الصفحة الرئيسة @ المقال الشهري @ مدرسة الطوارئ
مقال شهر محرم 1436هـ
مدرسة الطوارئ
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، خير نبي أسله بالهدى والنور ، فبلَّغ الرسالة ، وأدَّى الأمانة ، ونصح الأمة ، وتركها على المحجَّة البيضاء ، لا يزيغ عنها إلا هالك ، أما بعد .. فإن العديد من المجتمعات الإسلامية المعاصرة - في هذه الحقبة التاريخية الحرجة - تخوض جمعاً من الأوضاع الاستثنائية في المجالات : الاجتماعية ، والاقتصادية ، والسياسية ، في ظلِّ الصراعات والأزمات الإقليمية والدولية ، والكوارث البيئية ، التي تؤثر بصورة مباشرة على أوضاع الناس الاجتماعية والاقتصادية ؛ فتعطل أسباب نموها الطبيعي ، وتعرقل جهود التنمية ، فتوقع المجتمعات المتضررة في ضيق وحرج شديد ، يستدعي بالضرورة النجدة الإنسانية ، ويتطلَّب التعاون الاجتماعي ، ويفرض حقَّ الأخوَّة الإسلاميَّة .
وتعتبر المدرسة من أكثر المرافق الحيوية تأثراً بالأوضاع الاستثنائية ، من جهة تعثر رسالتها أو تعطلها بالكلية ، في ظلِّ النزاعات العسكرية ، والصراعات الطائفية ، والكوارث البيئية ، التي تعصف بكثير من المجتمعات الإسلامية المعاصرة ، فيما يسمَّى بالعالم الثالث ، الذي يحاصر غالب دوله الثالوث المدمِّر : الفقر والمرض والجهل ، فتعاني المدرسة من جرَّاء ذلك أشدَّ ما تعانيه باقي المؤسسات ، لما يترتب على تعطيلها من فوات مصالح الجيل الجديد ، وضياع آماله ، وتعطُّل أهدافه ، وما يلحق بذلك من تعثر عجلة التنمية ، في منطقة من العالم لا تتحمَّل مزيداً من الأزمات والمشكلات .
وهذا الواقع الاستثنائي الذي تعيشه اليوم بعض المجتمعات الإسلامية يحتاج بالضرورة إلى فكرة إبداعيَّة جديدة ، تخفِّف من معاناة الأزمة ، وتنفِّس من كربها ، وفي هذا تبرز فكرة : ( مدرسة الطوارئ ) ، التي تستطيع - في الظرف الاستثنائي الحرج - أن تؤدي رسالتها التعليمية بصورة كاملة أو جزئية ، وفق المتاح من الظروف والإمكانات ؛ بحيث يحصل الطلبة على قسط من الرسالة التعليمية بصورة مستمرة دون انقطاع مخلٍّ بجوهر العملية التعليمية ، ضمن شرط الأمن والسلامة ؛ فتتخذ إدارة المدرسة المتاح من الأساليب والوسائل والطرائق ما يحمل الرسالة التعليمية إلى الطلبة المتعثرين في مدنهم ، أو المحتجزين في قراهم ، أو المهجَّرين في ملاجئهم ، فلا يفوت هؤلاء حقَّهم المشروع من التعليم ، ولو بصورة محدودة وجزئية ، ضمن أداء تربوي بطيء ، وفق ما يسمح به الوضع القائم .
وهذا - لا شك - خير من حرمانهم بالكلية من حقِّ التعليم بسبب الظرف الاستثنائي ، وتعريضهم للجهل والأمية ، وتسويغ البطالة لهم ، وتعريضهم مستقبلاً لأزمات التخلُّف الاجتماعي ، وتبعاته الاقتصادية والاجتماعية والنفسية .
وهذا النوع من مدارس الطوارئ يتطلب أفكاراً إبداعية جديدة ، ومقترحات عملية فريدة ، تستغل كلَّ إمكانات الظرف المتاحة ، ضمن نهج تطبيقي رائد ، يمكِّن أصحاب الظروف الحرجة من التكيُّف مع المواقف المختلفة ، كلٌّ حسب واقعه وطبيعة أزمته ونوع معاناته ، مع اتخاذ حزمة من الآليات الإدارية والفنيَّة والتقنيَّة ، التي تمكِّن الرسالة التعليميَّة من بلوغ مداها ، وتضمن لها الاستمرار والتطور ، مع ضرورة السعي الجاد والسريع في العودة بالمسار المدرسي إلى وضعه الطبيعي ، كلَّما سنحت فرصة لذلك ؛ بحيث تكتسب مدرسة الطوارئ خاصيَّة المرونة الفنيَّة والإدارية ، للتنقُّل السلس – حسب الحاجة – بين مسار الطوارئ والمسار الطبيعي ، دون عوائق تربك استمرار عطائها التربوي .
ورغم المحاولات المشكورة التي قامت بها بعض الجهات الرسميَّة والأهليَّة في هذا المجال الإنساني ، ضمن بعض مواقع الصراعات والأزمات ، إلا أنها مع ذلك تبقى محاولات اجتهاديَّة محدودة ، وربما وُصف بعضها بالقاصرة ، التي لا ترقى إلى حجم الحاجة الواقعية ، ولا تلبي طموح المستفيدين من أبناء المجتمعات المتضرِّرة .
لذا فإن مقترح مدرسة الطوارئ يتطلَّع – بالدرجة الأولى - إلى المبدعين من الروَّاد التربويين ، وقادة الإداريين ، والمهندسين الفنِّيين ، والناشطين الفدائيين ، بحيث يتكامل أداء هؤلاء فيما بينهم ، وفق آليَّات عمل محكمة ، كلٌّ فيما يخصُّه من مهمات الأداء ، حتى تتبلور الفكرة وتنضج ، ومن ثمَّ تدعم بالميزانيات المالية ، التي تجعلها متاحة للمتضرِّرين في مناطقهم ، بصورة سهلة ويسيرة وآمنة .