الصفحة الرئيسة @ المقال الشهري @ الدور التربوي للتليفزيون التعليمي


معلومات
تاريخ الإضافة: 3/8/1440
عدد القراء: 1529
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

مقال شهر شعبان 1440هـ

الدور التربوي للتليفزيون التعليمي

لقد ثبت نجاح التليفزيون التعليمي على جميع المستويات الفردية والجماعية، بكفاءة عالية، قد تفوق نظام التعليم التقليدي، حتى أصبح جزءاً مهماً في هيكل التعليم في كثير من البلاد المتقدمة , خاصة وأنه أقدر على استيعاب الأعداد الكبيرة من المتعلمين بتكلفة اقتصادية أقل من النظام التقليدي، الذي يعاني اليوم مشكلة الإهدار التربوي والمالي , كما ثبت نجاحه الفائق في الفصل بين الجنسين، وإمكانية تقديم المعرفة العلمية للفتيات المحجبات في البيوت، أو داخل المؤسسات التعليمية الخاصة بهنَّ بعيداً عن أجواء الاختلاط المشينة, فأبطل بهذا النجاح الباهر على أحد المغرضين ربطه بين تعليم الفتاة وضرورة نزع الحجاب، حيث قال : " ربما يُقال إن في طوع المرأة وإمكانها أن تستكمل تربيتها، وتتم دراستها في بيتها، وهو وهم باطل . . . ذلك لأن الحجاب يحبس المرأة في دائرة ضيقة، فلا ترى ولا تسمع ولا تعرف إلا ما يقع فيها من سفاسف الحوادث ".  

وأما من جهة جدوى التليفزيون التعليمي في تحقيق الأهداف التربوية والتعليمية، فالحقيقة الواقعية تشير إلى أنه : " نهج تعليمي قائم بذاته، وأنه أكبر مشروع تربوي على الإطلاق في الوقت الحاضر، وله من الخصائص المغروسة فيه ما يمكِّنه من التسلُّط على الناشئين بقوة رهيبة ", فهو إن لم يفق التعليم التقليدي تربوياً فإنه لا يقلُّ عنه بحال, فقــد " أثبت التليفزيون دوره المتفـــوق في تدعيــم وتحسين عملية التعلم والتعليم كماً ونوعاً ", والتجربة الواقعية العالمية تثبت تفوقه التربوي، ونجاحه بقوة، فلم يعد مجرَّد آلة فحسب، أو وسيلة لتعزيز التعليم، بل أصبح جزءًا أصيلاً من العملية التربوية .

وأما من جهة أنواع العلوم التي يمكن أن تُقدَّم من خلال التليفزيون التعليمي: فقد أثبت التليفزيون – بقدر ما أثبت في الجانب السلبي – قدرته الفائقة في تعليم كل العلوم والمعارف بلا استثناء، بما في ذلك علم اللغات، والبرامج العسكرية، والعلوم الهندسية، والحاسب الآلي، وحتى الجراحة الطبية, مع تفوقه المذهل في تضخيم ومضاعفة محتويات المنهج، ونقل التجارب العلمية، والخرائط، والأفلام بصورة جيدة للمتعلمين، مع قدرته التقنية الفائقة في تحقيق أسلوب التعليم المثالي، بضرورة مراعاة التوجه الكامل أثناء الدرس إلى كل متعلم بذاته، في الوقت الذي يعجز فيه التعليم التقليدي عن تحقيق ذلك، حتى إن بعض المؤسسات التعليمية التي استخدمته
قريباً – بصورة بدائية ضمن شبكات مغلقة محدودة – قد نجحت في تخريج أفواج من الفتيات، تفوق أعدادهن وتحصيلهن – أحياناً – أعداد الطلاب الذكور وتحصيلهم في مراحل التعليم العالي؛ فقد أثبتت التجربة الواقعية في المملكة العربية السعودية نجاح التليفزيون التعليمي في تعليم الفتيات في التعليم العالي، رغم قصور هذه التجربة في أساليب استخدام هذه التقنية ومحدوديتها، حين انحصرت في مجرد دوائر تليفزيونية مغلقة.

وإضافة إلى كل هذه المميزات المتفوقة للتليفزيون التعليمي فإن بناءه التقني قد استغل حاسة البصر، وهي أعظم حواس التعلم عند الإنسان؛ فإن (90%) من معلومات الإنسان، وخبراته يكتسبها عن طريق العين، فإذا اجتمعت حاسَّتا السمع والبصر، تحسَّن التعليم بنسبة (35%)، وزادت قدرة المتعلِّم على الاحتفاظ بالمعلومات بنسبة (55%)، وقد أثبتت التجربة التطبيقية أن مجرد وجود الحاسب الآلي مع المقرر التقليدي يسهم بصورة إيجابية في تعزيز العملية التعليمية .

ومع تساوي الأنثى والذكر في مسألة النظر؛ فإن الإناث يتفوقن على الذكور في ناحية السمع؛ إذ تجد الكلمة المسموعة موقعها من عقولهن ونفوسهن أكثر مما تجده عند الذكور؛ فإن حاسة السمع في حد ذاتها يمكن أن تكون وسيلة الفتاة إلى كثير من العلوم، حتى إن أعلى درجات التفوق العلمي يمكن أن تصل إليها الفتاة عن طريق المعارف المسموعة؛ فالسيدة عائشة – رضي الله عنها – لم تبلغ ما بلغت – حتى في العلوم الطبية – إلا من خلال السماع، فإنها لم تكن تكتب، كما أن قدرتها على القراءة كانت ضعيفة، ورغم ذلك فاقت جميع قريناتها حتى من الكاتبات، فإذا اجتمع للفتاة الجادة السمع والنظر عند التَّعلُّم، حصل لها بالوسيلتين أعلى درجات التعلم، وقد أجاز علماء الحديث التواصل بالكتابة بين المعلم والطالب دون لقاء، فينقل عنه بهذه الإجازة ويروي، ولا شك أن التواصل من خلال التليفزيون التعليمي أبلغ من هذا وأتم ؛ إذ يجمع بين الصورة والصوت والكتابة في وقت واحد، ويمكــن أن يتحقق من خلاله أيضاً التواصل بالمشافهة والنظر بين المتحدثين.

ولما كان أداء التليفزيون التعليمي بهذه الجودة الفائقة ضمن فكرة التعليم عن بعد، زادت اهتمامات التربويين به دراسة وبحثاً ، حتى قام الإجماع – الذي لم يعارضه شيء يُذكر– على ضرورة استخدامه في الشؤون التعليمية، وصدرت بحقه التوصيات الجماعية عبر المؤتمرات والندوات التربوية، وكذلك التوصيات الفردية من خلال البحوث النظرية والميدانية، بأهمية إعطاء التليفزيون التعليمي مكانه المناسب ضمن العملية التربوية في البلاد الإسلامية، فلن يكون غريباً أو مستهجناً – بعد هذا – أن تشمل هذه التوصيات نصف المجتمع، الذي يُعد – في الحقيقة – أحوج أعضاء المجتمع – بحكم طبيعته وظروف مهامه الاجتماعية – إلى تنفيذها، والأخذ بها في الواقع التربوي والتعليمي، وما قد يرد من اعتراضات على بعض أساليب التعليم عن بعد؛ إنما ينحصر غالباً في أساليب التطبيق، وليس على مبدأ الفكرة .