل على الموضوع مباشرة - في بعض الأحيان - خاصة إذا ضاق الوقت.

ويذكر المعلم الحكم الفقهي مجرداً عن الدليل في أول الأمر، اقتداء بكتب الفقه الميسرة للمبتدئين، والتي تضع الحكم دون الدليل، ثم يدلل عليها من الكتاب والسنّة، ثم يشرح هذه الأحكام، ويبيّن وجه الدلالة فيها على الحكم الذي ذكره في أول الدرس.

وإن كان درسه متعلقاً بجانب عملي كالوضوء والصلاة، فإن الأسلوب العملي - خاصة بالنسبة للطلاب في الصفوف الأولى - يكون أنفع لهم، فيصطحبهم إلى المسجد، ويبيّن لهم عملياً طريقة الوضوء، ويشرح لهم عملياً طريقة الصلاة.

ثم يقرأ المعلم، أو أحد التلاميذ الدرس من المقرر، ثم يبادر بسؤالهم عن الموضوعات التي تناولها في الدرس ليعرف مدى استيعابهم، ووصول المعلومات المطلوبة إلى أذهانهم.

ولا بأس أن يعطي الطلاب فرصة - خاصة الكبار منهم - لعرض أسئلتهم الفقهية الخاصة، ويجيب عما يعرفه منها، أو يؤخر بعضهم إلى الدرس القادم فيجيبهم بعد الرجوع إلى الكتب والمراجع.

ويمكن إجمال خطوات سير درس الفقه على النحو التالي:

1-كتابة عناصر الدرس على السبورة، أو على ورقة كبيرة وتوضع أمام الطلاب.

2-توجيه أسئلة حول العنصر المراد شرحه، ثم بيان حكمه وتسجيل ذلك على السبورة، مع بيان أهميته، والدليل النقلي والعقلي الخاص به.

3-ثم يتولى المعلم كل عنصر بالطريقة نفسها شرحاً وبياناً.

خاتمة درس الفقه:

يختم المعلم درسه الفقهي ببيان أهمية ووجوب التطبيق، وأن من بلغه علم صحيح وجب عليه العمل به، وممارسته وإلا كان من الذين يقولون ما لا يفعلون، ويضع المعلم هذه الفكرة في هيئة موعظة مؤثرة تدفع الطلاب إلى العمل بما علموه.

ويمكن تكليفهم بإجابة أسئلة المقرر عن الموضوع، مع المراجعة في الكتاب، وتحضير الدرس القادم، ولا بأس أن يحيلهم - خاصة في المراحل المتقدمة - إلى بعض المراجع وأمهات الكتب الخارجية، لمن أراد أن يستزيد خاصة من الطلاب المتفوقين.