الصفحة الرئيسة @ المقال الشهري @ ضوابط إعطاء الطفل المعلومات الجنسية
مقال شهر صفر 1441هـ
ضوابط إعطاء الطفل المعلومات الجنسية
يعتبر مجال التربية الجنسية مجالاً خصباً لأهل الأهواء لنشر باطلهم، وانحرافاتهم الخلقية، وأفكارهم الضالة، بدعوى العلم والموضوعية، زاعمين خوفهم على النشء الجديد من العقد النفسية، والضلال الجنسي، فمنهم من يزعم أن للطفل نشاطاً جنسياً يبدأ من ميلاده، يتمثل في علاقة الولد بأمه، وكرهه لأبيه الذي ينافسه عليها، ويسمون هذا النوع من الشعور (بعقدة أوديب)، وبعضهم لا يرى مانعاً من نظر الولد لعورة والديه في بعض الأحيان، ولا بأس عندهم من أن يتناول الأطفال من أبناء الأسرة الواحدة فروج بعضهم البعض، والبعض الآخر من هؤلاء يسعى نحو تخفيف تأنيب الضمير لدى متعاطي العادة السرية فيزعمون أنها لا تضر الجسم.
وهكذا تصدر الكتابات الكثيرة في هذا المجال الخصب ليضلوا بها الآباء عن قصد، أو عن غير قصد، معتمدين على بعض الوقائع، أو التجارب، أو الآراء والاتجاهات الشخصية، ولعل لهؤلاء وأتباعهم من أهل الملل الضالة شيئاً من العذر؛ لقلة ما في أيديهم من وحي الله المبارك، أما المسلمون فلا عذر لهم يُقبل بعد أن حباهم الله بهذا الدين، وحفظه لهم دون تحريف، أو تبديل، ففيه الهدى والكفاية عن إتباع أهواء أهل الكتاب، ومن شابههم من أهل المذاهب الضالة.
ولقد تضمن القرآن الكريم، والسنة المطهرة آداباً، وتوجيهات كثيرة في هذا المجال، فالاستنجاء، وآداب الغسل، والطهارة، والوضوء للصلاة، تعد مدخلاً جيداً للتربية الجنسية في مرحلة الطفولة، فيتعلم الولد أسماء الأعضاء التناسلية من خلال الممارسة العملية عند تدريبه على الاستنجاء بنفسه، فتسمى له هذه الأعضاء بأسمائها الصحيحة المؤدبة دون الأسماء العامية المنتحلة القبيحة، فيقال له عند التدريب: ((اغسل ذكرك، أو قضيبك هكذا، واغسل خصيتيك هكذا، ونظف دبرك وإليتيك هكذا))، وبهذه الطريقة أو نحوها يتعلم الولد كيف ينظف نفسه، إلى جانب أنه يتعلم - في الوقت نفسه- أسماء هذه الأعضاء من المصدر الصحيح الموثوق، دون أن تُعطى هذه الأعضاء وأسماؤها هالة من السرية، فلا تُثار رغبة الولد نحو مزيد من المعلومات حول هذا الموضوع.
ولا بد أن يدرك الأب أن عدم إعطاء الأولاد المعلومات الصحيحة الكافية حول القضايا المتعلقة بالجنس، سوف يدفع الأولاد للحصول على معلومات من جهات مشبوهة فيؤثر ذلك سلباً على أخلاقهم، ونفسياتهم، وعقولهم.
ولا ينبغي أن يعتقد الأب حرمة الحديث عن القضايا المتعلقة بالجنس، وتعليم الأولاد الاتجاهات الصحيحة في ذلك؛ بل هي جائزة، وربما كانت واجبة في بعض الأحيان إذا ترتب عليها حكم شرعي، من طهارة أو نحوها.
والطفل بين السنة الثانية والثالثة يستطيع أن يدرك الفرق بين الجنسين: كأبويه، وإخوته، وأخواته، ويمكن أن يبدأ الأب معه في التربية الجنسية في هذا الجانب إذا أكثر من الأسئلة حول هذا الموضوع، ولوحظ انشغال ذهنه به.
وكثيراُ ما يخجل الآباء من الإجابة على أسئلة الأولاد، ومصارحتهم ببعض القضايا الجنسية، مثل الفرق بين الولد والبنت، وهذا أمر طبيعي، إلا أن هناك مفهوماً ينبغي أن يدركه الآباء، وهو: أن سؤال الطفل عن الجنس، وما يتعلق به من اختلاف بين الذكر والأنثى، وغير ذلك لا يختلف عن سؤاله عن لون السماء، وذلك لأن خلفية الولد عن هذا الموضوع ضحلة كما هو مفروض، وربما أنه لا يعرف عنه شيئاً، فهو لا يدرك العلاقات الجنسية بين الكبار، ولا يعرف أن الحديث عن هذا الموضوع من العيب إلا في عامه الثامن، لهذا فإن هدوء الأب، واتزانه، وجوابه للولد عن سؤاله بالمعلومات الصحيحة المقنعة، والمناسبة لسنه، يعد الأسلوب التربوي الصحيح في هذا الجانب، فإذا سأل الطفل عن العلاقة بين الجنسين، أو كانت لديه أفكار مشوشة حول هذا الموضوع، فإن الأفكار الصحيحة تقرب إلى ذهنه من خلال اطلاعه على العلاقات الجنسية عند الحيوانات، وكيف تتم عملية تلقيح النباتات، مع ملاحظة عدم التعمق في تفصيلات جانبية كثيرة.
ولتطبيق هذا الاقتراح يؤخذ الولد إلى حديقة الحيوان ليشاهد شيئاً من ذلك، أو تشرح له عملية التلقيح في النبات، وكيف أنه لا ثمرة إلا بهذا التلقيح، كما أنه لا حمل، ولا مولود إلا بهذا الاتصال الجنسي، على أن لا يخوض معه في كيفية الاتصال الجنسي بالنسبة للبشر، فإن ألح في السؤال عن دور الأب فبعض التربويين يقترح أن يُجاب بأن الأب يضع بذرة تجعل الطفل ينمو في بطن الأم.
ومع ذلك: ولا بد من الإقرار بأن الأطفال يأتون من أمهاتهم، دون الكذب بأن الطفل جاء من المستشفى، أو جاء به الطير، أو وُجد عند عتبة الباب، فالصدق أفضل وأحسن.
ولا بد من الاكتفاء بقدر معين من المعلومات الجنسية مراعين في ذلك سن الولد، وقدراته العقلية، مع تقديم هذه المعلومات عند الحاجة بهدوء، دون فوضى، أو غضب، أو غموض وسرية، مع الاحتشام والصراحة والصدق، ولا بأس بتزويد الولد بعض الكتب الفقهية البسيطة التي تتحدث عن هذا الموضوع.
وكل هذه الإجراءات تكون مع الولد الذي شغلته هذه القضايا وأخذ يسأل عنها بإلحاح، أما الولد الذي لم تشغله، ولم يسأل عنها: فلا داعي لإثارتها معه إلا في أضيق الحدود التي لا بدَّ منها.